روبورتاج: بوقانا.. شريط ساحليّ توقف به تطوّر حياة الناظوريين

19 نوفمبر 2014آخر تحديث :
روبورتاج: بوقانا.. شريط ساحليّ توقف به تطوّر حياة الناظوريين

بوقانا.. شريط ساحليّ توقف به تطوّر حياة الناظوريين

بوقانا.. شريط ساحليّ توقف به تطوّر حياة مغاربة

بالرغم من كون الشريط الساحلي لـ”بُوقَانَا” يبعد عن مركز بني أنصار بـ7 كيلومترات فقط، حيث يوجد مقر البلدية التي تبسط نفوذها التدبيري على المنطقة، وكذا توفره على إطلالة تجعله مواجها لمدينة الناظور، غير أنه يبقى مواجها لـ”تحديات كبرى” وواقع الحال ينمّ عن غياب مخططات التأهيل وروح الإهتمام بهذا الحيز الترابي الساحلي المتميز بموقعه ما بين بحيرة مارتشيكا، أو “سبخَة بوعرك” وفق تسمية المختصّين، من جهة، والبحر الأبيض المتوسط، من جهة ثانية.

ويعد الحيز الترابي المشتهر بتسمية “بوقانا” فضاءً محتضنا لتجمعات سكانية متفرقة، وهي تحتضن ما يزيد بقليل عن الـ250 من المنازل، بينما يقدّر تعداد الساكنة المستقرة بها في 750 نسمة.. ذلك أن رياح الهجرة هبّت بعنف لتقتلع الكثير من الناس قبل أن تحطّ بهم ببني انصار أو النّاظور، وكذا مدن أخرى وفرت لـ”النازحين” ما لم يتواجد ببيئتهم الأصل.

الطرق إشاعَة

للوصول إلى “بوقانا” ينبغي قطع الكيلومترات السبع، انطلاقا من بني انصار، وسط ممر غير معبد ولا يصلح لاستعمال السيارات.. ويقول ياسين، أحد أبناء المنطقة الذين تحدثت إليهم هسبريس، إنّ التحرك للتسوق، او حتى قصد المشفى أو المدرسة، ينبغي أن يتم مشيا على الأقدام، وفي أحسن الأحوال يمكن استعمال الدراجات.. بينما تغيب وسائل النقل العمومي، وحتّى أصحاب سيارات الأجرة الذين يغامرون بمركباتهم لإيصال زبون أو اثنين لا يقبلون مقابلا ماليا يقل عن الـ50 درهما لقطع الكيلومترات السبع.. ويزيد ياسين: “الساكنة فقيرة، وجل الناشطين يقبلون بعضلاتهم على الصيد التقليديّ.. بينما كل المجالس البلدية المتعاقبة على تسيير المنطقة تعتبر ساكنة بوقانا مجرد أصوات انتخابية، لذلك بقي الحال شبيها بنظيره لمن يتواجدون في قمم الجبال بعيدا عن الحضارة”.

اليافع محمد، وهو تلميذ يضطر لقطع “ممر بوقانَا” يوميا ليلتحق بالدراسة في إعدادية ببني أنصار، يقول إنّه يضطر للاستيقاظ في السادسة صباحا للحاق بموعد الدخول للفصل، مستعينا في ذلك بدراجته الهوائية التي تحمله أربع مرات كل نهار.. ويزيد ضمن تصريح لهسبريس: “قد أضطر لمرات إلى البقاء ببني أنصار حتى نهاية فترة التمدرس، مساء، لأن الطريق أنهكتني.. ولولا رغبتي في التحصيل لاخترت ما أقدم عليه أقراني مغادرة القسم.. وآمل أن تفلح دراستي في إخراجي وأسرتي من هذا الوضع”.

غياب الـ”كهرمَاء”

هنا بوقانا.. ولا مجال للحديث عن مشاهدة التلفاز أو الاتصال بالإنترنيت، أو حتى ضمان استعمال سلس للهواتف المحمولة وما يجاورها من إبداعات التكنولوجيات.. فالساكنة تتواجد خارج شبكة التزود بالكهرباء، ولا تتوفر على ربط بقنوات المياه الصالحة للشرب.. وبالتالي تغيب حتى خدمة الصرف الصحي عن المنازل.

الشاب محمد، من أبناء التجمع السكاني لبوقانا، يورد بهذا الشأن: ” أقدم عمال، قبل 9 سنوات، على تثبيت عمود إسمنتي وسط الحي الذي أقطن به، وقيل لنا حينها إنه سيحمل الأسلاك التي ستزود منازلنا بالكهرباء، إلا أننا ما زلنا ننتظر أن يتم ذلك”.. وبابتسامة تعلو محياه يزيد: ” نعيش بالشموع وسط السنة الخامسة عشر من الألفية الثالثة، وبعض ساكنة المنطقة كانوا يستعينون، سابقا، بمولدات تعمل بالبنزين من أجل توليد الطاقة الكهربائية، لكن الزيادة في أسعار المحروقات جعلت هذا التوجه يندثر ليغيّب التلفزيونات والثلاجات ويجعل السيادة لأنوار الشموع”.

ياسين، الطالب الجامعي الذي عانى المرّ من أجل التفوق دراسيا حتّى يتجه للتخصص في التكوين الأكاديمي الاقتصاد بجامعة فاس، يعتبر أن أكبر سبب للهدر المدرسي ببوقانا هو غياب الكهرباء، واسترسل: “كيف يمكن لمتمدرس، حاليا، أن يتفوق على أقرانه وهو يطالع على أضواء الشموع، بينما من يقاسمونه الفصل تتوفر لهم الكهربة ولجون الإنترنيت لتقوية مداركهم ويطوروا ملكاتهم”.

ويضطر سكتن بوقانا، يوميا، لحمل غالونات بلاستيكية من أجل التزود بالماء من الصنبور العمومي الوحيد الذي تمّت مركزته وسط الحي.. “لقد سبق للمسؤولين أن أوقفوا تدفق المياه من الصنبور لمدة ثلاثة أشهر، وأجبرنا على التنقل في كل يوم نحو بني انصار بحثا عن المياه، لكن الاحتجاجات عاودت تمكيننا من خدمات الصنبور الوحيد.. أمّا صرف المياه العادمَة فلا يتم سوَى نحو حفر تنتشر بكل مكان، وهي الشهيرة باسم المَطمُورَات” يزيد ياسين.

المرض ممنوع

لا تتواجد ببوقانا سوى مدرسة ابتدائية بنتها سيدة ميسورة، تنحدر من الناظور.. فيما لا وجود لسيارة إسعاف أو مستوصف.. وعن ذلك يقول محمد: “ممنوع علنّا المرض، ومن طالته متاعب صحيّة عليه أن يستعين بخدمة من يتوفرون على سيارة من أجل النقل نحو مشفَى النّاظور”.

ويزيد ذات المتحدّث بأن النساء الحبليات يواجهن إشكالات كبيرة مع اقتراب أوقات الوضع، خاصّة حين يفاجئهنّ المخاض على غفلة منهنّ أو بشكل مسبق عمّا هو مقرّر.. “غالبيّة نساء بوقانا يسود بينهن التضامن، إذ يساعدن الحوامل على الولادة ببيوتهنّ، في ظروف حرجة للغاية، عوضا عن المخاطرة بتنقل قد يجعلهنّ يضعن رضّاعهنّ وسط السيارات إن تمّ توفيرها..”.

غياب وكالة مَارتشِيكَا

تعدّ وكالة تهيئة ضفاف بحيرة مَارتشِيكَا إحدَى أهمّ المؤسسات المتدخلة بفضاء بوقانا المليء بالمحن، غير أنها، منذ تأسيسها للإشراف على المواقع السبع السياحية الكبرى التي يتوقع أن تغدو عمليّة منتصف عشرينيات القرن الحالي، لم تبصم على أي فعل ببوقانا.

وترى ساكنة المنطقة أن وكالة مَارتشِيكَا لا تتوفر على برنامج تدخل يهم تنمية العنصر البشري، ضاربة المثل بحالها الذي لم يلمس أي تدخل.. إلاّ أن الشباب ببوقانا لا يخفون رصدهم لإقدام “مَارتشِيكَا مِيد”، بطريقة مواظبة وعبر شركة متعاقد معها، على لمّ النفايات الصلبة التي ينتجونها، وذلك لتفادي أي تلوث قد يطال “سبخة بوعرك”.. ويواصلون بتطابق: “الوكالة لا تهتمّ بحال الإنسان، وتتدخّل ضمن النتائح التي يسفر عنها واقع هذا الحال”.

واحد من الشبان الذين تحدثت إليهم هسبريس قال: “لقد منع علينا حتى إصلاح بيوتنا أو بناء أخرى بقرار من وكالة مَارتشِيكَا.. وهي هنَا من أجل المال الذي يبرز لها من العقارات التي تضع أيديها عليها، بينما الاستثمار في العنصر البشري، الذي هو جزء من البحيرة التي تهمّ تدخلها، فذلك بعيد عن المنال تماما.. وكأنّ مسؤولي الوكالة ينتظرون رحيلنا كي يقيمُوا ببُوقَانَا ما أرادُوا لنيل الأرباح المالية والإشادات التي ينشدونها من كبار المسؤولين”.

نداء استغاثَـة

يجمع من التقت بهم هسبريس وسط بوقانا على ضرورة تحرك المسؤولين المركزيّين، على أعلى مستوى، لفك عزلة منطقة تبدُو خارج السياق المغربيّ العاديّ.. فالناس هنا فقدُوا الثقة بمن يجاورون بيئة عيشهم، ويصرون على انتظار أمل، قارب أن يكون مفقودا، قد يأتي من خارج إقليم الناظور.

كهرباء وماء وصرف صحي وطريق ومستوصف.. هذه هي مطالب ساكنة بوقانا وهي تتموقع وسط مشاريع مبرمجة وسط بحيرة مارتشيكَا لجعل “السبخة” قبلة للسياحة العالميّة قريبا.. وذات المطالب هي التي دأب “ضحايا تدبير الشأن العام” على المطالبة بها كلّ “موسم انتخابي”.. وحتَّى إن لاقُوا الملك فهم لن يدعو للتمتع بغير ذلك إن سُئلُوا ما يشاؤون.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق