منبر الرأي من الحسيمة: عاما بعد وفاة فاطمة ازهريو بالسرطان، ما الذي تغير في الريف؟

6 يناير 2015آخر تحديث :
منبر الرأي من الحسيمة: عاما بعد وفاة فاطمة ازهريو بالسرطان، ما الذي تغير في الريف؟
فاطمة أزهريو السرطان و الريف
فاطمة أزهريو السرطان و الريف

علي العبوتي
قبل عام من الآن كان معظمنا أكثر شعورا بروحهم بحركات أعضائهم الداخلية، لأننا جميعا كنا نؤمن بأن جسم أيّ واحد منّا قد يكون مريضا بداء، لا علاج له، ما دمنا ننتمي لعائلة واحدة: الريـف. هذا التحسس الذي تمخّضت عنه شتى أنواع الإبداع من صرخة، أغنية، قصيدة، لوحة… وإلى غير ذلك، سرعان ما توقف. كما تلاشت اللوحات الابداعية واندحرت. فمن يا ترى جعلنا نرهف السمع إلى دواخلنا بتلك الطريقة في ذلك الوقت بالضبط؟ وما هو المرض المستعصي الذي بات يهدّدنا ما دمنا ريفيين؟ ولماذا خَمدت كل تلك الإبداعات بعد فترة صغيرة من اشتعالها؟
صبيحة اليوم الرابع من شهر يناير 2014، استيقظنا على خبر وفاة طفلة لم تتجاوز ربيعها الرابع عشر، في غرفة من غرف المستشفى الجهوي بمدينة الحسيمة. كان اسم البنت هو فاطمة، وكنّا نتابع حالة مرضها، المتجلية في إصابتها بداء سرطان الدم، قبل أيام. حتى إننا تبرعنا لها بالدم آملين في إنقاذها من ”الخنزير” الذي يفتك بجسمها. لقد تفاجأنا وتبادلنا التعازي، وسمعنا بعضنا يقول:
– أتعرفون؟ إن فاطمة ضحية لإهمال طبي. لقد رأينا صورا للمستشفى الذي كانت ترقد فيه.. لا أجهزة، ولا رحمة في بعض الأطباء والممرضين الذين كُلّفوا بالعناية بها.. تصوّروا أن أنف فاطمة كان ينزف دما، فكانوا هم يحشون في منخاريها مناشف الحمام! تصوروا أن أكلها كان يُجلب في صحون متسخة ويُرمى في الأرض لتأكله القطط أمام أعين المريضة التي لا حول لها ولا قوة!.. وحتى دمنا الذي وهبناه لفاطمة لا نعرف مصيره.. يا إلهي! لقد سقينا العبوات دما كي لا نلقي بفاطمة إلى التهلكة، فهي نفسنا، لكن ”المُشْــتشفى” تحالف مع الموت.. وها نحن فقدنا فاطمة.. وما زلنا نفقدها..
وأكد البعض الآخر قائلا:
– نعم.. بسبب إهمال الأطباء والممرضين، وبسبب نتانة المستشفى أيضا، فقدنا فاطمة التي لم تجد مالا لعلاج مرضها.. فقدنا فاطمة التي حُملت فوق النعش وهي حامل تتوجع. فقدنا فاطمة الذي بقي طريح الأرض يئن دون سرير ولا غطاء. فقدنا فاطمة الذي يعيل أسرة ولم… فقدنا فاطمة وفاطمتين… وفاطمات. لكن ليس هذا هو السبب الوحيد الذي أودى بحياة فاطمة، بل هناك سبب آخر وهو سمّ تجرّعته أرضنا اسمه ”الخردل”. سمّ تسرّب إلينا وراثيا بعد أن دسّه الاستعماريان في شرايين وجينات جدودنا المناضلين…
تطلعنا في وجوه بعضنا بصمت، وحين جنّ الليل قررنا أن نقـول صوتا ونكتب سطرا، لكن لمن؟.. للوُلاة الذين يلون أمرنا. قررنا أن نسألهم: لماذا ترك آباؤكم السم يندّس في أجدادنا؟ أبهذا تتآمرون جميعا مع المستعمر؟ والآن لماذا اخترعتم سما جديدا اسمه ”الإهمال”، وقمتم بدسه في المستشفيات لينخر أجسامنا؟.. تباعدنا، لكننا بقينا نلوك فكرة الغاز السام الذي هبط من طائرات العدو الإسباني خلال حرب الريف مصيبا الأرض والناس، فاكتشفنا أنّ لا أحد اعترف بما اقترفه من جرم، وهذا ما زادنا لهفة لنقول.. لنصرخ.
قلنا الكثير، وسالت الأقلام ترثي وتتهم وتحتج، وبحت الحناجر برفع الشعارات والتغني بـ”ليس فاطمة فقط، بل كلنا ضحايا السرطان”، لكن لم يدم تنفيذ القرار إلا هنيهات. توقفنا ولا نعرف لماذا توقفنا.. نريد أن نستمر ولا نعرف ما الذي يوقفنا.. لم نكن نعلم أن شمعتنا الملتهبة ستكون سريعة الانطفاء هكذا، لكننا كنا نؤمن أن في داخل كل واحد منا فاطمة تجري فيه مجرى الدم.
ولأنني واحد من ”نحن”، وأنتمي لعائلة كبيرة اسمها الريف، ولأن الحالة لم تتغير (لا مستشفى مجهز لمجابهة هذا الموت السرطاني، ولا اهتمام إنساني بالضحايا)، قررت أن أكتب ما قرأتم أعلاه، عسى أن نجعل الحقيقة صحة نتوارثها، نكاية في من دسّوا السم مرضاً لنتوارثه جيلا عن أرض.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق