منبر الرأي مع الباحثة بشرى بلعلي: المشاركة السياسية للمرأة الريفية.. بين الواقع المر والآمال المنتظرة

23 نوفمبر 2015آخر تحديث :
منبر الرأي مع الباحثة بشرى بلعلي: المشاركة السياسية للمرأة الريفية.. بين الواقع المر والآمال المنتظرة

RIFF_358249014لكل مجتمع حياته الخاصة وثقافته التي تميزه عن باقي المجتمعات, وفي نفس المجتمعات أجيال ولكل جيل تاريخه الخاص يختلف باعتبار حظ ذلك الجيل ومشاركته في أحداث المجتمع العام, والمشاركة تكون حسب نسبة استعداد الأفراد ومواهبهم وموقعهم الجغرافي وهامش الحرية والاختيار المتاح أمامهم صغارا أو كبارا كانوا, رجالا أو نساءا,فمثلا ثقافة المجتمع الريفي المحافظة التي تتميز بالانغلاق على المرأة وبأن مكانها الطبيعي هو البيت, فهذا البعد الاجتماعي للثقافة الريفية إلى أي مدى يؤثر بشكل مباشر في ثقافة المرأة السياسية أكثر من الرجل و في مجتمع يوصف بأنه تقليدي, وتجربة المرأة السياسية في تاريخه تجربة متواضعة وحديثة؟
ولكل عصر سقفه الحضاري والثقافي ومن التطلعات والإنجازات يستحيل تجاوزها,إلى أن يحين أو أن يرفع السقف فيه او يتسع, حين ذاك يمكن بلوغ ما كان من المستحيلات سابقا, فكما السقف الحضاري لم يكن يسمح لعصر ابن خلدون بتجزيء العلوم والإعلان عن علم جديد هو العمران, فهل يسمح السقف الحضاري للمجتمع الريفي في وقتنا الراهن من تمكين النساء في المشاركة السياسية ندّا متكافئا امام الرجال؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
تاريخيا: كانت المرأة في المجتمع الأمازيغي تختلف كثيرا عن نساء المسلمين العرب, وهذا إن دل على شيء إنما يدل عن بعض مظاهر الترف والتحرر الناتجة عن الارتقاء السياسي والاجتماعي الذي توفر للمرأة على هذه الأرض منذ قرون خصوصا وأن السجل التاريخي بشمال إفريقيا مازال يحكي عن نساء تصدرن هرم السلطة والسيادة, ومنهن الملكة الأمازيغية داهيا. لكن يبدو أن الفاتحين المسلمين العرب في زمن لاحق لم يهضموا مثل هذا الشكل من العلاقة فتآمروا فيها وسعوا تدريجيا لعزل النساء وراء الأسوار وتعطيلهن عن كل عمل سوى الإنجاب وتربية الأطفال, خاصة وأن العرب قد أخذوا الكثير من حضارة الفرس والروم الذين اتصلوا بهم, ومن بين ما أخذوه التقليل من شأن المرأة وترسيخ دونيتها أمام الرجل.
أما بالنسبة للمرأة الريفية فقد وصفها بعض الإثنوغرافيون وخصوصا “موليراس” Molieras في كتابه (le Maroc inconnu) وقد تميز هذا الباحث بالانتباه الشديد للتفاصيل, كما تميز بقدرة الوصول إلى مجتمع الحريم الريفي فوصف المرأة الريفية بأنها أشبه بالركيزة الأساسية للمنزل فهي التي تدبر معيشة الأسرة ليس فقط داخل المنزل بل أيضا خارجه إذ تتكفل بأعمال الأرض وتدبير الكلأ والمرعى وأيضا تقوم بتبييض المنزل وصناعة الأواني الفخارية التي تحتاجها الأسرة إنها مخلوق عركته الحياة وعركها ونتيجة لمشاركتها وإشرافها على إدارة العمل الاجتماعي للقبيلة ككل كانت تحظى بالاحترام والتقدير من طرف مجتمع الذكور الذي لم يكن أبدا يتحرج من الجلوس بجانبها حول مائدة مستديرة لشرب الشاي وتبادل الأحاديث والأخبار حول شؤون القرية دون ان يكون ذلك مخلا بالشرع أو أعراف القبيلة.
ولقد وقفت المرأة كتفا الى كتف مع الرجل في أمور الحياة وكانت مشاركة النساء تعتبر عنصرا عضويا في العمل الذي يقوم به الذكور إن سلطتهن وكفاءتهن في الاقتصاد ليست مجالا في الجدال إن عمل المرأة وجهدها في الحقل جعلها مستشارة ومسيرة للشؤون السياسية والاجتماعية داخل قبيلتها, إضافة إلى غريزتها وحبها المستميث لأرضها وأهلها هما اللذان دفعا بها للمساهمة في بناء استقلال بلادها, فقد قاومت الاحتلال وناضلت بقوة مما جعلها بمثابة الجبهة الداخلية, والمدعمة لعمل المقاومة فقد كانت تقوم بإمداد المجاهدين بالمؤن وتحثهم على الجهاد وعدم الاستسلام.
وبحكم عيش المرأة الريفية في القرى والبوادي فقد تمتعت بكامل الحرية والتجول والخروج إلى العمل فرفعت مكانتها لحضورها الفاعل و المنتج داخل مجتمعها, فكانت أكثر حظا من نساء المدن المغربية اللواتي توارين وراء الأسوار وتم تحقير مكانتهن وإبعادهن عن كل مشاركة وحضور داخل المجتمع والعمل على عزلهن في نطاق الحريم التابع دائما للرجل.
ثم بعد الاستقلال بفترة بدأت المرأة الريفية تأخذ نصيبها من الحداثة وثقافة الغرب الذي روج لها منذ بديات القرن الماضي باعتبارها إيديولوجيا كونية للتغيير الشامل, أو بمعنى آخر ذلك النمط الحضاري أو الوصفة الحضارية التي اكتسحت كل الحضارات العالمية منذ انتقلت عبر التغلغل الرأسمالي إلى المجتمعات غير الأوربية. كل هذا التغيير جاء نتيجة عوامل الهجرة والاستقرار في أوروبا وعودة النساء المهاجرات بلباس وأناقة ولغة جديدة. للتأثير في بقية النساء وهذا يدل على ان التغيير في وضع المرأة الريفية قد بدأ منذ أكثر من ثلاثين سنة لكنه تغيير لم يمت للتنمية الاجتماعية أو السياسية بصلة, فحسب قول المفكر علي شريعتي “حرية المرأة لا تعني تحررها من الملابس والزينة التقليدية, إن حرية المرأة تعني حرية الاختيار وحرية التفكير وحرية التعبير”. فكانت بذلك المرأة الريفية عصرية فقط دون ان تكون حداثية, فأن تكون عصريا ليس بالضرورة أن تكون حداثيا, فالحداثة نتاج ثورات علمية أو ميتافيزيقيا أو سياسية, قامت بها الإنسانية الأوروبية, فمثل هذه الحداثة هي التي يفتقر لها مجتمعنا ككل ونساؤنا على وجه الخصوص.
أما بالنسبة لمستوى التعليم فنسجل من خلال المؤشرات الوطنية حول المستوى الدراسي والمعرفي للمرأة الريفية انخفاضا وتواضعا واضحا, سواء مقارنة مع نسب الذكور أو مقارنة مع نسب النساء المغربية, ولذلك أسباب تعود إلى ثقافة المجتمع أو للتأخر التاريخي الذي راكمه المغرب عبر سنوات طوال من أجل تعليم المرأة وإدماجها في التنمية على الصعيد الوطني وفي منطقة الريف على وجه الخصوص.
وفي ظل هذه المؤشرات, تتأكد صعوبة مشاركة المرأة الريفية في الحياة السياسية والعامة, كشريك أساسي لوضع لبنات البناء الديموقراطي, كونهن يشكلن الفئات الاجتماعية المحرومة, سواء داخل الدائرة الخاصة للأسرة أو الدائرة العمومية, ولأنهن ينتمين إلى الفئة الضعيفة اجتماعيا (ليس من المنظور العددي وإنما السلطوي) ولكونهن كذلك يعانين من الأمية والفقر, وكذا الأفكار النمطية الشائعة والتمثلات الجمعية التي تؤثر القيادة الرجالية, فالحملة الانتخابية تجري في شارع عام, وتتأثر تبعا لذلك لسلوكات الشارع واخلاقيته وقيمه التي تكون معادية لوجود المرأة في الفضاء العمومي.
لا ننكر بأن المغرب يشهد تطورا في أوضاع المرأة المغربية ككل, وفي المجال السياسي على وجه الخصوص, فقد جاء في إحدى فقرات الخطاب الملكي بمناسبة عيد الشباب سنة 2007 “وبعون الله, فقد تمكنا جميعا من توفير إطار عصري وفعال, محفز على المشاركة المواطنة ومن معالمه البارزة: مدونة انتخابية حديثة تفسح مجال المشاركة المتكافئة لكل الأحزاب في الاقتراع, قانون جديد لتأهيل الأحزاب وتمويل شفاق لعملها, حياد إداري إيجابي وحازم, مراقبة قضائية مستقلة, حضور فاعل للمجتمع المدني ولوسائل الإعلام في التوعية والمتابعة, فضلا عن التمثيل النسائي, الذي نريده أكثر إنصافا للمرأة”. ونلمس من هذا الخطاب سعي المغرب لأن تكون الانتخابات بمثابة القنطرة للعبور من مرحلة الانتقال الديموقراطي إلى مرحلة تثبيت الديموقراطية وتنميتها, وكذا تحضير تعزيز الحضور النسائي على طاولة الأحزاب والمؤسسات السياسية, بدون تمييز أو تقزيم لأداء النساء وفعاليتهن, فنوع الجنس مثل الانتماء العرقى لا ينبغي أن يكون معيار التمييز بين الجنس البشري, وإلا سوف يتوجب القول ( لأنكن انتخبتن فأنتن تمثلن الفئات المماثلة ) لكن هذا غير صحيح فالنساء يمثلن الجميع مما انتخبوهم.
ونقص تمثيل العنصر النسائى في المجالس النيابية واقع ملموس, وهناك أداتان اقترحتا لتفادي هذا النقص وهما : نظام الحصص(الكوطا) , ونظام التكافؤ ويجب التمييز هنا بين نوعين من (الكوطا) الموجهة نحو تسهيل ولوج النساء إلى المكاتب الانتخابية ومراكز المسؤولية السياسية: من جهة تلك التي وضعتها التشريعات الوطنية, ومن جهة اخرى التي وضعتها الأحزاب السياسية.
لكن رغم إقرار اللائحة الوطنية لجعل العنصر النسائي مرئيا(visibilité) وموجودا في البرلمان, وتقديمهن كنماذج يمكن الاقتداء بهن من طرف الأخريات, إلا أن تمثيلية النساء في الريف ظلت مع ذلك دون المستوى المطلوب, فرغم رمزية تلك الإشارة القوية –نظام الحصص- إلا أن عدد المترشحات الريفيات لمجلس النواب في انتخابات سنة 2011 كان شبه منعدم باستثناء بعض الوجوه اللواتي عشن وترعرعن خارج الريف، وهذا مؤشر يؤكد مدى السيطرة السلطوية لذوي النفوذ على هذه الانتخابات, وقلة وعي الناخبين بأهمية تواجد المرأة في مناصب صنع القرار وأهمية تمثيلها بشكل عام.
وبالرجوع إلى انتخابات المجالس الجماعية الأخيرة كمؤشر على الوضعية المتدنية للمشاركة النسائية نفسها نلمس بالدليل الواضح تأثير العراقيل والصعوبات على مشاركة النساء في هذه الانتخابات, حيث وصلت نسبة المترشحات إلى 11,22 في المائة فقط مقابل 89,77 في المائة من المترشحين رجالا.
يتضح من خلال هاته المؤشرات أن المرأة الريفية بالرغم أنها تكون نصف المجتمع من الناحية العددية, إلا أنها من الناحية الفعلية ليست كذلك فهي تمثل أقلية بالمفهوم السياسي وتجربتها السياسية تجربة متواضعة وحديثة حرمتها من كسب مواقع ذات أهمية إما لأن الأحزاب تهمش النساء أو لأنه لا تأخذ قضايهن بعين الاعتبار كقضايا سياسية, وهذا سبب بديهي جعل النساء الريفيات بعيدات عن مواقع السلطة التي استفرد بها الذكور, وإن كانوا أقل مستوى من الناحية الثقافية والتعليمية حيث دفعت النساء المنتخبات لشغل مناصب ثانوية من قبيل الأعمال المكتبية أو المشاركة في لجان الدعاية الانتخابية وهذا طبعا يؤثر سلبا على تعبئة النساء السياسية مستقبلا إذ سيزهدن أكثر فأكثر في العمل السياسي, الذي أقل ما يمكن ان يوصف به كما ذكرت إحدى المستشارات هو الميزوشينية, أي كره النساء.
ما يمكن استنتاجه من التجارب الانتخابية السابقة أن الناس تختار من المترشحين المعروفين أو ذوي النفوذ والأموال القادرين على الإنفاق على حملاتهم الانتخابية بسخاء شرعي وغير شرعي وتلك إمكانات تعز على نساء الريف اللائي لا يتوفرن على ثروات تذكر ففي أحسن الأحوال هن أطر أو من شهادات عليا أضف إليه أنهن غير منخرطات في الحياة العامة إما لعدم انشغالهن بالأمور الاجتماعية أو لأنهن يعملن في مجالات بعيدة عن اهتمام الناخبين وهو ما أضعف من إمكانية إنطلاق مشاركة حقيقية لهن.
وأيضا يرجع ضعف المشاركة السياسية للنساء في هذا الربع العزيز من الوطن إلى الاعتقاد السائد في المجتمع بأن المشاركة النسائية تتمثل وتنحصر في عملية الانتخاب والترشيح وبعبارة أخرى ينظر إلى عملية المشاركة النسائية كعملية موسمية تلجأ إليها الأحزاب لكسب المزيد من المقاعد وتنتهي بانتهاء الانتخابات ولا تأخذ بعين الاعتبار أي جهد سياسي منتظم ودائم للتعبئة والتأطير ونتساءل هنا عن دور الأحزاب التي فازت باكبر عدد من المقاعد وعرفت أكبر مشاركة نسائية ونتساءل كذلك عن عدد الحملات والندوات التي نظمتها لصالح تحسيس النساء بأهمية المشاركة السياسية بعد نهاية حملات الانتخابات سيكون الجواب في أغلب الظن لا شيء.
يظهر مما سلف جليا مدى وعورة المسالك السياسية التي تجتازها المرأة الريفية, فهذا المضمار ظل زمنا طويلا حكرا على الرجال الأقوياء وذوي النفوذ فالانتخابات المغربية البرلمانية أوالجماعية كعادتها دأبت على المرور بجو من التوتر والحياة السياسية المفسدة بالمال وذلك معناه أنه في كل مرة تغيب النزاهة والشفافية والاختيار الحر فيترتب عن ذلك المزيد من الاحباط والنفور لدى المواطنين, فطابع العمل السياسي عندنا علاوة على كونه مزاجيا ويتم في دوائر مغلقة فإنه يخضع لنوع من الحكامة الإقطاعية التي لا تعمل على إحداث التراكم الديموقراطي المفيد في تطوير الأفكار وتجديد النخب, وخلق دينامية فعالة تأخذ بزمام المبادرة وتتموقع استراتيجيا في خدمة المجتمع بل هو عبارة عن فن المراوغة وحياكة الدسائس وترتيب المناورات لكسب مواقع أو الحفاظ عليها هذا النوع من التعامل مع السياسة يغذي ثقافة وليس الجهد والاستحقاق.
هكذا يبدو أن معظم المعيقات التي تقف حاجزا أمام بلوغ المرأة مراكز صنع القرار ومشاركتها الفعالة في المجتمع, ناجمة عن عادات وتقاليد وقيم اجتماعية سائدة وممارسات سياسية رسخت الفروق في القيادة بين الرجال والنساء و سواء تعلق الأمر باحتلال مواقع داخل هيئات سياسية أو مناصب رسمية أو تمثيلية, وجرى تحديدها باعتبارها فروقا بيولوجية, في حين أنها تخضع لمعايير وقيم ثقافية تمتد جذوره في تاريخ هذا المجتمع, ولذلك فتحرير النشاط السياسي ببلادنا لا يستطيع أن يحقق الشيء الكثير بالاهتمام بتغيير القوانين فحسب بل لابد أن يقترن النضال من أجل تغيير القوانين بنضال مماثل, بل من أجل تغيير المؤسسات الاجتماعية: كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام… إلخ.
فهذا المناخ الخانق والمحبط الذي يسيطر على المنطقة يشكل قوة كبت للمرأة الريفية في كل المجالات وخصوصا في المجال السياسي, فمن تخضع للكبت والاحباط تنزوي بعيدا عن الصراعات السياسية ويصيبها الصدأ حتى تضمر تماما, أما من كانت لديها حظ الانطلاق إلى دول الحضارة التي تعرف قدرها جيدا فترحب بها وتفسح لها المجال وتمدها بكل الإمكانات, وبذلك تفاجأ المنطقة الريفية نفسها بسطوع نجمات في سماء العالم السياسي من أمثال نجاة بلقاسم وغيرها, فلولا هجرة هذه الكفاءات او العبقريات النادرة من المنطقة الريفية الخانقة والمحافظة إلى رحاب العالم المتحضر, لكانت قد عجزت عن القيام بإنجازاتها التاريخية في مجال المشاركة السياسية, وجرى لها ما جرى لمثيلاتها التي لم تملك حظوظ الانطلاق إلى عالم متحضر يقدرها حق قدرها فطواها النسيان إلى الأبد, ولا يعلم أحد كم من العبقريات دفنت في تراب المنطقة الريفية.
إن وجود المرأة في الهيئات السياسية المختلفة وإشراكها في عملية صنع القرار لم يعد ترفا بل بات ضرورة تلح عليها ظروف الوطن المنخرطة في مشاريغ التنمية المختلفة, فالمرأة تجسد نصف المجتمع الريفي, ومعنى أن لا تبلغ صوتها وإرادتها أن نصف المجتمع صامت متقوقع لا يشارك في تنمية محيطه, ويستحيل أن تنطلق تنمية حقيقية بنصف المجتمع هذا.
باستقراء المستقبل يحدونا الأمل لتبوء النساء ليس مقاليد العمل السياسي فحسب, بل الدخول في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها, ولكن لن يتوفر ذلك إلا بتكاثف الجهود, حيث أكدت جميع المؤتمرات العالمية للأمم المتحدة على ضرورة إرساء وتعزيز الشراكة بين المنظمات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والنقابات والمنظمات النسائية وذلك للنهوض بأوضاع المرأة والعمل على تغيير ظروفها.
وهذا لا يتأتى إلا على المدى البعيد والحال أنه لا يمكن الانتظار حتى تتم الاستجابة لكل هذه الشروط والحاجات, وعليه وجب مرحليا إجلاء رؤية واضحة للمستقبل وخلق شروط ضرورية لإحقاق جزء من هذه الرؤية, وهذا يندرج ضمن التنمية التي يتوق إليها الكل في هذا الوطن.
إن شكل المشاركة هذه وقيمتها وأثرها ترتبط ارتباطا وثيقا بشكل وطبيعة الآليات الديموقراطية السائدة في مجتمعنا تلك الآليات التي تؤدي إلى عدم تمركز القوة بيد فئة دون الأخرى, بل تتيح توزيع مصادر القوة داخل المجتمع على قدر من المساواة والتوازن. ثمة خيط بدأ ينتظم في المغرب جامعا عناصر ثلاث: المرأة والتنمية والتمكين كاشفا عن دينامية آخذة في التشكل من شأنها أن تشهد إن هي أبانت عن جدية مجهوداتها وحسن نواياها وعن جدارة المرأة وأحقيتها بالفوز برهان المساواة والمناصفة.
إذ قام المغرب على اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة سنة 1993م كما صادق على الأهداف الإنمائية للألفية سنة 2003م وتم اعتماد اللائحة الوطنية سنة 2002م ثم إقرار مدونة الأسرة سنة 2004م, وإدماج مقاربة النوع في الميزانية منذ سنة 2005م كما قامت الحكومة برفع التحفظات من مجموعة بنود CEDAW ,وإقرار حق انتقال الجنسية من أم مغربية لأطفالها سنة 2006م ثم نظام (الكوطا) في الانتخابات الجماعية سنة 2009م.
فالمغزى الذي تنطوي عليه هذه الإجراءات هو باختصار: العمل على مزيد من التمكين والإنصاف والمساواة للمرأة, باعتبار أن تجربتها في التأثير على عملية التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وحتى العقلاني, ثابتة تاريخيا في كل المجتمعات وعلى مر العصور, حتى يتسنى لها الاضطلاع بدورها في معركة البناء والتنمية, وذلك من خلال الربط الوثيق بين قضيتها وقضية المجتمع ككل سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي, والسعي لإخراج قضيتها من مجالها النسوي المحض إلى مجال التوازن المجتمعي المتوقف على توازن الأدوار والوظائف بين الرجل والمرأة.
بشرى بلعلي / طالبة باحثة
[email protected]

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق