مثير.. شهادة حية عن الوجه الآخر للانتحاري المغربي أبو إدريس بسوريا

25 أبريل 2016آخر تحديث :
مثير.. شهادة حية عن الوجه الآخر للانتحاري المغربي أبو إدريس بسوريا

أريفينو

كانت ليلة باردة وجافة، كما جرت العادة في شمال سوريا في منتصف شهر يناير. توقفت القافلة الهائلة التي شكلتها ميليشيات الدولة الإسلامية في العراق والشام  بعد طردهم من حلب، في أوائل سنة 2014، من قبل حلفائهم القدمى -الفصائل المتمردة المعتدلة في سوريا- من اجل أخذ قسط من الراحة والاستعداد لرحلة مؤلمة لعدة أيام صوب محافظة الرقة. كان أبو إدريس، أو بالأحرى، نجيم العشرواي، أحد الإرهابيين اللذين فجرا نفسيهما في 22 مارس الماضي بمطار بروكسل، حارسا في الجزء الخلفي بواحدة من عربات النقل في تلك القافلة، في الحقيقة كانت عبارة عن “بيكوب” ومتهالكة مليئة بالإمدادات والمواد. وهناك، في حالة سيئة، وبين الصناديق، كنا نقبع ثلاثة من الرهائن، مكبلي اليدين ونرتدي ملابس برتقالية اللون، بينما نكافح بشكل دائم لإيجاد مكان مريح.

– “أين نحن ذاهبون” سألت أبو إدريس أو نجيم العشراوي، ورأسي مغطى بواسطة بطانية.

– ” لا أعرف، ربما العراق”، أجاب انتحار بروكسل، بهدوء وقليل من السخرية، دون الادعاء أننا صدقناه.

كان من الصعب التفكير في العراق، الحدود التي لا يجب أن لا نعبرها أبدا. كنا نعلم أنه إذا وصلنا إلى العراق فالاختطاف سيتواصل لأعوام وليس فقط لشهور. وأن رفاقنا البريطانيون والأمريكيون ستكون لديهم هناك حظوظ قليلة للعودة أحياء إلى بلديهما. لكن أبو إدريس أو نجيم العشرواي ، على عكس السجانين الدواعش البريطانيين  الذين كنا نطلق عليهم لقب “البيتلز” (Beatles)، لم يرغب في ترهيبنا، وبروحه الميالة إلى الدعابة، يبدو أنه كان يرغب في إخراجنا من  القلق الذي انتابنا في ذلك الوقت.

الحوار الثلاثي

استمر الحوار الثلاثي. إذ كان يدور حول الإسلام وتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية والمسلمين في فرنسا وأوروبا. وكان تقريبا حوار ودي بين أصدقاء، بلغة أخوية، إلى درجة أننا وصلنا إلى نسيان أن اثنين من المتحاورين كنا رهينتين، والثالث سجان يمكن أن يتلقى في أي لحظة أمر إعدامنا. أكثر من ذلك فنجيم العشراوي في إحدى اللحظات سمح لنا بإزالة الغطاء الكثيف والخانق الذي كان يقع فوق رأسينا من اجل استنشاق، لهنيهة،  هواء الصحراء النقي.

أبو إدريس

كنت أود أن أتحدث له عن السنوات التي قضيتها كمراسل لصحيفة “البيريوديكو” بالمغرب العربي، في سنوات الـ90، وعن علاقتي المتشنجة مع الحكومة الجزائرية، وأملي أن تكون تربطه أي علاقة بهذا البلد ويمقت النظام الحاكم هناك. في لحظة أثناء النقاش، استعملت اللغة العربية بدل الفرنسية، وبشكل مفاجئ شجعني أبو ادريس / نجيم العشراوي قائلا: “تابع.. تابع”، ربما لم يكن يعي أن درايتي بلغة الضاد تنقص كلما توغلنا في النقاش.

كان أبو إدريس أكثر السجانين الناطقين بالفرنسية فصاحة وذكاء ومرونة، وهم السجانين الذي حرسونا منذ أكتوبر 2013 وحتى نهاية ديسمبر من نفس العام، في زنزانة في ضواحي حلب. وفي وقت لاحق، تكلف بحراستنا الجهاديون البريطانيون الثلاثة الذين كنا نطلق عليهم لقب “البيتلز”، والذين كان يتزعمهم السادي والسفاح كما تلقبه الصحافة الأنجلوسكسونية “الجهادي جون”، واثنين من معاونيه المرضى الذين كانوا يعذبوننا على طريقة “غوانتانامو” في إحدى البيوت البعيدة عن حلب. وعلى عكس السجانين الانجليزي الثلاثة، لم يكن أبو إدريس يتلذذ ويتمتع بمشاهدة آلام الآخرين أو إلحاق الأذى بهم بشكل غير مبرر أو بدون استفزاز مسبق. عندما كان مسؤولا عن حراستنا، كان الطعام يصل في الوقت المحدد، أي مرتين في اليوم. كان نجيم العشراوي مختلفا عن باقي السجانين، الذين كانوا ينسونا، إلى درجة أنهم  يتركوننا لعدة أيام دون أي لقمة طعام. في ليلة شتاء، بعد أن تأكد (العشرواي) من أن الخضروات المهروسة التي رافقت الحصص الضئيلة من الأرز التي تمنح لنا كانت باردة تطوع لتسخينها بشكل مفاجئ.

لا أحد منا، طبعا، كان يشك، ولو للحظة، أن أبو إدريس سترتجف يداه إذا تلقى أمر قتلنا.

“.. لا ترتكب خطأ الحياة!”، قال محذرا أحد السجناء الفرنسيين، الذي كان في إحدى اللحظات قريبا من رؤية وجه نجيم العشرواي. إذ كنا نعرف أن رؤية الوجه الحقيقي لأحد السجّانين يعني بشكل مباشر فقدان أي أمل في الحياة.

آخر لقاء جمعني  مع من سيقتل بعد عامين العشرات من الأشخاص عبر تفجير نفسه في مطار بروكسيل كان في مبنى بالرقة،  تقريبا في نهابة يناير 2014، خلال عملية لوجستية معقدة بهدف نقل نحو عشرين سجينا من الرهائن إلى الرقة. كان العشرواي ينادي علينا، كل واحد على حدة، إلى غرفة مجاورة حيث كان ينتظرنا. إذ سألني شخصيا عن بعض المعلومات العائلية، ثم طلب مني منحه كلمة السر لحسابي على الفيسبوك ، مما يجعلني أعتقد أنه هو من ولج إلى حسابي وغير اسمي مارك مارخينيداس (Marc Marginedas) باسم آخر مكتوب باللغة العربية. باعتقادي، ربما أكون خاطئا، كنت قريبا منه، من يعرف، فطرحت عليه الطلب الأخير.

ماذا تريد؟ “، سأل نجيم العشراوي.

– “أن لا يتم فصلي عن المعتقلين الإسبان”،  طلبت منه.

الصحافي الإسباني

فيما أجاب أبو إدريس أنه لم يكن يعرف أين نحن ذاهبون، ولكن سيزورنا بالتكرار، وسيعمل على ذلك.

لكن، في الحقيقة، كانت آخر مرة أراه فيها.

ترجمة توفيق سليماني بتصرف عن البيريوديكو (مارك مارخينيداس، الصحافي الإسباني يقدم شهادة حول الـ6 أشهر التي قضاها بسوريا مع سجانه المغربي نجيم العشراوي وأحد انتحاريي مطار بروكسيل قبل أن يتم تحريه.)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق