القصة الكاملة لحراك الريف .. من “سمّاك الحسيمة” إلى إدانة الزفزافي

6 يوليو 2018آخر تحديث :
القصة الكاملة لحراك الريف .. من “سمّاك الحسيمة” إلى إدانة الزفزافي

اريفينو/عبد الإله شبل

كانت وفاة محسن فكري، الشاب الذي جرى سحقه داخل شاحنة للنفايات بمدينة الحسيمة، شرارة انطلاق “حراك الريف”، سيجوب شوارع المدينة وينتقل بعدها إلى باقي الجماعات والمداشر المجاورة في المنطقة.

ومع توالي الأيام، بدأ النشطاء بالمدينة يتزايدون، وتزايدت معهم حرارة الاحتجاجات، حتى باتت تسمى بـ”حراك الريف”، الذي حظي بمتابعة إعلامية واسعة وأسفر عن اعتقالات في صفوف قادته وزلزال ملكي عصف بمجموعة من الوزراء والمسؤولين، ليكون ختامه بأحكام قضائية طالت الموقوفين وصفها غالبية المتتبعين والحقوقيين وغيرهم بـ”القاسية والجائرة”.

الشرارة الأولى

يوم 28 أكتوبر من سنة 2016 كان يوما استثنائيا بمدينة الحسيمة. خلال هذا اليوم، تعرض الشاب محسن فكري، المعروف بـ”سماك الحسيمة”، لعملية طحن داخل شاحنة للنفايات وهو يحاول وقف إتلاف بضاعته من سمك “أبي سيف”.

منذ تلك اللحظة، عبّر عدد من الشباب عن سخطهم وتذمرهم من طريقة وفاة فكري، خاصة بعد ترويج الشريط على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، ليشرعوا في خوض احتجاجات متتالية بالمدينة ونواحيها، مطالبين بتحقيق مطالب اجتماعية واقتصادية، تتمثل في التشغيل والتطبيب.

بعد هذه الفاجعة، توالت الاحتجاجات والمسيرات في مدينة الحسيمة، لتوازيها بين الفينة والأخرى دعوات للاحتجاج في مدن مغربية أخرى، تعبيرا عن تضامن المحتجين مع ساكنة المدينة الشمالية للاستجابة لمطالبهم.

وفي الوقت الذي خرجت فيه الأغلبية الحكومية ببلاغها، لتصف المتظاهرين ونشطاء الحراك بكونهم “انفصاليين”، رد أبناء الحسيمة بمسيرة كبرى، رفعوا من خلالها شعارات ضد الأغلبية، مؤكدين على وطنيتهم وانتمائهم إلى المغرب.

ومع تزايد شرارة الاحتجاجات بمدينة الحسيمة، دعا ناصر الزفزافي إلى مسيرة مليونية يوم 20 يوليوز 2016؛ إلا أن أحداث الجمعة بالمسجد وانتفاضته على إمام المسجد عجلت باعتقاله وإحالته على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.

نشطاء ووزراء

مع تنامي الاحتجاجات بمدينة الحسيمة، والتي شهدت في بعض فتراتها مواجهات بين المتظاهرين والعناصر الأمنية، وإلحاق خسائر مادية كبيرة، ناهيك عن تعرض عدد منهم من كلا الطرفين لإصابات خطيرة، شرعت السلطات في تنفيذ عملية اعتقالات في صفوف النشطاء البارزين.

ولم يسلم نشطاء حراك الريف من عملية الاعتقال، حيث فاق عددهم العشرات، أدين بعضهم بمحكمة الاستئناف بالحسيمة؛ فيما جرى نقل آخرين إلى الدار البيضاء لمحاكمتهم والتحقيق معهم من لدن عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.

وفي غمرة محاكمة ناصر الزفزافي ورفاقه، أقدم الملك محمد السادس على إعفاء عدد من المسؤولين الحكوميين، الذين لهم علاقة بتأخر مشاريع “الحسيمة منارة المتوسط”؛ وهو البرنامج الذي يتضمن مجموعة من المشاريع الكبرى.

وأعفى الملك، في أكتوبر من السنة الماضية، كلا من محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة، ثم محمد نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة، والحسين الوردي، وزير الصحة، العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتكوين المهني، بصفته مديرا عاما لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقا، وعلي الفاسي الفهري، مدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

كما قرر الملك محمد السادس، على إثر التحقيق، عدم إسناد أي مهمة رسمية لمجموعة من الأسماء التي كانت تتحمل حقائب وزارية في حكومة عبد الإله بنكيران.

جلسات وأحكام

على مدى عام من محاكمة معتقلي حراك الريف، شهدت الجلسات المراطونية، تارة مناوشات ومشادات، وتارة أخرى احتجاجات أوقفت أطوار المحاكمة في أكثر من مرة، لتختتم بأحكام وصفها الحقوقيون بكونها “قاسية وجائرة”.

وعرفت محاكمة المتهمين البالغ عددهم 54 ناشطا، إلى جانب أربعة آخرين متابعين في حالة سراح مؤقت، في بدايتها، انتفاضة الأسر من داخل السجن المحلي بعين السبع بالدار البيضاء (عكاشة)، حيث يقبع المعتقلون، إذ قادت احتجاجات أسبوعية أمام بوابة المؤسسة السجنية سالفة الذكر، مرددين شعارات تطالب بالحرية وإطلاق سراح أبنائها.

وبدأت حرارة المحاكمة ترتفع، حين دخل المعتقلون في إضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم والاستجابة لمطالبهم الاجتماعية، حيث قاد ربيع الأبلق إضرابا طويلا عن الطعام؛ وهو ما أثر على وضعه الصحي ودفع إلى تدخل وساطات لثنيه عن ذلك، لينضاف إلى ذلك إقدام المحكمة على صباغة القفص الزجاجي الذي يوضع فيه المعتقلون حتى لا يتم التواصل بينهم وأسرهم، بعد رفعهم شعارات مدوية في الجلسات الأولى.

وحاول العشرات من المحامين الذين يؤازرون معتقلي الحراك، خلال تقديمهم الطلبات الأولية، الدفع بضرورة منح هؤلاء السراح. كما طالبوا بحضور عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، على اعتبار أنه كان وراء ما اندلع من أحداث بمدينة الحسيمة.

وتميزت أطوار هذه المحاكمة باحتجاجات داخل القاعة من لدن المعتقلين، خاصة خلال عرض الهيئة التي يرأسها القاضي علي الطرشي صورا للمجاهد الريفي عبد الكريم الخطابي، إذ اعتبروا أن الأمر يتعلق بمحاكمة لتاريخ الريف ورموزه.

وكانت واقعة نشر فيديو يظهر فيه “أيقونة حراك الريف” شبه عارٍ من أبرز الوقائع التي شهدتها أطوار هذه المحاكمة، إذ اعتبرها الزفزافي “إهانة”، مستغربا من عدم التحقيق في الواقعة، مشددا على أن “النيابة العامة لا تريد أن تنصفني لذا سنلجأ إلى ملك البلاد، لأنه لا حق لهم بنشر صوري عاريا”.

واختتمت المحاكمة، التي عرفت مقاطعة المعتقلين لجلساتها الأخيرة، بإصدار الهيئة لأحكام شكلت صدمة لأسر المعتقلين والحقوقيين والمتتبعين، حيث أدين الوجه الأبرز في الحراك بـ20 عاما رفقة نبيل أحجيق، إلى جانب آخرين، بينما توزعت الأحكام الأخرى بين 15 عاما وسنة حبسا نافذة دون الحكم ببراءة أي من المتهمين.

وأدانت هيئات حقوقية ومدنية وسياسية الأحكام الصادرة في حق نشطاء حراك الريف، حيث وصفتها بكونها “جائرة ومخيبة للآمال”؛ فيما تعالت أصوات من داخل البرلمان المغربي تنشد إخراج قانون العفو العام للإفراج عن المتهمين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق