وبدأ الشعب المغربي، بفضل الحريات التي ينتزعها بتضحيات جمة، استعادة حلقات مغيبة و مفقودة من ماضي الخطابي المشرق، ومنها حلقة الخطابي ، منطق يجلي من يشاء ويخفي من يشاء بغرض ضمان هيمنة السلطة .

التحول الذي يعيشه المغرب بفضل الهبة الشعبية التي أثمرتها رياح الربيع العربي اللواقح،خصوصا على المستوى الشعبي، امتد لينسحب على وعيه بقيمه التاريخية والثقافية والحضارية، وبات في ظل الوسائل المعرفية والاتصالية المتاحة يعيد صياغة تاريخه من جديد، ويرفع الغشاوة عن أعين الناس ليقرأوا تاريخهم بسند جديد يضيئ ما كان يعتمه الحكي الرسمي للتاريخ المغربي الغني.

لقد كان محمد بن عبد الكريم الخطابي وليد الظروف التاريخية التي عاشها المغرب، ووصلت سيطرته من قلب الصحراء الى مراكش قبل أن يتراجع نحو الجنوب، وهو فصل آخر مغيب من التاريخ الرسمي.

مرت قرابة قرن كامل على ثورة محمد ابن عبد الكريم الخطابي وهذا يعني ثلاثة أجيال بيولوجية وستة أجيال سياسية، وهي فترة زمنية كافية لأخذ مسافة من أحداث الماضي. وقد حان الوقت لوضع الزعيم  في إطاره التاريخي .

و تطالب العديد من فعاليات المجتمع المدني بالريف ، من الدولة المغربية أن تبادر لرد الاعتبار التاريخي لهذه الشخصية الفذة التي سجلت أروع صفحات مواجهة الاستعمار الأوروبي. فالمؤرخون الإسبان يصنفون حروب الريف وخاصة معركة أنوال، أسوأ كارثة حربية تعرضت لها الجويش الإسبانية خلال القرون الأخيرة، وبصماتها تستمر حتى وقتنا الراهن لما ترتب عنها من تأثير سياسي و انقلابات في اسبانيا. ومعركة أنوال لا يمكن أن تكون أقل مرتبة من معارك تاريخية أخرى، فهي آخر معركة حربية انتصر فيها المغاربة بشكل لافت في مواجهة الأوروبيين بعد معركة وادي المخازن.

والى جانب الاعتراف الرسمي بالخطابي، حان الوقت أيضا للسعي الحثيث لإعادة رفات الزعيم الى منطقة الريف ليسكن رفاته التراب الذي دافع عنه لعقد كامل من الزمن وأسال دماء المغاربة لتحريره، وكلما جرى الإسراع في تحقيق ذلك كلما جرت المصالحة الحقيقة مع تاريخنا، لأن الشعوب تحتضن ذكرى ورفات رجالاتها وزعمائها في أوقات الحرية وحتى في أوقات القهر.

رد الإعتبار التاريخي للخطابي واستعادة رفاته سيكون إنصافا لشخصية تاريخية مغربية، وإضاءة حقبة نيرة مغيبة في تاريخ هذا البلد. وسيقود هذا الفعل أيضا إلى ترسيخ تقليد جديد يتمثل في بناء تاريخ المغرب الجديد.