عيوش: طلب تدخل الملك في حراك الريف يدفعنا نحو الديكتاتورية

22 يونيو 2017آخر تحديث :
عيوش: طلب تدخل الملك في حراك الريف يدفعنا نحو الديكتاتورية
نور الدين عيوشنور الدين عيوش

في هذا الحوار، نقف عند نظرة الناشط الجمعوي، نور الدين عيوش، إلى حراك الريف، والتطور الديمقراطي في المغرب، وقضية التعليم.

كيف تنظر إلى حراك الريف والمطالب التي يرفعها المحتجون؟ 

أنا متفق مع المطالب التي يرفعها المحتجون لأكثر من سبعة أشهر، وهي تعكس واقع الإشكالات التي يعيشها أهل الريف. وما أثار إعجابي، كما كل المغاربة، هو أن الريفيين عبروا عن مطالبهم في جو من الهدوء وبرقي كبير، فهم أبانوا عن قدرة كبيرة على تنظيم المظاهرات، والحؤول دون أن تنحرف الأمور لتخريب الممتلكات أو وقوع اعتداءات. وهذه القدرة على التنظيم كانت فقط جماعة العدل والإحسان من يتقنها، ولا يسع الإنسان، أمام ما عبر عنه الريفيون من سلمية وتحضر طيلة سبعة أشهر، سوى أن يقول «تبارك الله عليهوم».

 

لكن، ما الذي جعل الأمور تخرج عن هذا الشكل الذي وصفته؟

هناك أخطاء تقع دائما، حينما يحتج الناس مرات ومرات، في الشهر الأول والثاني و… ولا أحد يصغي إليهم، يسعون طبعا إلى إسماع صوتهم، وقد يلجؤون، في بعض الأحيان، إلى السب، وهذا من حقهم مادام لا أحد أنصت إليهم. كيف يمكن أن أتظاهر ولا يقول لي أحد هلم لننظر في الأمر، لقد تركوهم يصرخون، وغضوا البصر عن احتجاجهم. والديمقراطية ليست هي أن تترك الناس يحتجون ولا تأبه لهم، بل هي أن تجتمع بالناس وتنظر في مشاكلهم، وتقول لهم إن كنت متفقا مع تلك المطالب أم لا، ويتم التعبير عن ذلك بوضوح وصراحة، وليس عبر اللجوء إلى الكذب والتسويف. لماذا ننظم انتخابات وطنية ومحلية إذا لم نكن سنحل مشاكل الناس؟ ما يقع في الريف أظهر أنه لم تبق وساطة بين المجتمع والدولة، للأسف.

 

هناك من يبرئ الحكومة، ويقول إنها ليست هي من تدبر حراك الريف؟

أنا لست متفقا مع هذا الطرح، وهم يقولون أيضا إن هناك جهات هي التي تحكم المغرب وهي التي تفعل ما تريد. هناك أشياء واضحة: تأخر تشكيل الحكومة، مثلا، كان سببه مشاكل بين رئيس الحكومة وبين الدولة التي لم تقبل بعض الأشياء، وهذا يقع في بعض الدول، فنحن لم نصل بعد إلى الديمقراطية، ومن يقول إننا في بلد ديمقراطي يكذب. نحن فقط في اتجاه الديمقراطية، ومن أعطاب هذه المرحلة أن هنالك تدخلا في شؤون الأحزاب.

 

ما الجهة التي تتدخل؟ القصر مثلا؟

الكل يتدخل، والقصر له دور يلعبه، إذا رأى أن الأمور ليست في مصلحته يتدخل، ورئيس الحكومة هو أيضا عليه أن يتدخل للدفاع عن حقوقه. بنكيران كان يقول أمورا لست متفقا معها، فمثلا كان يقول إنه يشتغل فقط لصالح الملكية ولا يطبق سوى ما يقول الملك، وفي كثير من الأحيان كان يقول إن هناك أشياء يطبقها ليس هو صاحبها بل مصدرها هو الملك. إذن، مادام الأمر هكذا فلماذا قبل التدخل في الشأن الحكومي بإدخال أحزاب ومنع أخرى من دخول الحكومة؟ هذا يعني أنه ليست هناك رؤية واضحة، فإما أن تقبل التدخل أو لا تقبله، وإذا كنت ترفض التدخل، فالأحرى أن تقدم استقالتك، فالديمقراطية تتطلب الشجاعة في فرض اختياراتك، وعدم قبول التدخل، وليس قول شيء وتطبيق شيء آخر. أظن أن بنكيران أخطأ لأنه لم ينسجم مع ما يقوله.

 

 في المغرب لا نعيش تكافؤا بين الفاعلين في الحقل السياسي، وهناك سمو تمتاز به المؤسسة الملكية عن باقي الفاعلين، ما ينجم عنه الوضع الذي تحدثت عنه؟

هذا واقع لا أنكره، وأتفق معك مائة في المائة، فأنا كنت دائما أقول إن الملك يجب أن يسود ولا يحكم، وقلت هذا في السنة الأولى من حكم محمد السادس، وقلت إن الملك ينبغي أن يسود والحكومة تحكم، حتى تكون للانتخابات مصداقية، ويعرف الناس على من يصوتون لخدمتهم، وقد قارنت آنذاك بين كوريا الجنوبية والمغرب. ففي خمسينات القرن الماضي، كنا في المستوى نفسه ثقافيا أو اقتصاديا وحتى في التربية، ووقفت على تقدم هذا البلد في حين بقينا نحن في الوضع الذي نحن عليه الآن. الكوريون وصلوا إلى ما وصلوا إليه لأنهم اختاروا الديمقراطية واهتموا بالتربية. وإذا لاحظت، فالمغاربة حينما يكونون بالخارج يكون لهم مجال للعطاء أكثر، لماذا؟ لأنه في المغرب لا يتمتع المغاربة بحرية التعبير، وليست لهم الإمكانيات التي تتاح لهم حين يكونون بالخارج، ولذلك البلد لا يتقدم.

 

الآن في حراك الريف صعدت أصوات تقول إن الحل لا يمكن أن يأتي إلا من المؤسسة الملكية. هل تعتقد أن هذا يسهم في تكريس الملكية التنفيذية أكثر؟

«يعطيك الخير»، أنا هذا ما أقوله دائما، وأقول لناس الحراك أنتم تريدون الديمقراطية ولكم مطالب مشروعة، وتطالبون الملك بالتدخل؟ إذا أردنا أن تبقى الملكية تتدخل دائما، فلن ينجم عن ذلك سوى تكريس الملكية التنفيذية أكثر. اليوم الحراك بالحسيمة، وإذا وقع غدا بفاس أو الدار البيضاء، هل سنطلب من الملك أن يتدخل كذلك؟ ولماذا يقوم الناس إذن بالتصويت على منتخبيهم؟

 

لكن، ألا ترى من زاوية أخرى أن طلبات التدخل هذه لها مشروعية، فالناس لا يتوجهون بطلب الحل إلى من لا يحكم، بل إلى من بيده الحكم حقيقة؟

أنا لست متفقا مع هذا الطرح، لكن إذا كان الأمر كذلك، فلنلغ هذه الحكومة ونغلق البرلمان، ونترك الملك لوحده يحكم ويفعل ما يشاء. الله يخليك هذا الكلام غير مقبول، ويدفعنا إلى الديكتاتورية. على نشطاء الحراك أن يتحاوروا مع الجميع، فإن لكم تكن لهم الثقة في الحكومة، ليقترحوا وساطة يكون فيها المجتمع المدني وأناس من البرلمان ومن الحراك، ولا ينبغي إغلاق باب الحكومة، وعلى هذه الوساطة أن تشتغل مع الفاعلين في الحراك حقيقة.

 

هل ترى أنه خلال زيارة الوفد الوزاري للحسيمة لم يتم التحاور مع الفاعلين الأساسيين في الحراك؟

نعم، وهذا خطأ. ولا تنسي أنهم ذهبوا بعد إصدار بلاغ اتهم المتظاهرين بالانفصال، وهذا خطأ كبير أفقدهم المصداقية، ولكي تعود المصداقية، على الأحزاب أن تعتذر و«تطلب المسامحة» من ناس الحراك لكي تعود الثقة، كما أن المقاربة الأمنية هي أيضا خطأ كبير. كان من المفترض، أولا، القيام بوساطة وحل مشاكل الناس، وإذا ثبت أن هناك من أحرق أو خرب آنذاك يحال على القضاء، وهذا أمر معمول به في جميع الدول، لكن اعتقال أناس كانوا يحمون الأمن ويحرصون على حماية الممتلكات خلال الاحتجاجات، فهذا حمق. بهذا السلوك تم خلق مشكل كبير، وحتى إذا أرادت الحكومة أن تتواصل، فعليها أن تتواصل مع هؤلاء الذين تم اعتقالهم، والذين لهم مصداقية وتأثير على الناس. ولكي تعود الثقة، لا بد من إطلاق سراح الشباب الذين لم يثبت في حقهم ارتكاب أي تخريب، وتتم إحالة من ثبت في حقه ذلك إلى القضاء، بشرط ألا يكون هناك أي تدخل في مجريات المحاكمات. لا يمكن تجاهل من تزعموا الحراك ولهم مصداقية إذا أردنا بالفعل تجاوز هذا الوضع.

 

تقصد ناصر الزفزافي؟

أعجبت بهذا السيد رغم أني لست متفقا معه في بعض الأشياء، ومنها النفحة الدينية في خطابه، ولكن له مصداقية لدى الشعب، ويحترمه الناس، ويجب إطلاق سراحه والإنصات إليه وهو يقول أمورا الكثير منها مشروع، ولم يصدر عنه شيء يؤكد أن له نزعة انفصالية، وكل نشطاء الحراك لم أسمع يوما أنهم قالوا إنهم ليسوا مغاربة أو يريدون الاستقلال، فلماذا يتم الحكم عليهم بأنهم انفصاليون؟ أما تهمة تلقي أموال من الخارج فتم إطلاقها على الجميع، فحتى نحن كجمعيات قالوا عنا هذا الكلام، فإذا كانت الدولة لا تمنح دعما ماليا، وكان هناك مغاربة يرسلون دعما إلى عائلاتهم وإلى الجمعيات، فما العيب في ذلك مادام أن مصدرها ليس ناسا يريدون خلق البلبلة أو يسعون إلى الانفصال؟

 

ما رأيك في مناظرة طنجة؟

أنا لم أحضرها، لكن ما وصلني من مقربين أثق فيهم هو أنه لم تكن لها مصداقية، ولم يكن هناك حضور سوى لوزيرين، ولم يحضر وزراء آخرون لأنهم ضد إلياس العماري. أنا أثمن كل مبادرة، لكن هذه المبادرة قاطعها المعنيون والفاعلون في الحراك. وعلى أناس الحراك أن يحددوا مع من يريدون أن يتحاوروا بناء على التزامات، وما يمكن القيام به، وما يتطلب وقتا لإنجازه، فتوفير مناصب الشغل وجلب شركات ليس أمرا يحدث بسرعة، بل يتطلب بعض الوقت، على أساس أن تكون هناك إرادة وجدية ومصداقية وإشراك للمواطنين في تدبير شؤونهم.

 

هل أثبت حراك الريف الحاجة إلى الديمقراطية ومشاركة المواطنين في تدبير شؤونهم؟

طبعا هذا أمر أصبح ملحا. إذا أردنا أن نصل إلى هذا المستوى يجب أن نشتغل حتى يصبح المواطن هو أيضا مسؤولا عن تدبير شؤون مجتمعه. هناك تضييع للوقت في البيروقراطية.

 

الاحتجاجات المتصاعدة حاليا تركز كثيرا على الشق الاجتماعي، هل سيدفع ذلك الأصوات التي تنادي بإلغاء مجانية التعليم إلى مراجعة ذاتها؟

هناك شعبوية كثيرة في تناول مسألة المجانية، وهناك من يريد أن يظهر أنه أكثر ديمقراطية. لقد قلت إنه ليس من العدل أن يدرس أصحاب الإمكانيات والميسورون أبناءهم بالمجان، وعلى الحكومة أن تقدم دعما للفقير إن أراد أن يدرس أبناءه في مدارس حرة.

 

هناك من يرى أن وجود المجلس الأعلى للتعليم يخلق نوعا من الازدواجية، ويسحب قضية التعليم من الحكومة ومن المنتخبين. إذن، من الذي سيحاسبه المواطنون على فشل المنظومة التعليمية؟

هذا سؤال مهم للغاية. أنا ضمن المجلس وأقول لك إنه ليست لي ثقة في عمل المجلس من أجل إصلاح التعليم، وأنا أعاين وأعيش المشاكل التي تعيق عمل المجلس، فأحيانا نقوم باقتراحات جدية ولكنها لا ترى النور. ثانيا، نحن نخلق مشكلا ديمقراطيا لأننا والحكومة والبرلمان نشتغل على الملف نفسه. أنا مع المجلس لكن لا يجب أن يتعدى خمسة عشر من المختصين والكفاءات العالية التي تقدم نصائح توجيهية للحكومة التي يجب أن يبقى القرار والتنفيذ بيدها، وأن يضطلع البرلمان بسلطته الاقتراحية، لكن المجلس، بالعدد الذي يضمه حاليا، لا يمكن أن يشتغل بشكل جيد نظرا إلى كثرة اللجان دون تنسيق في عملها، والكثير من الأمور. إذا أردنا أن نقيم ما قمنا به طيلة سنتين ونصف، أنا أقول إننا لم ننجز شيئا.

 

مازلت تدافع عن إدماج الدارجة في المنظومة التربوية؟

مائة في المائة، والأحمق هو من لم يستوعب الوضع. هل تتحدثين معي الآن بالفصحى؟ بنكيران الذي كان ضدي بماذا كان يتحدث مع الشعب، هل بالفصحى؟ ألا يتحدثون في البرلمان بالدارجة؟ الدارجة هي اللغة الأم.

 

المشكل ليس متعلقا بالتداول الشفهي، هذا تحصيل حاصل. المشكل هو أنك تريد أن تعلم الناس ما يعرفونه أصلا، لا أظن أن المغاربة أتقنوا لغات أخرى حتى نسوا لهجتهم؟

لكنهم لا يفهمونها، فحتى في محاربة الأمية حين يتم التعليم بالدارجة تكون النتيجة أفضل، يجب الخروج من تلك النظرة الاحتقارية، فالذي يتقن الدارجة ليس أميا، ويكون له إدراك أكثر من الذي يستعمل لغة لا يستوعبها. الآن تراجع اهتمام الشباب بموروث ثقافي في الشعر والغناء صيغ بدارجة راقية.

 

أستشف من كلامك أنك تخاف على «تامغرابيت»، وكأنها تتعرض لـ«غزو» من طرف اللغة العربية؟

لا، نهائيا، أنا أدافع عن اللغة الأم لأنها لغتنا.

 

لكنها ليست في خطر؟

بل هي في خطر إذا استمر احتقارها، وأنا لا أقول إلغاء العربية، بل خلق جسر بين الدارجة والعربية، وأنا أحلم بأن تصير لنا في المغرب لغة واحدة، لغة أتكلمها وأكتب بها، وهي لغة تتوسط الدارجة واللغة العربية، حتى لا يبقى مشكل الديغلوسية la diglossie، ومعناها أن يتكلم إنسان بلغة ويكتب بلغة أخرى، وهذا يجعلنا نعيش انفصاما لغويا. إذن، لتجاوز هذا الوضع، وتسهيل التواصل، لا يتطلب الأمر فقط قاموسا للدارجة، بل ضرورة استخراج قواعد النحو، وأكثر من ذلك يجب استصدار مقررات دراسية بالدارجة لكي يتعلمها الناس، نكتبها بحروف عربية. أليست الدارجة تضم الكثير من اللغة العربية؟ ومن يقولون إن القاموس يضم كلمات vulgaire، فتلك الكلمات موجودة في قاموس اللغة العربية وأي لغة أخرى، إذن، لماذا يحتج هؤلاء الناس على الدارجة فقط؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق