ملفات من تاريخ المغرب : الحسن الثاني ومعمر القذافي، لعداوة ثابتة والصواب ما يكون

1 أبريل 2024آخر تحديث :
ملفات من تاريخ المغرب : الحسن الثاني ومعمر القذافي، لعداوة ثابتة والصواب ما يكون

أنجز التحقيق أحمد نجيم لمجلة “نيشان”

باعتراف المغرب بالمجلس الليبي الانتقالي منذ بداية الثورة في ليبيا ثم قراره دعم الثوار “إنسانيا” من خلال مشاركته في عمليات الحلف الأطلسي من خلال مستشفى ميداني على الحدود التونسية، كان المغرب يصفي تركته مع نظام القذافي. نظام سبب لسنوات قلق للنظام المغربي بل حاول أكثر من مرة الإطاحة به. كان هذا النظام أول من دعم البوليساريو بل إنه هو من اختار اسم “الجمهورية العربية الصحراوية” وهو من انتقى علم البلاد: راية فلسطين بالإضافة إلى نجمة. “كود” تقدم تحقيقا حول أسباب هذه العداوة من خلال التركيز على عداوة الملك الراحل الحسن الثاني مع معمر القذافي، وهو تحقيق سابق (قبل سنتين) كان نشر غلافا في مجلة “نيشان”.

كادت احتفالات الذكرى الأربعين لثورة “الفاتح” بليبيا فاتح شتنبر الماضي أن تعيد المغربية الليبية إلى سابق من حيث التوتر. فقد حضر رئيس البوليساريو محمد عبد العزيز إلى تلك الاحتفالات مما دفع بالوفد المغربي الذي كان يقوده عباس الفاسي، الوزير الأول إلى الانسحاب، كما علقت تجريدة من القوات المسلحة المغربية مشاركتها في تلك الاحتفالات. بعد احتجاج وزارة الخارجية المغربية، اعتذرت ليبيا عن تلك المشاركة مؤكدة أنه كان نتيجة خطأ بروطوكولي. الملك محمد السادس الذي يبدو أنه لا يرغب في توتر جديد مع “الأخ القائد” أرسل وفدا مكونا من مصطفى المنصوري، رئيس مجلس النواب ومحمد اليازغي وامحاند العنصر، كلاهما وزيرا دولة بدون حقيبة. اللقاء كان إيجابيا إذ أخبر القذافي الوفد أنه رفض مشاركة عسكريين من البوليساريو أرسلهم الجزائر في الاحتفالات. القذافي الذي مول البوليساريو دعا، والعهدة على اليازغي، “البوليساريو إلى تأسيس حزب ثوري في المغرب”، لكن البشير مصطفى السيد، القيادي في البوليساريو، قال إن الجبهة دعيت رسميا للمشاركة في الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ40 لثورة الفاتح من سبتمبر، إلى جانب العديد من دول العالم من بينها المغرب. التوتر زال بعد أن أفضى اجتماع العنصر واليازغي بالقذافي إلى عقد اللجنة المغربية الليبية العليا بعد شهر رمضان. هذه السنة كانت سنة التوتر المغربي الليبي. فقبل حادث مشاركة رئيس البوليساريو في احتفالات الذكرى الأربعين ل”ثورة الفاتح”، طفت إلى السطح قضية مقاضاة ثلاث صحف مغربية بتهمة سب القذافي. حكم، ابتدائيا، على كل من “الجريدة الأولى” و”الأحداث المغربية” و”المساء” بمليون درهما لكل جريدة.
وكان دفاع الزعيم الليبي قد طلب بتعويضا بقيمته ثمانية ملايين أورو. القضية مازالت مرشحة للتصعيد رغم محاولات البعض احتواءها. قضية الصحف الثلاث جاءت شكلا من أشكال الانتقام الليبي على تعاطي الصحف المغربية لموضوع سائق ابن القذافي هنبعل في سويسرا الذي أثير قبل أشهر.
إذ تم اعتقال والدة وأخ السائق المغربي في ليبيا لثني أخيه على مقاضاة ابن الزعيم، وقد تم إطلاق سراح الأم شهر غشت 2008. هذه القضية دفعت بمسؤولين مغاربة إلى زيارة ليبيا لطي الملف وديا. قضية أخرى عكرت صفو العلاقات بين الجانبين، تتعلق بسوء معاملة المغاربة في ليبيا، بعضهم لجأ إلى الصحف يشتكي من هذا الأمر. لكن الموضوع لم يأخذ بعدا سياسيا. منذ وصول الملك محمد السادس، أخذت العلاقات المغربية الليبية منحى آخر. زار الملك ليبيا مبديا رغبته في بداية صفحة جديدة في علاقته مع “الأخ القائد”.
الجولة الأولى. 
نهار اللول يموت المش
يبدو أن الزعيم الليبي معمر القذافي بحث منذ أول لقاء عن استفزاز الملك. كال النهار الأول يموت المش. فبعد ثلاثة أشهر من الانقلاب الذي أوصله إلى السلطة شتنبر 1969، شارك القذافي في مؤتمر القمة العربية بالرباط، وينقل الصحافي محمد حسنين هيكل، صديق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في كتابه “كلام في السياسة” حضور القذافي بعضا من تحرشات القذافي “قبل بدء أعمال القمة، “جاء (مولاي عبد الحفيظ) رئيس الديوان الملكي المغربي، يبلغ الملك الحسن أن القاعة جاهزة. …..أخذ يد الملك الممدودة إليه فقبلها. وفوجئ معمر بما رأى، وإذا هو يصيح بأعلى صوته: ما هذا؟ تقبيل أيادي؟ عدنا إلى عصر العبودية..لا..لا.. هذا شيء مرفوض.. مرفوض تماما”. استمرت تحرشات القذافي، إذ كان يخاطب الملك بعبارة “ياحسن”، ودخل في شنآن مع الملك فيصل آل سعود، ووضع مسدسه على الطاولة مما دفع الملك السعودي أن يغادر محتجا “على لغة المسدسات”، قبل أن يتدخل كل الملك الراحل الحسن الثاني، رئيس المؤتمر والرئيس جمال عبد الناصر بالعدول على فكرته. بعد الجلسة رأى أوفقير في القاعة فبدأ يصيح :”اقبضوا على هذا الرجل، ما الذي جاء به معنا؟ هذا قاتل (في إشارة إلى اتهامه بقتل بنبركة) مكانه السجن وليس هنا”. ثم امتنع عن حضور بقية الجلسات.
وينقل الملك الراحل شعوره هذا في حواره مع الصحافي الفرنسي إيريك لوران المنشور في كتاب “ذاكرة ملك” “بعد فترة من توليه السلطة جاء إلى المغرب للمشاركة في مؤتمر القمة بالرباط، واكتفينا بالتصافح”. الملك الراحل وجد امامه رجلا “غير متحكم في أعصابه وقليل الخبرة”، مضيفا كان “يعتبر كل من يعتلي عرشا خائنا بالضرورة”.

 

الجولة الثانية
انقلاب. القذافي يدعم
الحرب المفتوحة التي بدأت بين الحسن الثاني والقذافي في مؤتمر القمة العربية بالرباط عام 1969 ستتصاعد حدتها بداية السبعينات، فيوم عاشر يوليوز 1971 قاد ضباط عسكريون انقلابا ضد الملك بعد أن اقتحموا إقامته بالصخيرات “كشفت تلك المحاولة عن أمور كثيرة، وكان من بين هذا الكثير أنها وضعت الملك الحسن الثاني والعقيد معمر القذافي في منعطف صدام. عندئد ذهبت الأمور بينهما نحو الحافة” كما يشرح طلحة جبريل. القذافي حالما علم بخبر الانقلاب، أعلن تأييده للثورة في المغرب ول”الضباط الأحرار”. أيام بعد ذلك بعث القذافي عضوا في مجلس الثورة الرائد عوض علي حمزة إلى الجزائر ليطلب من بومدين السماح لطائرات ليبية فوق تراب بلده لمساندة الثوار في المغرب، لكن بومدين رفض وأخبر الحسن الثاني بذلك. وقد تحدث الملك في خطاب إلى الشعب خلال السنة نفسها عن إذاعة ليبيا التي أعلنت أنها مع الثوار وأن جيشها وقوتها وعتادها، كل هذا، بجانب المشعوذين”.
وفي ندوة صحافية بعد ذلك قال “إن تدبير هذه العمليات تم على الطريقة الليبية، أي الطريقة الصبيانية التي تدل على التخلف بكل ما في الكلمة من معنى”.
نعت الحسن الثاني للقذافي بالتخلف تكرر في ندوة صحافية أخرى “لا تفصلنا عنها (ليبيا) صحراء من الرمال فقط، بل صحراء من التخلف الفكري”. وقد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا. عبد الهادي في مذكراته التي نشرتها “الشرق الأوسط” مع الصحافي حاتم البطيوي قال إن “علاقة المغرب مع ليبيا تجسد نوعا من العلاقات التي تجسد تباينا بين قائدين على طرفي نقيض”. واحد كيقلي السم للاخر.
الجولة الثالثة
موقف. القذافي منقلب
الحسن الثاني تعرف عن قرب عن رجل جرب معه كل أنواع الأسلحة لمحاربته. وقد وصفه الملك الراحل بالمتقلب “لقد بدا لي القذافي يتغير ويستحيل مراقبته وضبطه، وإلى حدود الثمانينات كان يبدو مزعجا للغاية”.
ما أغضب الملك من القذافي هو أنه التزم الصمت تجاه الانقلاب في ليبيا و”لم يدل بأي تعليق حول تلك التطورات. على الرغم من أن الملك الحسن الثاني كان لا يقبل الوصول إلى الحكم عن طريق الانقلابات “يضيف طلحة جبريل مدير مكتب صحيفة “الشرق الأوسط” في الرباط، لكن ما هو سبب هذا الحياد غير المعهود في الحسن الثاني؟ “كان رأي الحسن الثاني في السنوسي سلبيا” يضيف الصحافي الكاتب، إنه ليس له إلمام بشؤون الحكم، إذ “لم يفعل أي شيء من أجل الحفاظ” على الحكم، كما نقل الصحافي عن الحسن الثاني. “من منظور إنساني، كان القذافي يرى الحسن الثاني من منظور إنسان ثوري، لذا فهو بالنسبة له ممثلا الرجعية ويعتبره حجر عثرة أمام تطبيق الأفكار الثورية” يشرح قيادي سابق في البوليساريو، ثم يضيف خلال لقاءاتي به لم ألمس منه يوما إعجابا بالملك. هدفه الأسمى كان الإطاحة بالنظام المغربي، أو ما كان يسميه “تحرير المغرب”، لذا لجأ إلى خلق بؤرة توتر في الصحراء، ثم يضيف “كنا ضحية هذه الصراعات” يضيف أحد مؤسسي البوليساريو. هكذا أشاد القذافي بانقلاب أوفقير الفاشل ضد الحسن الثاني، رغم أن الزعيم الليبي كان نعت الجينرال عام 1969 بقاتل بنبركة.
الجولة الرابعة
بوليساريو. القذافي يؤسس
هذه العداوة بين القذافي والحسن الثاني ناتجة عن موقف العقيد من الملكية “الملكية كانت دم سنانو” يوضح الصحافي حميد برادة. هناك نقطة أخرى سممت الأجواء، فالقذافي كون صورة عن شخصية الحسن الثاني انطلاقا مما نقله عنه الفقيه البصري. المعارض المغربي الذي أقام بليبيا لسنوات، كان وراء لقاء مصطفى الوالي، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو بالحكام الجدد للبيبا. جاء اللقاء، حسب حميد برادة القيادي في حزب “الاتحاد الاشتراكي” للقوات الشعبية سابقا والصحافي بمجلة “جون أفريك”. فقد أعد اللقاء البصري مع رئيس المخابرات الليبية آنذاك الرائد عبد المنعم الهوني فكان أول من التقى الوالي سنة 1973. وينفي برادة أن يكون شارك في تقديم قياديي البوليساريو لليبيا “علاقتي قطعت مع لفقيه البصري سنة 1967، ربما اعتقد البعض أنني كنت صاحب البرنامج الذي تبث من ليبيا حول المغرب بسبب اللهجة الفاسية لصاحب البرنامج”.
مطلع 1973 التقى القذافي مصطفى الوالي، أحد مؤسسي البوليساريو، سنة بعد ذلك سيلتقي قيادي آخر البشير الدخيل، العائد منذ سنوات إلى المغرب، بالرئيس الجزائري الهواري بومدين. وكان القذافي نادى خلال زيارته لنواديبو الموريتانية سنة 1972 ب”تحرير الساقية الحمراء” وعبر عن رغبته في دعم الناشطين الصحراويين لإنشاء جبهة لهذا الغرض.
القذافي، حسب قيادي سابق في البوليساريو فضل عدم الكشف عن اسمه، كان أول من بعث أولى الأسلحة إلى البوليساريو “أول كلاشينكوف وصل إلى مسلحي البوليساريو كان من ليبيا، لا أتذكر عدد تلك القطع التي وصلت عام 1974”.
الجولة الخامسة
المسيرة. القذافي حساد
بعد مساهمة القذافي في تأسيس البوليساريو، سيعلن الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء. الملك الراحل عزا حقد القذافي عليه إلى عدم السماح له بالمشاركة في المسيرة الخضراء سنة 1975 ، موضحا أنه خلال سنوات التوتر كان كل واحد منهما يتجاهل الآخر، مضيفا في “ذاكرة ملك” “أعتقد أنني لم أكن وراء القطيعة أو سببا فيها”. القذافي كان بعث رسالة إلى الملك للمشاركة في هذه المسيرة، لكنه رفض مشاركته تلك.
“القذافي كان ضمن التيار الثوري في العالم العربي، هو جزء من جبهة “الرفض والممانعة” التي ناهضت الإمبرالية في العالم العربي، والمغرب كان في نظر هؤلاء، عميلا لهذه الإمبرالية، لذا نادى بالإطاحة بمثل هذه الأنظمة، يشرح قيادي سابق في البوليساريو. هذا العداء جعل الملك الحسن الثاني يشدد في
في خرجاته الإعلامية على دور القذافي في تمويل البوليساريو بالأسلحة “ما يقع في التشاد وما يقع في الصحراء من مهل واحد ومن مصب واحد. الفرق هناك  هو أن في التشاد نرى جنود ليبيا ومعدات ليبيا وفي الصحراء نرى معدات ليبيا وذخيرة ليبيا وأسلحة ليبيا”. وفي ندوة أخرى بباريس يناير 1982 قال الحسن الثاني “ليبيا لا تزال المتواطئ الرئيسي ورقم 1 مع البوليساريو، فلولا أموال ليبيا لما كان البوليساريو، ولولا صواريخ سام الليبية لما تمكن البوليساريو من الوقوف على رجليه”.

 

القادة الخمس في قمة أخرى أرشيف
الجولة السادسة
انقلابات شي يحفر لشي
المعارك الطاحنة بين الملك والقذافي تحركها الرغبة الشخصية في قيادة العالم العربي، دفعتهما إلى التفكير في محاولات انقلابية. الحسن الثاني أقر بذلك في حواره مع إيريك لوران “لا علم لي بعدد المرات التي حاول فيها ذلك (في إشارة إلى القذافي) بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. لنقل مرات عديدة. أما من جهتي، فقد كانت محاولاتي أقل”. الملك الراحل قال إنه سعيد جدا لأن كل واحد لم يصل إلى مبتغاه. ضمن هذه المحاولات، تلك التي يذكرها الصحافي الكاتب طلحة جبريل في كتابه، فعام 1974 إذ “اقتربت ساعة الصفر لتنفيذ “العملية” ضد النظام الليبي، لكن الملك سيطلب تعليق العملية. القذافي بدوره سعى بكل الوسائل إلى دعم البوليساريو بالسلاح والعتاد للإطاحة به، كما لجأ إلى احتضان المعارضة المغربية، خاصة محمد لفقيه البصري، مانعا إياها، بالإضافة إلى الدعم المالي، إذاعة لتعبئة المغاربة على الثورة ضد الحسن الثاني.
العقيد معمر القذافي لجأ إلى محاولات كلها باءت بالفشل، لقتل محمد عثمان الصيد، الوزير الأول على عهد الملك إدريس السنوسي الذي كان مقيما في المغرب. كل مرة كان المغرب يكتشف أن وراء العملية ضباطا ليبيين. بعد دعم القذافي للمغرب قرر الحسن الثاني دعم تشاد في حربها ضد ليبيا، كما احتضنت مدينة أكادير مؤتمرا للمعارضة الليبية صيف 1980، من توصيات ما كان يسمى “جبهة الإنقاذ” “التحرك والعمل ضد النظام الليبي”. الحسن الثاني وظف الإعلام في حربه هذا، فكان هناك برنامج تلفزيوني سنة 1972 مخصص لسب القذافي وعبد الناصر بالدارجة المغربية “البيك باشي (عبد الناصر) ولقديديفي. وقد قدمه مصطفى العلوي، هكذا تحول المغرب إلى قبلة للمعارضة الليبية في الخارج. انضم إلى هذه المعارضة الرائد عمر المحيشي. لكن التغيرات السياسية ستجعل المغرب يضحي بهذا الرائد بعد أن أعاده إلى ليبيا ليقتل هناك في ظروف غامضة.
الجولة السابعة
ديبلوماسية. أجيو نتحاورو
رغم أن لغة السلاح كانت السائدة في العلاقات المغربية الليبية، فإن باب الدبلوماسية ظل مفتوحا. كانت اللقاءات السرية قائمة “كانت تلك طرائق الحسن الثاني. يرغب دائما في الحوار مع خصومه عندما يجد أن ثمة فرصة سانحة للحوار، ويتجابه معهم إذا كان الموقف يتطلب ذلك”. بداية الثمانينات ستعاد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. العروي في “خواطر الصباح” “حجرة في العنق” يوميات 1982. 1999) الصادر عن المركز الثقافي.
فاجأ القذافي الجميع بزيارته للمغرب من الخميس 30 يونيو إلى الأحد 3 يوليوز 1983. العروي تساءل من وراء هذه الزيارة رغبته في “السكوت على أعماله عن تشاد مقابل إمساكه عن دعم البوليساريو”، وأضاف أن تلك الزيارة “تخدم، في الظرف الحالي، مصلحة المغرب”. “هذه الوحدة كان هدفها سياسي لا اقتصادي “هم الحسن الثاني هو إبعاد القذافي ذي الشخصية المتقلبة عن النزاع في الصحراء” يضيف حميد برادة الذي أصدر كتابا عن القذافي.
فهم الملك الراحل أن هذا أسلوب يمكن أن يحد من خطورة رجل “متقلب” كما وصفه في “ذاكرة ملك”. التقارب المغربي الليبي أقلق حلفاء المغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، سيزداد هذ القلق بعد الإعلان المفاجئ ل”الاتحاد الإفريقي العربي” في وجدة. محلل سياسي مواكب للعلاقات المغربية الليبية، فضل عدم ذكر اسمه، قال ل”نيشان” إن الملك الحسن الثاني أراد تلك الوحدة مع ليبيا دون أن يصل ذلك إلى الأمريكيين، فطلب من السفير الأمريكي في المغرب آنذاك زيارة قرية بقلعة السراغنة لتكوين فكرة عن اهتمام المغرب بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة كان دشنها الملك بنفسه. الملك لم يكن يرغب في الحقيقة بمساعدة أمريكية لهذا المشروع، بل إبعاد السفير عن العاصمة الرباط، وما أن وصل السفير إلى قلعة السراغنة، حتى قطعت الخطوط الهاتفية بالمنطقة، وانتقل الملك إلى مدينة وجدة، ولم يترك للأمريكيين فرصة للاطلاع على هذا المشروع الوحدي “كان متيقنا أن الأمريكيين سيرفضونه” يوضح المحلل السياسي الذي يعد كتابا حول الموضوع حاليا. مباشرة بعد التوقيع على “الاتحاد الإفريقي العربي” غشت 1984. لكن هذه الوحدة ذات الأهداف السياسية لم تدم أكثر من سنتين.
الجولة الثامنة
تذبذب. كبرنا على المكائد
نظم الراحل الحسن الثاني استفتاء شعبيا للمصادقة على “الاتحاد الإفريقي العربي”. كان له ما أراد، فألقى خطابا بالدارجة يوم 20 غشت 1984 شرح للمغاربة أبعاد هذا الاتحاد، لكن خلال استقبال الملك شهر يونيو 1986 لرئيس الوزراء شيمون بيريز بإيفران، انتقد القذافي اللقاء واعتبره “خيانة”. “كان “الاتحاد العربي الإفريقي” مجرد نصوص قانونية لم يحرك فعلا” يشرح الصحافي السوداني طلحة جبريل. “تهنى المغرب من تبعات الاتحاد” يشرح المحلل السياسي المغربي، واستقباله لبيريز “رسالة إلى أمريكا” يضيف. عبد الله العروي انتقد، في مذكراته “خواطر الصباح” طريقة فسخ المعاهدة “عندما ألغى اتفاقية الوحدة دون استفتاء الشعب أو حتى استشارة البرلمان. ذلك قبل أيام معدودة من انعقاد مؤتمر دول عدم الانحياز في هراري. قال أحد العاملين في حقل النشر: أين التنوع الذي نفخر به؟ وافقنا بالإجماع على الوحدة مع ليبيا وبعد سنتين لا يوجد بيننا من يعارض فسخها”. الحسن الثاني سيبعث رسالة عبر وزير داخليته آنذاك إدريس البصري، مفادها “أنت (القذافي) مغيار لأنه ضيعتي اليهود ديالك واحنا احتفظنا باليهود ديالنا” (في إشارة إلى زيارة يهودي للمغرب).
تباينت تأويلات لقاء الملك برئيس الوزراء الإسرائيلي، بالنسبة لحميد برادة، كان اللقاء رسالة من الملك إلى أمريكا بعد سوء الفهم بين الحسن الثاني وواشنطن عقب “الاتحاد الإفريقي العربي” مع القذافي.
القذافي رفض مصافحة الحسن الثاني خلال القمة العربية بالجزائر، ويتذكر الحسن الثاني هذه الحادثة في “ذاكرة ملك” “كان القذافي يرتدي قفازات بيضاء لكي لا تتلطخ يده حينما أصافحه، لأن يدي في رأيه تدنست بعد أن صافحت شيمون بيريز. وفي آخر المساء قبل مع ذلك أن يخلع القفازات ليصافحني”. سيعود لمصافحته بطريقة أحسن ثلاث سنوات بعد ذلك في مؤتمر اتحاد المغرب العربي. بعد ذلك دخلت العلاقة بين الملك والعقيد حقبة جديدة، إذ تدخل المغرب لدى السعودية للقيام بوساطة بين ليبيا وأمريكا لحل قضية “لوكربي”، لكن الراحل الحسن الثاني ظل حذرا. حذر سيزول بعد وفاته لتأخذ العلاقة بين ابنه محمد السادس وبينه شكلا تصاعديا تمثل في زيارة قام بها الملك إلى ليبيا. العلاقات بين ليبيا والمغرب تحكم فيها ميزاج رجلي الدولة. الملك الحالي أكثر واقعية، لأنه يعرف أن القذافي، كما وصفه صديقه الصحافي المصري المعروف هيكل “يظل ظاهرة تستدعي الدرس”.
الحلف السوري الليبي المصري كان يقلق الملك الراحل الحسن الثاني أرشيف
الإطار الأول
جفاء. أولاد العم مخاصمين
التوتر في العلاقات المغربية الليبية لا يعود إلى بداية حكم القذافي. العلاقات بين الملك إدريس السنوسي ومحمد الخامس لم تكن على ما يرام، رغم أنهما أبناء عمومة. سبب هذا التوتر الذي بدأ قبيل استقلال المغرب، بعد تنصيب ابن عرفة ملكا للمغرب من قبل الفرنسيين. فخلال زيارة الملك الليبي لضريح أجداده مولاي إدريس الأول بزرهون ومولاي إدريس الثاني بفاس، رتب له الفرنسيون لقاء مع السلطان المعين ابن عرفة، فتم اللقاء في فندق بفاس. وقد اطلع الملك المنفي محمد الخامس على ما كتبته الصحف في الموضوع في منفاه بمدغشقر، ينقل الكاتب الصحافي طلحة جبريل. محمد الخامس، يضيف الكاتب، تألم للمبادرة. استمر آثار ذلك اللقاء بعد الاستقلال، إذ سارع السنوسي إلى بعث برقية تهنئة بمناسبة الاستقلال، فتجاهلها محمد الخامس ولم يرد عليه إلا بعد شهرين. واوضح الكاتب الصحافي أن محاولات لتجنب الفتور في العلاقات بين الملكين، إذ جرت اتصالات في عهد حكومة مصطفى بن حليم الليبية عبر السفارة الفرنسية التي تمثل المصالح المغربية في ليبيا، لكن مآلها كان الفشل. هذا الفتور سيتقلص كثيرا بعد تعيين محمد عثمان الصيد وزيرا أول في ليبيا وخلافة الحسن الثاني لوالده محمد الخامس. مع هذا المسؤول ستتحسن العلاقات، وشاءت الصدف أن يختار المغرب بعد ثورة الفاتح التي قادها عدد من الضباط على رأسهم القذافي.
الإطار الثاني
لوبيينك. رجال الحسن الليبيين
اختار محمد عثمان الصيد، رئيس الوزراء أيام الملك الليبي إدريس السنوسي، الإقامة في المغرب بعد الانقلاب العسكري. الصيد سيتعاون مع المغاربة، بل إنه اتفق مع الملك الراحل الحسن الثاني “على التعاون ضد المد الناصري وهيمنته على العالم العربي” يوضح الكاتب الصحافي طلحة جبريل، كما طلب منه التعاون والتحرك للقيام بعمل ضد ليبيا. وأعدت خطة لذلك سنة 1974، قبل أن يتراجع الملك الحسن الثاني عن ذلك.
زار هذا الرجل المغرب أول مرة سنة 1962 وكانت زيارته فاتحة لصحفة جديدة من العلاقة بين الجانبين. وكان الحسن الثاني توقف بليبيا خلال السنة نفسها بعد مشاركته في مؤتمر إفريقي بالقاهرة. الصيد لعب دورا في التقريب بين المغرب وليبيا خلال اللحظات العصيبة التي ستشهدها علاقات الجانبين لسنوات طويلة، كما لعب دور الوسيط لليبيا في بعض القضايا الخارجية.
رجل آخر لعب دورا كبيرا في تقريب صورة القذافي إلى الملك الحسن الثاني، يتعلق الأمر بالرائد عمر المحيشي، كان من الضباط الذين قادوا انقلاب شتنبر 1969، وعضو مجلس الثورة الذي أنشأه هؤلاء الضباط. ساءت العلاقة بين الرجلين فحاول تنفيذ انقلاب للإطاحة بالعقيد لكن المحاولة فشلت، فانتقل إلى المغرب. لكن المغرب سيسلمه بعد صفقة مع ليبيا لتتم تصفيته جسديا في ظروف غامضة.
من رجالات الحسن الثاني الذين أوكلت لهم مهمة فهم شخصية العقيد رجالات ثقة الحسن الثاني وهم سفير المغرب في تونس آنذاك أحمد السنوسي والوزير الأول في السبعينات مولاي أحمد العراقي والديبلوماسي مولاي إدريس العلوي، بعد ذلك سيدخل وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري على الخط ومسشاره أحمد رضى كديرة. وأضاف أن “الحسن الثاني بدأ بعد ذلك يركز على توظيف العلاقات الشخصية” مع القذافي.

 

 

غلاف كتاب “الملك والعقيد” لطلحة جبريل
الإطار الثالث
شهادة صحافي.  المديوري  والبصري هازين السلاح
أبحرت الباخرة الملكية من طنجة باتجاه طرابلس في أواخر أغسطس (آب) 1989 ليحضر الملك الحسن الثاني الاحتفالات بمرور 20 عاما على «ثورة الفاتح من سبتمبر العظيم» كما تسميها وسائل الإعلام الليبية.
اتسم استقبال الملك في ميناء طرابلس، في زيارة هي الأولى والأخيرة، بالكثير من الفوضى، إلى حد أن الملك والوفد المرافق له اختلطوا بجماهير المستقبلين، وحدث تدافع وهرج ومرج. واضطر إدريس البصري وزير الداخلية آنذاك الذي رافق الملك في زيارته إضافة الى محمد المديوري رئيس الأمن الخاص للملك، وفي حادثة نادرة، أن يسحبا مسدسيهما تحسبا للطوارئ.
بدا وكأن ذلك الاستقبال الذي اتسم بالفوضى مقصود. عندما دخل الملك الخيمة التي أعدت لاستقباله قرب الميناء، طرح عليه صحافي ليبي من وكالة الجماهيرية للأنباء (جانا) سؤالا استفزازيا، لكن الحسن الثاني طلب بلباقة من الصحافي أن يزور المغرب … «ستجد وقتها أجوبة على كل أسئلتك».
انتقل الملك الحسن الثاني بعد استقبال «الهرج والمرج» في ميناء طرابلس، الى فندق «المهاري» حيث خصص له جناح لإقامته، لكن الملك اكتفى بجولة في الجناح الذي خصص له ثم غادر الفندق عائدا الى الباخرة «مراكش» التي كانت راسية في ميناء طرابلس وزودت بكل شيء من المغرب بما في ذلك قارورات المياه العذبة.
حضر الملك الحسن الثاني جزءا من الاحتفال الرسمي الذي نظم في الساحة الخضراء في العاصمة طرابلس، بدا الضيق واضحا على ملامح الملك وهو يتابع استعراضات عسكرية مملة. لذلك تعمد الانشغال في حديث جانبي مع الرئيس الغابوني عمر بونغو في وقت كان فيه العقيد معمر القذافي يلقي خطابا حماسيا في الحشود التي حضرت الاحتفال، ثم غادر الملك المكان. كان استياؤه واضحا. تجلى ذلك الاستياء في عدم حضوره حفل ترزيع الأوسمة على القادة الذين جاؤوا للمشاركة في الاحتفالات، ومن ذلك وسام خصص للملك نفسه.
الملك والعقيد. قصة الذهاب والعودة من الحافة. الصفحة 148/149
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


التعليقات تعليق واحد
  • مواطن
    مواطن منذ 11 سنة

    العداوة ثابتة والصواب يكون ( وليس الصواب ما يكون ) مكتعرفوش الامثال متكتبهومش

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق