احتلتها اسبانيا منذ 5 قرون واقتصادها يدر مليارات الدولارات.. هل يُطالب محمد السادس باسترجاع مليلية؟

7 أكتوبر 2018آخر تحديث :
احتلتها اسبانيا منذ 5 قرون واقتصادها يدر مليارات الدولارات.. هل يُطالب محمد السادس باسترجاع مليلية؟

اريفينو

بنَظَّارات سوداء ونَظَرات عابسة، يستقبلون المغاربة الوافدين على «معبر مليلية الحدودي»، الفاصل بين المغرب وإسبانيا، يختمون جوازات سفرهم واحداً تلو الآخر، بعد عملية تفتيش دقيقةٍ قد تطول أو تقصُر، تَطال الملابس والحقائب. هكذا تتعامل الشرطة الإسبانية مع مواطنين مغاربة راغبين في زيارة واحدةٍ من بين المدن المغربية المحتلة من طرف الإسبان منذ زهاء 500 عام. ورغم كونها أرض مغربية وامتداداً لأقاليم المملكة، فإن المغاربة مُلزمون بالحصول على تأشيرة «شنغن» حتى يتمكنوا من زيارة مدينة مليلية ، الواقعة أقصى شمال البلاد، والتي يبسط عليها الإسبانيون سيطرتهم، ويرفرف العلم الإسباني فوق مؤسساتها. ولعل الزمن يتوقف بوقوف المغاربة على بوابة مدينة مليلية ، ليُسائلوا أنفسهم «لماذا ما زالت هذه المدينة محتلة من طرف الإسبان؟»، وهو نفس السؤال الذي طرحته قبل 6 سنوات إلهام أسيف، خلال أول زيارة قادتها للتعرف على المدينة ومعالمها الأثرية «ما إن خُتم جواز سفري من طرف الشرطة المغربية، ومرَّرت تجاه الجهة المقابلة حتى انهمرت دموعي غزيرة». «أحْسستُ ساعتها أنني وبالرغم من وقوفي على أرْضي، إلا أنها تحت سيطرتهم الكاملة»، تسكت برهة كأنها تتذكر شيئاً لتُتابع «حين كنت مُضطرة لقبول تفتيش ملابسي وحقيبة يدي، أحسست بالمهانة، ومسحت دموعي أمام نظرات استغراب عَلَت وجه الشرطي الإسباني آنذاك»، تحكي إلهام بغُصة في الحلق.

نزاع حدودي

غُصّة يتجرَّعها المغاربة بشكل يومي على المعبر الحدودي، الذي بات يُقفل بواباته في وجه الزُّوار والمغادرين، ليجد أبناء المغرب أنفسهم عالقين لساعات إلى حين استئناف العمل من جديد، وانطلاق حصة جديدة من حصص تأكيد الإسبان أن «هذه مدينتنا وتحتاجون لموافقتنا كي تدخلوها». بالرغم من كل ذلك، ما زالت المملكة المغربية تعتبر مدينة مليلية جزءاً لا يتجزأ من التراب المغربي، رافضة الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على المدينة والجزر الجعفرية، المكونة من ثلاث جزر صغيرة غير مأهولة مصنفة كمنطقة عسكرية إسبانية. ولا ينفكُّ ملف المدينة عن الطفو إلى السطح بين حين وآخر، عن طريق ملك المغرب أو سياسييه وكبار دبلوماسيِّيه، ليُبادر جمعويون وحقوقيون مغاربة بدورهم إلى إثارة القضية التي تُلامس الوحدة الترابية للمغرب ومحاولة استرداد المدينة لحوزته.

الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية)، دعت إلى تخصيص يوم 13 مارس/آذار من كل عام، يوماً وطنياً للمطالبة باسترجاع مليلية، فضلاً عن تنظيم مجموعة من الندوات والفعاليات ودعوة الحكومة المغربية لمطالبة نظيرتها الإسبانية بمليلية.

الهيئة الحقوقية سارت إلى تشبيه احتلال إسبانيا لمليلية بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مستنكرة «الطرق المتعددة لتكريس الاحتلال وطمس المعالم الإسلامية لمليلية».

أما بالنسبة للشابة الثلاثينية المنحدرة من الشمال ، فمآثر وبنايات المدينة المحتلة لا تحمل تلك الروح المغربية الأصيلة، «كنت أشم رائحة بلادي تروج في المكان، لكنها ليست بلادي، لم أشعر بالانتماء، فللمدينة طابعها المعماري الإسباني كما تتناثر القلاع والحصون الأثرية في كل مكان بها». إلهام التي اضطرت لرواية ذكرياتها الأليمة هاته، تساءلت موجِّهة كلامها لمسؤولي بلادها بالقول «لماذا يسكتون عن هذا الاستعمار وإلى متى؟»، وهو ما أجاب عنه أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، محمد زين الدين، بالتأكيد على أن مطلب استرجاع مليلية خطوة تنال إجماعاً وطنياً انطلاقاً من ملك البلاد وصولاً إلى فئات الشعب مروراً بالحكومة والقوى السياسية.

وأضاف المحلل السياسي ضمن ، أن المغرب أبان عن جدية ونهج سُبل الحوار البنّاء لاسترجاع أقاليمه، حيث بذل جُهوداً كبيرة مع الجارة الإسبانية. «تمدُّ المملكة جسور الثقة والتفاهم والتعاون مع إسبانيا في عدد من المجالات»، يقول المتحدث، لافتاً إلى أن مستوى العلاقات النموذجية بين البلدين «يجب أن تتم ترجمتُها عبر إرجاع مليلية للمغرب، في إطار جو من التفاهم واستحضار المصالح المشتركة».

مدينة اسبانية على أراضٍ مغربية؟

تحتل مليلية المتواجدة على القارة الإفريقية، والتي تقع ، قبالة الساحل الجنوبي، مُحاطة بالأراضي الريفية المغربية من كل الجهات.

ويتمتع سكان المدينة من أصل مغربي بحقوق كاملة داخل المغرب كباقي المغاربة، فيما يطالب المغرب إسبانيا بالدخول في مفاوضات مباشرة معها لأجل استرجاعها، كما يعتبرها من أواخر معاقل الاستعمار في إفريقيا، غير أن المنطقة لم تُصنِّفها الأمم المتحدة ضمن المناطق المحتلة والواجب تحريرها. وبالرغم من المطالب المُتكررة لملوك إسبانيا بضرورة استعادة السيادة الإسبانية على جبل طارق الذي تحتله بريطانيا، منذ سنة 1713، تتنكَّر المملكة الإسبانية لحق المغرب في المطالبة باسترداد مليلية وسبتة والأرخبيل، إذ لطالما قادت زيارات متكررة كبار مسؤولي إسبانيا وملوكها صوب «المناطق المحتلة»، في رسالة موجهة للرباط، أن بسط السيطرة الإسبانية على مليلية وسبتة باق ومستمر.

ملوك المغرب يطالبون بالاستقلال

موقف إسبانيا وتشبثها باحتلال مليلية، دفع السلطات المغربية إلى التفكير جدياً في مصير المدينة السليبة، والملك الحسن الثاني (والد الملك الحالي) أعلن باستمرار أن حل قضية جبل طارق بين إسبانيا وبريطانيا سيكون بداية الحل لقضية مليلية و سبتة بشكل آلي، على اعتبار أن ما تطالب به إسبانيا تجاه بريطانيا يدفعها إلى تفهم الموقف المغربي تجاهها. إلا أن الرياح لم تأت بما اشتهاه العاهل المغربي الراحل، ذلك أن قضية الصحراء حالت بينه وبين طرح مصير المدينتين، إذ إن الصحراء كانت خاضعة لإسبانيا آنذاك، لتقوم إسبانيا بوضع شروط على النظام المغربي، خلال المفاوضات التي كانت تجرى بين الرباط ومدريد، من بينها امتناع المغرب عن طرح ملف سبتة ومليلية قبل مرور عشر سنوات على اتفاقيات مدريد التي وُقِّعت عام 1976. بدوره، الملك محمد السادس، سبق له أن أعلن سنة 2007، غداة زيارة ملك إسبانيا خوان كارلوس إلى المدينتين، ضرورة وضع هذا الملف الشائك قيد الحوار مع إسبانيا، من أجل تصفيته النهائية، وتجديد اقتراح والده بتكوين «خلية تفكير» بشأن المدينتين، قبل أن يتم تجميد الحديث عن هذا الملف في السنوات السابقة.

صمت رسمي

أستاذ العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني، يرى أن صمت الحكومة حالياً لا يعني توقف البلاد عن المطالبة باستقلالهما، مؤكداً أن مطالبة المغرب باسترجاع مدينتيه لم تتوقف منذ عقود، ذلك أن المغرب متمسك بهما، ويعتبر أنه نال استقلالاً منقوصاً عام 1956 دونهما. وأبرز المتحدث لـ»عربي بوست»، أن مدينتي سبتة ومليلية ليستا على جدول أعمال الحكومة في المستقبل القريب، موضحاً أن المملكة ستُرجئ الأمر إلى حين تصفية ملف الصحراء الذي لا يزال عالقاً. مع كل هذه المساعي التي امتدت لعقود، وجعلت المغرب ينال استقلال أقاليمه بشكل تدريجي وعبر مراحل، ما زال المغاربة في انتظار استقلال المدينتين السليبتين، إلى ذلك الحين، قررت إلهام أسيف أنها لن تعود أبداً إلى زيارة سبتة ما دامت تحت الاحتلال الإسباني، خاتمة كلامها لـ»عربي بوست» قائلة «كان إحساساً صعباً، ولا أريد تجربته مرة أخرى».

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق