+روبورتاج جنازته: هذه هي قصة مرزوق ابن أركمان.. الذي اختار الموت حرقا ليأخذ معه أسرار معاناته

26 أبريل 2018آخر تحديث :
+روبورتاج جنازته: هذه هي قصة مرزوق ابن أركمان.. الذي اختار الموت حرقا ليأخذ معه أسرار معاناته

سعيد قدوري صور محمد سالكة

كانت البداية من دوار “أفليون” بقرية أركمان، ففي إحدى أشهر سنة 1986 ولد الطفل مرزوق لعائلة بولحوال.. وهناك عاش سنين حياته الأولى فاقدا للأب، ليأخذه جده رفقة العائلة للعيش بأوروبا وبالضبط ألمانيا.

عاش مرزوق بهذا البلد قرابة العقد من عمره، حتى بلغ حوالي 15 سنة من عمره، ولسوء حظه تدخلت السلطات الألمانية لترحيله إلى بلده المغرب رفقة أفراد عائلته، بدعوى عدم الحصول على وثائق الإقامة، لتكون نهاية درامية لقصة سعيدة لم يكتمل معها حلم العيش بأوروبا.

من ألمانيا عاد مرزوق إلى أفليون، ليشرع في كتابة قصة معاناته ببلده الأم، فكانت البداية أن عاد لمقاعد الدراسة بالابتدائي وهو في سن المستوى الثانوي. فلم يعمر طويلا بالفصل، قبل أن يصاب بمرض على مستوى إحدى قدميه، ولأنه فقير ابن عائلة فقيرة تعذر عليه زيارة اختصاصي لتشخيص حالته، ما فاقمها للأسوأ.

وفي العشرين من عمره؛ انتقل مرزوق بولحوال للسكن بمدينة زايو رفقة والدته وأختيه، وهنا بدأت قصة جديدة في مدينة لا تتسع لشبابها، بسبب البطالة وقلة فرص الشغل، غير أن عصامية صاحبنا وعزة نفسه، قادته للعمل بائعا لنبات القزبر والنعناع، ليكون معيلا لوالدته وإحدى أختيه، فيما تزوجت الأخت البكر لتنتقل للعيش رفقة زوجها بمدينة أخرى.

كل هذا الإصرار على العمل والاشتغال صاحبته آلام حادة بالقدم المريضة، ورغم إجراء الفحوصات ببركان والناظور، غير أن عجزه وفقره حال دون التوجه صوب اختصاصي، ليستفيق ذات يوم وهو مشلول القدم، قبل أن يصير عاجزا عن الحركة.

تقبل مرزوق وضعيته حامدا لله، ولم يمنعه المرض من الزواج، كيف لا وهو الشاب المقبل على الحياة بكل فرح، ليتكلل زواجه هذا بطفلة تحمل اسمه، فصار معيلا لزوجته وطفلته بالإضافة إلى والدته وأخته.. اتصف مرزوق بعزة النفس، فلم يكن يسأل الناس عطاء رغم قلة ذات اليد.. هكذا عاش وهكذا اختار منهج حياته.

حصل بولحوال على دراجة كهربائية كانت تعينه على التحرك، ولأنه مقعد لم يستطع مجاراة أقرانه من الباعة الجائلين في التنقل بانسيابية بين دروب وأزقة زايو لعرض سلعهم، فاختار التوجه صوب شارع الطريق الرئيسية، وبالضبط قرب مقر المقاطعة الإدارية الثانية، ليثبت عربة هناك استخدمها في بيع السجائر والحلوى.

عاش مرزوق فقيرا داخل مدينة زايو، فكان ذلك يظهر على أفراد عائلته، الذين اختاروا مسكنا متواضعا يأويهم، فكابدوا المعاناة فيما معيلهم الوحيد، مرزوق، يعاني الأمرين وهو يرى أسرته دون خط الفقر.

معارف مرزوق كانوا على دراية بمعاناته، وكانت عبارة “الحكرة” لا تفارق شفتيه، حتى أنه لا يبخل في سرد ما يعانيه لأصدقائه، ليس طلبا في مساعداتهم بل تفريغا لما في دواخله من مآسي.

طلب مرزوق مرارا الاستفادة من كشك يستطيع من خلاله أن يؤمن لقمة العيش له ولعائلته، غير أن طلباته راحت هباء.. لا مستجيب ولا ملتفت لمعاناته، ليبقى حبيس “براكته” قرب المقاطعة الثانية.

منتصف نهار يوم الثلاثاء 24 أبريل 2018، يوم غير عادي.. مواطنون يهرعون في اتجاه “براكة” على الطريق الرئيسية، فيما النيران تتصاعد من جسد شاب في عقده الثالث.. إنه مرزوق بولحوال.. “يا إلهي ماذا حصل؟”، عبارة تلخص نظرات المتواجدين بالمكان.

أخذ مرزوق إلى المستشفى، وفي منتصف الليل فارق الحياة، ليبقى منظر جثة تحترق في ذهن كل من شاهد ما جرى، فيما الكل يتذكر عباراته الأخيرة: “الحكرة، الحكرة، الحكرة…”.
تناسلت الأقاويل حول الدوافع التي أدت بشاب مقبل على الحياة يختار الموت طواعية وبطريقة بشعة، لكن عبارة “الحكرة” التي كانت آخر ما نبس به، تلخص كل ما قد يقال، إنها عبارة بحمولة كبرى، تشرح سنين معاناة مرزوق.. فأي “حكرة” كان يقصد؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


التعليقات تعليق واحد
  • متألمة
    متألمة منذ 6 سنوات

    لقد آلمني قلبي حين قرأت هذا المقال لدرجة وضعت يدي على صدري من شدة الالم .رحمه الله وصبر عائلته وصبرنا جميعا على سماع هذه المآسي التي لاتنتهي.

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق