كلمة عزاء و وداع في حق الراحل الأستاذ محمد اليوسفي عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الناظور الحسيمة

20 فبراير 2019آخر تحديث :
كلمة عزاء و وداع في حق الراحل الأستاذ محمد اليوسفي عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الناظور الحسيمة

ذ : محمد لمرابطي

بالرحيل المفجع للفقيد المرحوم الأستاذ محمد اليوسفي المعروف ب ” حدو نحدو” الذي شكل أحد العلائم المتقدة والأعمدة الصلبة في النهوض بالعمل الجمعوي، والذي خاض عن عمق في معترك وخضم الحياة الجمعوية والسياسية والثقافية لمدينة الحسيمة ونواحيها الإقليمية، سنكون قد أسدلنا ستار الحياة عن أحد الوجوه الخزامية التي عايشت مختلف التجارب والأجيال التي طبعت بميسمها مسار الأحداث التي عاشتها منطقة الحسيمة عن كثب، فبعد أن أبصر تباشير نوره الأول في أحد قرى الريف الجميلة الواقعة بسهول وتلال زاوية سيدي يوسف الواقعة بمحاذاة مدينة إمزورن خلال منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، نجده يعقد العزم بإصرار وبتشجيع من والده المحب للعلم على شد الرحال بعد أن استكمل مراحل درسه في السلك الابتدائي وشطر من دراسته الثانوية بمؤسسة أبي يعقوب الباديسي بالحسيمة ليؤم شطر مدينة تطوان الخليفية، وبعدها نحو جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ليحط مرساة سفينته التعلمية بمدينة الرباط وهذه المرة في معهد علوم الإعلام، ويتخرج منه إطارا إداريا، وبموجب ذلك كلف في إطار النظام القائم آنذاك ليقضي مدة انتدابه التدريبية أثناء سنتين كاملتين كخدمة مدنية ضمن المصالح الإدارية المغربية بمدينة مكناس وبعمالة إقليم الحسيمة، ليعين إثر ذلك بصفة قارة متصرفا إداريا ممتازا بالمندوبية السامية للتخطيط بالحسيمة .

حينما نستحضر مسيرة وشخصية الفقيد الراحل تغمده الله برحمته الواسعة، نلمس مدى الإصر الذي كان ينوء تحته كاهله، وفي نفس الوقت تقاطعا بينا لتظافر عدة مسؤوليات وتجارب تلظى بلهيب ثقلها في قطاعات ذات منحى اجتماعي بالأساس، فقد شرفنا المرحوم بعضويته في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان طوال سنوات العقد الأخير من القرن العشرين الماضي، كما مثل قطاعه الوظيفي في نفس الفترة الزمنية بنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل قبل الانشطار الذي عرفته في بداية الألفية الثالثة مع نهاية ولاية حكومة التناوب التوافقي، وانتخب باسم حزب الاتحاد الاشتراكي من قبل ساكنة جماعة لوطا لمدة سنوات طويلة، وفي منتصف التسعينيات تحمل المسؤولية في مكتب جمعية بادس للتنشيط الاجتماعي والاقتصادي بالحسيمة التي ظل يزاول بها أنشطته المعهودة التي تشكل إضافة متميزة لصالح المجتمع إلى أن اختطفته أيادي المنون نحو مثواه الأخير وفي رحيله الأبدي الخالد المطرز بدرر من عقيان أعماله التي ترصع عقد جمانه المعلق في جيد الزمان .

وخلال فاجعة الزلزال المؤلم الذي حصد أرواحا عديدة بالمنطقة نجم عنه في المقابل خرابا حقيقيا في المباني والممتلكات، انخرطنا بأجمعنا مجتمعا مدنيا، سلطات ومجالس منتخبة وبمعيتنا الفقيد الراحل في تقديم العديد من عمليات الإغاثة ذات الطابع الإنساني لفائدة المنكوبين في المناطق القروية التي مسها الضر وعاشت لأسابيع وشهور فرقا ورعبا مكتملين، وتوج مساره النضالي بالعضوية في اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالحسيمة، كما تقاسم معنا أجواء الانخراط والمشاركة في الملتقى الدولي الثاني لحقوق الإنسان المنعقد بمدينة مراكش سنة 2014 ، وهي المحطة الكونية التي أشرف على تأطيرها وتنظيمها كلا من مؤسستي المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان وبمساهمة واسعة لكل أطياف المجتمع المدني من داخل الوطن ومن مختلف أرجاء المعمور .

ولم يتخلف فقيدنا الراحل المشمول بأردية من رحمات الباري الواسعة في الانضمام إلى تجربتنا المتعلقة برصد وملاحظة العملية الانتخابية في الانتخابات الجماعية والتشريعية الأخيرة إبان سنتي 2015 و2016 ، إذ ما زلت أتذكر رنين حديثه المفعم بالتفاؤل ونحن نعبر الطريق ذهابا وإيابا إلى مدينة الناظور للمشاركة في اللقاءات، الندوات والدورات التي تعقدها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، وكيف أنه كان يحدثني خلال مسافة الطريق عن حياته في طفولته وشبابه وهو تلميذ يعيش وسط أقرانه من زملائه في الدراسة بداخلية أبي يعقوب الباديسي وعلاقاتهم الإنسانية الطيبة بأساتذتهم وإدارتهم التربوية خلال عقدي الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، وعن بعض الوجوه الحسيمية المألوفة والقديمة التي درست معه وأصبحت في المستقبل من الأطر الإدارية والتربوية والأكاديمية، وقد أحيلت كلها على المعاش والتقاعد، بل منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال يمتشق صهوة القلم مضطلعا بتجشم مهام ثقافية وسياسية راقية، ولم يستثن من ذلك حتى الأحداث التي عرفتها المنطقة خلال سنتي 1958 و1959 وقد كان حينها غض الأفنان وطفلا في زهرة العمر لا يكاد يتجاوز سنه بالكاد الخمسة ربيعا، وعلاوة على ذلك كله من منا لا يتذكر الأدوار الطلائعية التي لعبها المرحوم الأستاذ محمد اليوسفي طيلة الإحصاءات الوطنية للساكنة المغربية بالإقليم التي كانت تشرف عليها مصالح وزارة الداخلية والمندوبية السامية للتخطيط بالحسيمة خلال العقود الثلاثة التالية : 1994 – 2004 – 2014، وهذه فقط بعضا من النبذ المختصرة التي لا تشكل إلا نزرا طفيفا ويسيرا من سجله المهني والنضالي الحافل، وهي حكاية حال أسردها بنوع من التأسي والمرارة التي لا يخفى على الأحرار مغزاها وحكمتها البليغة .

الأستاذ محمد اليوسفي أيها العزيز الراحل عنا، لا يسعنا في الأخير إلا أن نرفع إليك جميعا شارة المجد والنصر من بعيد، وأنت ترفل في حلل من السؤدد الذي نتوج به الذؤابة من علية القوم وأفاضلهم، وذلك نظير ما أسديته وقدمته لوطنك وأرومتك ومجتمعك الذي تنحدر من صلبه ومن أعماق تفاعلاته المعيشية، وقد جرى زورقك في الخضم البعيد وضمدت جراحك و أسكت شجونك بعد أن لم يبق لك وجود فوق هذه البقاع، وقد لاحت أمامك في الأفق القريب بوارق من أنوار الصباح الجديد وأنت تودع جبال الأسى والهموم، وستخبت إلى ربك مذعنا جذلان مغتبطا وأنت الذي لم تحمل موجدة ولا حسيفة نحو أحد، وكنت كالأندلس تزهو بتسامحها خلال عصور التاريخ الوسيط، قبل أن يخبو نورك إلى الأبد، وكأني بك إذ أخط هذه الكلمات في حقك وأنا أتمثل قول الشاعر العربي القديم :

فالشرق خال بعده، فكأنمـا نز الخراب بربعه المأهول

وكأنه شمس بدت في غربنا وتغيبت عن شرقهم بأفــــول

وقوله أيضا :

خرجوا به ولكل باك خلفــــه صعقات موسى يوم دك الطور

والشمس في كبد السماء مريضة والأرض واجفة تكاد تمــــــــور

ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى رضوى على أيدي الرجال تسير

ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى أن الكواكب في التراب تغور

يألله . الدوام لله . نزل بالشرق الخراب وكان مأهولا ولا أمل إلا في حاضرة ودولة مغربنا الكبير، علو في الحياة وفي الممات، الشمس مريضة والأرض واجفة تمور، وكل نفس ذائقة الموت، والعزاء الصادق لبنيه وعترته وقرينته ولكل معارفه وخلانه، فإنما الأشياء تفنى ولكن الذكرى تبقى، وفكرة اليوسفي ستبقى أيضا، وهو الأهم والأكثر اعتبارا لكونه أحد هذه الضمائر الحية والمتوثبة لأمتنا المغربية التي ترنو على الدوام نحو غدها الأفضل .

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق