لأول مرة…تفاصيل مثيرة عن اللحظات الأخيرة من حياة الراحل الحسن الثاني

18 أكتوبر 2018آخر تحديث :
لأول مرة…تفاصيل مثيرة عن اللحظات الأخيرة من حياة الراحل الحسن الثاني

متابعة

كشف في هذه الورقة تفاصيل دقيقة عن آخر لحظات الحسن الثاني قبل انتقاله إلى دار البقاء، ومن هم الأشخاص الذين عاشوا تفاصيل الحدث المهيب، ومن هم آخر الأشخاص الذين جالسهم قبل التحاقه بالرفيق الأعلى.

تفاصيل يوم الوداع الأخيريتذكر أحد العاملين الذي كان حاضرا يوم الجمعة 23 يوليوز من عام 1999 أن الساعة كانت قد تجاوزت الحادية عشرة عندما حاول الاتصال بزميل له بجناح آخر بمستشفى ابن سينا بالرباط على هاتفه النقال، وعندما تعذر عليه ذلك حاول أن يطلبه على الهاتف الأرضي داخل المستشفى، فأخبرته موظفة “الستاندار” بأن كل الخطوط معطلة. وداخل الأروقة والأجنحة، لاحظ العاملون والمرضى حركة غريبة لأناس غرباء احتلوا المبنى يمنعون الدخول أو الخروج من وإلى الأجنحة.

بدأ العاملون بالمستشفى يطلون من النوافذ بعد أن منعوا من مغادرة أماكن عملهم، وفي باحة المستشفى أمام مدخله الرئيسي كانت سيارات كبيرة بيضاء وسوداء من نوع “فاركونيت” تقف متكدسة في الساحة التي ضاقت بما رحبت، وما بين هذه السيارات والمدخل الرئيسي لجناح جراحة القلب، نشطت حركة دؤوبة لأفراد من موظفي القصر لم تكن العين لتخطئهم بجلابيبهم البيضاء و”شاشياتهم” الحمراء، كانوا يقومون بإنزال أشياء لا أحد يعلم ماهيتها يحملونها داخل أواني “الطيفور” التقليدية على رؤوسهم، وكأن الأمر يتعلق بعرس أو بحفل تقليدي أو بمناسبة من تلك التي تتطلب حمل الهدايا داخل “الطيفور”

عندها سرت إشاعة وسط العاملين مفادها أن الملك يوجد بالمستشفى، هنا تضاربت التكهنات حول سبب وجوده، وأقل الناس اكتراثا بما كان يحدث حولهم اعتقدوا أن الملك جاء لعيادة أحد الشخصيات الكبيرة داخل الدولة من نزلاء المستشفى. فقد اعتاد الملك آنذاك على عيادة كبار الشخصيات بنفس المستشفى، ويتذكر العاملون بهذا المبنى يوم حضر الملك بدون سابق إنذار الى جناح جراحة القلب وأصر على صعود السلم الى الطابق الخامس، لأن المصعد كان معطلا، لعيادة كل من الشيخ خطري ولد الجماني، الذي كان مصابا بشلل نصفي وعبد اللطيف الفيلالي الوزير الأول آنذاك، الذي نقل إلى المستشفى نفسه على إثر إصابته في حادثة سير بطريق زعير بالرباط، وشخصية أخرى كبيرة داخل الدولة، وكان الثلاثة يرقدون بالجناح نفسه.

يومها لم تتخذ أية إجراءات استثنائية داخل المستشفى، فالملك بنفسه لم يفضل الحضور في الموعد الذي كان مقررا للزيارة وهو الثانية عشرة ظهرا، وفي المساء عند الساعة الخامسة فاجأ الجميع بحضوره في مراسيم أقل ما تكون عادية.

وآخر مرة زار فيها الملك آنذاك نفس المستشفى ونفس الجناح كانت قبل شهور قليلة فقط، عندما حضر بنفسه لعيادة الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي بعد إجراء عملية جراحية على الدماغ. ورغم أن هذه العيادة اتخذت طابعا رسميا، لأن الملك كان يريد من خلالها إرسال رسائل لطمأنة الشعب على صحة الوزير الأول، إلا أنها تمت هي الأخرى في ظروف شبه عادية.

كانت اللحظات تمر متثاقلة داخل أجنحة المستشفى، ومع مرور الوقت كانت الإشاعات تتناسل والتكهنات الأكثر مأساوية تسيطر على الرؤوس المشرئبة من النوافذ والمقطوعة عن العالم الخارجي ترتقب ما ستحمله الساعات المقبلة من مفاجآت لم يعد التنبؤ بمأساويتها خافيا على جل العاملين بالمستشفى، الذين فاجأهم التصرف الغريب لموظفي القصر الذين انتابت حركتهم فوضى عارمة، وهم يعيدون الأثاث الذي حملوه قبل ساعات الى داخل المستشفى، يرمون به في حركات منفعلة داخل السيارات التي أقلتهم وانطلقت مسرعة عائدة من حيث أتت.

كان الجناح المخصص لجراحة القلب، أكثر الأجنحة الذي ضربت عليه حراسة مشددة، ولم يسمح بدخوله إلا لكبار الأطباء الاختصاصيين، لذلك لم يتسن لباقي العاملين بالمستشفى أن يعرفوا ما يجري بداخله، حتى وصلت الى سمعهم صرخة امرأة مدوية أقرب الى الولولة منها الى الصراخ، هزت أركان المستشفى ورددتها الممرات الباردة حتى بعثت القشعريرة في الأجساد التي أنهكها الانتظار ونهشها القلق. عندها فقط سيخرج من يقول للعاملين بالمستشفى “مات الملك عاش الملك”.

المناضل الخطيب: كنت شاهدا على إخراج الجثمان من المستشفى

ذكر عبد الكريم الخطيب في إحدى تصريحاته الإعلامية أنه كان في الرباط أحضر الذكرى الأربعينية لعبد الحميد القاسمي عندما اتصل به أحد أفراد عائلته يخبره بأن جلالة الملك الحسن الثاني قد توفي، عندها توجه مباشرة إلى مستشفى بن سينا، وكان شاهدا على عملية إخراج الجثمان ونقله إلى القصر الملكي.

وبعد ذلك توجه إلى القصر حيث كانت تجري مناقشات بين عدد من مقربي الملك حول طريقة إعلان الأمير سيدي محمد ملكا للبلاد، وكان بعض الشخصيات، منهم المستشار أندري أزولاي، يقولون بأن نصوص الدستور واضحة ويجب تطبيقها، لكنه تدخلت وقال لهم إن الدستور يتحدث عن الملك، أما بصفته أميرا للمؤمنين فإنه لا بد أن تعقد له البيعة. وحينها طلب من الجنرال حسني بن سليمان ووزير الداخلية السابــق إدريس البصري والجنرال القادري بأن يحدثوا جلالة الملك محمد السادس في هذا الشأن، وفعلا هذا ما حصل حيث وافق جلالته على ذلك، وبعد ذلك جاء وزير الأوقاف السابق العلوي المدغري والمستشار عباس الجراري وقاما بتحرير نص البيعة، وبعد ذلك تحدث عبد الحق المريني وقال بأنه سوف يتم استدعاء أعضاء الحكومة وعدد من الشخصيات، فتدخل وقال إنه يجب أن يتم استدعاء زعماء الأحزاب السياسية أيضا، وفعلا تم استدعاء زعماء الأحزاب ورؤساء الإدارات العسكرية والمدنية والأمنية.

وفي الساعة العاشرة ليلا، التقى الجميع في قاعة قبة النصر في القصر الملكي، وقاموا بإمضاء البيعة، وكان أول من أمضى على وثيقة البيعة هو الأمير مولاي رشيد، ثم تبعه الأمير مولاي هشام، الذي كان خارج المغرب، حيث كان هو الوحيد الذي يلبس بذلة غير تقليدية، لأنه جاء مباشرة من سفره إلى القصر، وتبعه أخوه الأمير مولاي إسماعيل، ثم أمضى الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي وتبعه أعضاء الحكومة..

وأوضح الخطيب أنه بالنسبة له، فإن الحسن الثاني شخصية عظيمة، فقد كان محترما ومقدرا من جميع رؤساء الدول الكبرى والصغرى، والدليل هو أن جنازته حضرها العديد من رؤساء الدول من مختلف القارات، وشخصيا، فإنه يحمد الله على وجود الحسن الثاني في تلك الفترات العصيبة التي عاشها المغرب، لأنه لولى مواقفه الشجاعة والحكيمة لكان المغرب في حالة يرثى لها، حيث كثرت الأطماع الداخلية والخارجية، وحتى من بعض الضباط في القوات المسلحة.

وما زال يتذكر أنه بعد وفاة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، كان هناك خوف كبير من الانقلابات، حيث خاف الناس ودخلوا بيوتهم وأقفلوها خوفا على أنفسهم، ولكن بعد وفاة الحسن الثاني خرج الناس للشوارع بكيفية تلقائية مطمئنين على مصيرهم وعلى مستقبلهم، فقد ترك الحسن الثاني البلاد في حالة استقرار، حتى أن أحداث 16 ماي الأليمة لم تخلق في البلاد أية فوضى أو فتنة.

آخر عشاء رسمي للراحل الحسن الثاني

كان آخر عشاء رسمي حضره الملك الحسن الثاني هو ذلك الذي أقامه على شرف رئيس الدولة اليمنية علي عبد الله صالح بقصره بالصخيرات، وبالرغم من أن ذلك العشاء كان رسميا، إلا أنه اتخذ طابعا خاصا وحميميا، واقتصر على بعض الشخصيات المهمة داخل الدولة، لذلك لم ترصف كما جرت العادة موائد عديدة للمدعوين، واقتصر العشاء على ثلاث موائد بما فيها المائدة التي جلس إليها الملك وضيفه علي عبدالله صالح، والى جانبهما كان يجلس كل من الأمير سيدي محمد ولي العهد آنذاك وشقيقه المولى رشيد وعبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول وإدريس البصري وزير الداخلية.

وقبل الجلوس الى المائدة، أخذ الملك ضيفه في جولة قرب الشاطئ، وظلا يتجولان لمدة طالت لدرجة أن البعض بدأ يساورهم الخوف على صحة الملك، لأن الجو رغم أنه كان عليلا إلا أنه كانت تتخلله نسمات برد خفيفة، لكن الملك عندما عاد الى ضيوفه كان منشرحا، وقال لهم “لقد حكى لي الرئيس اليمني ما قاله للرئيس الجزائري، حول قضية الصحراء، وقد دافع عن موقفنا، كما لو كان مغربيا” قبل أن يستدرك وهو لا يستطيع أن يخفي السرور الذي خلفه لديه حديث علي عبدالله صالح قائلا: “بل إني أعتبر الرئيس علي عبدالله صالح مغربيا”.

وطيلة العشاء، لاحظ الذين حضروه فرحة الملك لدرجة أن البعض منهم تفاءل خيرا، ظنا منهم بأن الفرحة ستكون سانحة ليأذن الملك لهم بالعطلة الصيفية التي كانت على الأبواب.

كانت قائمة الطعام، أو كما يطلق عليها في القصر الملكي “الخوان”، وهي كلمة تركية تفيد نفس المعنى، تضم نفس الأطباق التي تعود الحضور تناولها في مثل هذه المناسبات، عبارة عن خليط من أطباق مغربية تقليدية وأخرى فرنسية كان يفضلها الملك، لكن الملك في تلك الليلة، وإكراما لوزيره الأول عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان يتبع نظام حمية صارمة، بما أنه يعاني من مرض السكري، وخرج لتوه من عملية جراحية في الدماغ ألزمته اتباع نظام أكل صارم، كان قد أعد له مفاجأة.

وعندما بدأ خدام القصر بتقديم الطعام، قال الملك لوزيره الأول: “لقد أمرتهم بإعداد طعام خاص بك يتماشي ونظام الحمية الذي تتبعه”، قبل أن يضيف وأمام مفاجأة الذين كانوا يجلسون إلى مائدته قائلا: اسمحوا لي فأنا سأتناول من نفس الطعام الذي أعد لليوسفي حتى لا أتركه يأكل وحده.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق