ما نعرفه أنها بلد تبيح تدخين الحشيش، لكن لماذا هولندا أيضاً بلد المراهقين الأكثر سعادة في العالم؟

19 يونيو 2018آخر تحديث :
ما نعرفه أنها بلد تبيح تدخين الحشيش، لكن لماذا هولندا أيضاً بلد المراهقين الأكثر سعادة في العالم؟
متابعة

أستطيع أن أعود للمنزل في الوقت الذي أريده، والدي يستخدم فيسبوك أكثر مني، زملائي يساعدونني في التحصيل الدراسي.

رغم شهرتها بالسماح بتدخين القنب، وتدريسها للجنس في سن الرابعة، فإن هولندا ليست مكاناً يعيث فيه المراهقون فساداً بل العكس إن نسبة التدخين وتعاطي الكحوليات والإدمان تتراجع ولدى البلاد أدنى نسبة حمل بين المراهقين في أوروبا.

تبدو هذه الدولة الصغيرة الأوروبية قد نجحت في حل المعادلة الصعبة في التعامل مع المراهقين.

فعادةً ما يتصدر مراهقو هولندا أعلى جداول الرضا بالحال، ويلعب التعليم دوراً كبيراً في ذلك، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

يمنحون أولادهم في المرحلة الثانوية دروساً في السعادة

في مختبر مادة الأحياء في مدرسة ثانوية بالقرب من روتردام، لا يعتبر الهيكل العظمي جيريت هو الوحيد الذي يتميز بابتسامة دائمة.

إذ تعد مدرسة The Groen van Prinsterer Lyceum أول من جربت إعطاء دروس عن السعادة منذ عقد من الزمن، وتُعلم بعضاً من المراهقين الأقل اضطراباً في العالم.

وتُشير التقارير المتتابعة، إلى تَصدُر هولندا لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) للشعور بالرضا بالحياة بين شبابها.

إذ يقول الباحثون الذين قاموا بدراسة السلوك الصحي للأطفال في سن الدراسة هذا العام (استبيان HBSC )، وهي دراسة لتحليلات استمرت أربع سنوات في 48 دولة، أن درجات السعادة لدى الأطفال في هولندا ارتفعت مرةً أخرى.

وهو ما يتناقض مع الصورة في دول مثل بريطانيا، إذ ازدادت حالات الاكتئاب والشعور باليأس بين المراهقين بشكل صارخ، وارتفعت حالات الانتحار فِي الولايات المتحدة بين الشباب بصورة مخيفة.

إذن، لماذا تعتبر هذه الدولة الرطبة والمسطحة التي يبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة ولها تاريخ حافل مع الاستعمار والمذهب الكالفيني جيدة للغاية في منح الشباب نظرة متفائلة؟

يوفر لهم المجتمع بيئة عائلية داعمة بالمنزل

يقول الدكتور سيمون دي روس، الباحث في المعهد الهولندي للأبحاث الإجتماعية(SCP)، إن النتائج الأولية التي توصل إليها استبيان HBSC الذي شمل 90 سؤالاً والذي اُجري على 7 آلاف مراهق، وستُنشر في وقتٍ لاحق من هذا العام، تشير إلى ارتفاع الشعور بالرضا عند الأطفال الهولنديين منذ عام 2013.

ويضيف دي روس: “أعتقد أن الأطفال الهولنديين لديهم تفاعلات إيجابية بشكل عام مع كامل محيطهم الاجتماعي”. ويتابع: “ولديهم بيئة داعمة في المنزل، وبين الأصدقاء وكذلك في المدرسة. إذ يقدم الآباء الهولنديون الكثير من الدعم ويفرضون القليل من السيطرة. مع مناخ يتسم بالمساواة، ويتقبل المعلمون مشاعر التلاميذ ولا يشعرونهم بالاستبداد، كما يثق التلاميذ في المعلمين”.

ويرى شباب هولندا أنهم سعداء لهذه الدرجة

أظهر تقرير HBSC الأخير، مقارنةً بين الأطفال في سن 11 و 13 و 15، أن الشباب الهولندي يشعر بالسعادة. وعندما سُئلوا عن المكان الذي سيكونون فيه على “سلم كانتريل Cantril’s ladder” -وهو مقياس الشعور بالسعادة في الحياة- إذ تمثل الدرجة 0 أسوأ حياة ممكنة والدرجة 10 أفضل حياة ممكنة، جاوب حوالي 94 % من الفتيان الهولنديين بالدرجة ست أو أكثر. لكن الفتيات الهولنديات كن أقل تفاؤلاً بشكل طفيف، إذ  تراوح عدد من جاوب نفس الإجابة بين 84 و 92 %.

ووفقاً لهذا التقرير، كان الشباب الهولندي أيضاً من بين الخمسة الأوائل في التصنيف للذين يتناولون وجبة الإفطار على مدار ايّام الأسبوع، ويشاهدون التلفزيون أكثر من ساعتين، ولديهم زملاء دراسة لطفاء ومتعاونون، وهم من بين أقل خمسة بلاد للمعاناة من زيادة الوزن، وممارسة الجنس قبل 15 عاماً والشعور بالضغط من الواجبات المدرسية.

وتعرضهم لتجربة التنمر كان أقل من المعتاد، وعموماً وجدوا أنه من السهل التحدث إلى أولياء أمورهم.

تتناغم تلك النتائج مع دراسة مكتب الإحصاء الهولندي لعام 2016، والتي شملت 4 آلاف فرد تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 25 عاماً، والذين صُنفت سعادتهم عند درجة 8.4 من 10.

وترتفع نسبة رضاهم عما كانت عليه من ربع قرن

هولندا- بالإضافة إلى فنلندا وسويسرا- بدت قادرة على الجمع بين نتائج التعلم الجيد مع الشعور القوي لدى الطلاب بالرضا”، حسب تقرير PISA “برنامج الطلاب الدوليين” في عام 2015.

بالطبع، تساعد الحالة العامة للأمة على ذلك. إذ تتمتع هولندا بنسبة بطالة ضئيلة،وعدالة اجتماعية قوية واقتصاد سليم.

قبل خمسة أشهر، وجدت اللجنة الدائمة المعنية بقانون البراءات في هولندا أن الشعور بالرضا في الوقت الحاضر أفضل مقارنةً مما كان عليه منذ 25 سنة مضت، بينما أظهرت دراسة أخرى أن الناس هذا العام كانوا أكثر تفاؤلاً من العام الماضي.

يقول البروفيسور بول ديكر، رئيس برنامج SCP المختص بالقيم والمعاني “في مرحلة ما، توجد كتلة حرجة من الأصوات المتفائلة، ثم تحصل على ديناميكيتها الخاصة”.

لا يسمعون في اللغة الهولندية مصطلح “أنت ولد جيد”

يعتقد البروفيسور روث فينهوفن مدير قاعدة بيانات السعادة العالمية، أن كاهل الشباب غير مُثقل بفكرة “أن يكونوا جيدين”.

ويقول “إذا نظرت إلى أوروبا، فإن الهولنديين والدنماركيين هم الأكثر تساهلاً ويركزون أكثر على تطوير استقلالية للفرد بدلاً من إعطاء الأولوية للطاعة، وهذا يناسب المجتمع”.

يتمتع الأطفال بحرية أكبر في فعل ما يريدون، وفي عمل ما يريدون، ويطورون مهاراتهم الاجتماعية ويبحثون عما يحبونه حقاً. قد لا يكون الصبي السعيد في بعض الأحيان صبياً جيداً”.

يقول تالجلينج أبيلهوف -الصبي البالغ من العمر 14 عاماً من أمستردام- في اللغة الهولندية لا توجد أي عبارة تعني حرفياً “أنت فتى جيد” أو “فتاة جيدة” ، ويضيف، “بإمكانك أن تقول” برافو أو جيد أو شكراً”.

ومثل معظم المراهقين الهولنديين، يركب دراجته إلى المدرسة ويشعر أنه يتمتع بمستوى جيد من الاستقلالية. إذ يقول “أستطيع أن أحدد في أي وقت أعود متأخراً إلى البيت – ليس في الساعة الثالثة صباحاً، أعني، ولكن في وقتٍ ما قبل وقت النوم!” ويضيف، “أعتقد أن لدي حرية كافية”.

على الرغم من سمعة البلد في تدخين القنب، فإن معهد تريمبوس يشير إلىانخفاض معدل تناول الكحول والمخدرات والتدخين بين الأطفال الهولنديين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 16 سنة. ويصف خبراء HBSC هذه الأنشطة بأنها “سلوكيات محفوفة بالمخاطر” تؤثر على الشعور بالسعادة.

وليسوا مضطرين للحصول على إعجاب الجميع

يعتقد داني كاريمانز، وهو يدرس العلوم ويبلغ من العمر 16 عاماً، من مدرسة “جرون فان برينستيرلليسيوم”، أن السلبيات الأخرى مثل التنمر والمشاجرة ليست ذات تأثير كبير في هولندا.

“إذا قارنت الأمور مع البلدان الأخرى وخاصة المدارس الأخرى، تسمع أن الناس يتعرضون للمضايقات، وغالباً ما تكون خطيرة”. هنا، أنت لا ترى ذلك حقاً. إذا حاول أحدهم التنمر علي، فأنا ببساطة أتجاهله. لدي أصدقائي الذين أتسكع معهم. ليس لدي “صورة” اجتماعية ولا أعتقد أنه علي الحصول على إعجاب الجميع، هذا ليس منطقياً”.

ويقول داني، أمه من أصلٍ إندونيسي بولندي وأبوه مغربي، إن والده يقضي وقتاً أطول على فيسبوك أكثر مما يقضيه هو.

يتعلمون الانفتاح على الثقافات ويتعاونون في التحصيل الدراسي

تقول سافرون جونز- صاحبة الـ 16 عاماً، وتدرس العلوم الاجتماعية، وهي نصف إنكليزية ونصف هولندية- إنه منذ أن انفصل والداها منذ 11 عاماً، أصبح أصدقاؤها بمثابة مجموعة دعم بالنسبة لها.

كان يمكنني دائماً قضاء الوقت مع أصدقائي في المدرسة الابتدائية. الآن، إذا كنت ضعيفة في إحدى مواد الدراسة، فإنه في الغالب ما يقوم أحد أصدقائي الجيدين في تلك المادة بمساعدتي، لذ أتصل بهم ليأتوا ويساعدوني. إن ذلك يُهدئني”.

وتدعم بيانات HBSC ذلك، إذ يقول 86% من المراهقين الهولنديين إن زملاءهم في الصف متعاونون، مما يضع البلاد في أعلى الجدولين 13 و 15.

يبدأ التعليم الجنسي في الرابعة، وتقول سافرون إن حبيبها يحظى بقبول أصدقائها ووالديها. وفي الوقت نفسه، يشجع ملصق على جدار مدرستها الناس من جميع الميول الجنسية على “الانفتاح” مشيرين إلى أن هذا أمرٌ جيد.

اللافت أيضاً معدل حمل المراهقات في هولندا هو أدنى معدل في الاتحاد الأوروبي.

ويدرسون فقط  المواد العلمية التي يستمتعون بها

إن النظام المدرسي الهولندي- الذي يكاد أن يكون كله عاماً- يتكوّن من امتحانات رئيسة عند سن 12 عاماً وثلاثة مستويات من التعليم الثانوي من أول الناحية العملية إلى الأكثر أكاديمية.

ولكن من الممكن أن تنتقل من سنة دراسية إلى أخرى أو أن تعيد تلك السنة، وعلى الرغم من المخاوف من إسقاط المعايير وزيادة معدل التمييز، فإن مثل هذه المرونة يمكن أن تؤدي إلى تقليص التوتر.

غيرت يارا أغترهوف، البالغة من العمر 17 عاماً، من مدينة فلاردينجين، موضوع دراستها. وتقول، “كنت في بداية العام الثاني، [أدرس] الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا”. وتضيف “لقد اكتشفت أن ذلك كان صعباً للغاية بالنسبة لي واتخذت قراراً بالتراجع”.

الآن أدرس الأشياء التي أستمتع بها حقاً. لا أشعر أني فقدت عاماً وأعتقد أن والدي يشعران أنه “طالما كنتِ سعيدة، فكلنا سعداء”.

ولكن هذا لايعني أن البلاد خالية من المشاكل..

هناك مشاكل اجتماعية مثل الاختلافات بين الأقلية الإثنية وسكان هولندا الأصليين، إذ ينشأ واحد من كل تسعة أطفال فقيراً.

لكن جاكلين بوريفين، أستاذة علم الأحياء في “جرون فان برينستيرلليسيوم” ، تقول إنه حتى إذا أرادت مدرسة طرد طفل، فعليها أن تجد مدرسة أخرى له، لذلك هناك حوافز للتعامل مع هذه القضايا.

لكن بيوريفين -التي طورت دروس السعادة في المدرسة قبل عقد من الزمن، وتعطي أيضاً دروساً في علم النفس الإيجابي للمعلمين– تشعر بالقلق من أن الأطفال الهولنديين يتعرضون للتهديد من الضغوط الجديدة حول التحصيل العلمي.

إذ تقول “من فضلكم، توقفوا عن رفع المعايير، لأن لدينا أطفالاً سعداء”. وتضيف “لدينا بالفعل الكثير من الأشخاص المتعلمين تعليماً عالياً، وفي الوقت الحالي لا يوجد عدد كاف من الناس للقيام بأعمال السباكة والنجارة”.

بالنسبة لتجالينج، الأمر بسيط للغاية. “في هولندا نحن أغنياء، معظم الأشياء حول الأطفال منظمة بشكل جيد، مثل المدرسة والرعاية الصحية، وإذا كان الناس فقراء، فإننا نحاول مساعدتهم. ربما هذا هو السبب في أن الأطفال سعداء”.

“يبدو المشكلة الرئيسية إنها تمطر كثيراً هناك. لكنك ستعتاد على ذلك”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق