هذه هي أسرار “القطيعة” بين بنكيران والقصر؟؟

24 يونيو 2017آخر تحديث :
هذه هي أسرار “القطيعة” بين بنكيران والقصر؟؟

يونس مسكين
بقدر الذي شكّلت سنة 2014 أزهى مراحل حكومة عبدالإله بنكيران، كان العام 2015 موعدا لاختلال التوازنات وانفراط عقد الأزمات والألغام التي ملأت طريقها. فبعد تأجيل متكرر، تقرر أخيرا إجراء الانتخابات المحلية والجهوية وتجديد الغرفة الثانية للبرلمان. وبعد قراراته اللاشعبية للزيادة في أسعار المحروقات وتقليص نفقات المقاصة؛ أردف بنكيران قراره بتوجيه دعم مالي مباشر للأرامل أواخر 2014، بقرار آخر مستهل العام 2015، يقضي بشمل قرابة 400 ألف طالب وطالبة، بالتغطية الصحية الشاملة، دون أن يكلّف ذلك أبناء الفئات المتوسطة والفقيرة، ممن يدرسون في الجامعات العمومية، أي درهم. مصادر من اللجان التقنية التي حضّرت هذا القرار، قالت  إن نقاشات طويلة دارت حول قيمة المساهمة المالية للطلبة، حيث كان يفترض أن تتراوح قيمتها بين 50 درهما و100 درهم، ليُنهي بنكيران هذا النقاش باعتماده خيار المجانية التامة وتحمّل الدولة للعبء المالي لهذه التغطية.

إنجاز آخر جاء ليضاف إلى حصيلة السنة الذهبية في ولاية عبدالإله بنكيران، يتمثل في نجاح عملية العفو المؤقت على المغاربة الذين يملكون حسابات مالية وممتلكات في الخارج، بشكل غير قانوني، مقابل إعادتها أو التصريح بها. مجموع الأموال التي كانت خارج حدود المملكة بشكل غير قانوني وعادت بفضل هذه العملية، فاق 26 مليار درهم، بعدما كانت أعلى التوقعات تقل عن خمسة ملايير. الخطوة كشفت عن معطى مهم سيستمر مفعوله إلى غاية انتخابات شتنبر من ذلك العام، وهو ارتفاع منسوب الثقة في صفوف رجال الأعمال والفئات البورجوازية في حكومة بنكيران.

نسخة جديدة من الاستطلاع السنوي الذي تجريه يومية “ليكونوميست” الاقتصادية، كشف في ينار 2015 أن عبدالإله بنكيران مازال قادرا على الفوز بولاية حكومية ثانية وشعبيته ارتفعت بين بداية ونهاية العام 2014، وذلك لأول مرة منذ توليه المسؤولية الحكومية. فبعدما كانت نسبة الراضين عن أدائه الحكومي 86 في المائة سنة 2012، وراحت هذه النسبة تتراجع لتسجّل 64 في المائة سنة 2013، و45 في المائة مستهل العام 2014 (شهر مارس تحديدا)، عادت هذه النسبة لترتفع وتصل إلى 47 في المائة بداية 2015.

انطلاق التحضيرات التشريعية واللوجستيكية لإجراء الانتخابات المحلية والجهوية، كان إيذانا بانطلاق معركة جديدة، استعاد معها بنكيران معاركه الكلامية وخرجاته الخطابية القوية. “مولانا صاحب الجلالة أعزكم الله… أضحى السيد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية يستغل موقعه كرئيس للحكومة المغربية لكي يمرر في خطاباته، خاصة مع اقتراب موعد انتخاب المؤسسات التمثيلية للدولة”، تقول المذكرة الشهيرة التي رفعتها أربعة من أحزاب المعارضة إلى الملك أواسط أبريل 2015. خطوة كشفت المأزق الذي دخلت فيه هذه الأحزاب أمام القوة التواصلية الضاربة لرئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، وشعبيته الواسعة بعد أكثر من ثلاث سنوات من جلوسه في كرسي رئيس الحكومة. وفي خلفية هذا المشهد تصعيد سياسي وخطابي كبير قام به رئيس الحكومة منذ شهر فبراير 2015، بتوالي خرجاته المباشرة لمهاجمة زعماء المعارضة، بعد ما تعتبره مصادر موثوقة رصدا لتحركات “مريبة” لتحضير الانتخابات المقبلة بطرق “ملتوية”.

محاولات أولية لإسكات بنكيران، انحنى لها مؤقتا، مفوضا مهمة النطق باسم الأغلبية الحكومية لحليفه نبيل بنعبد الله. هذا الأخير راح يطوف بين مدن المغرب العميق، ليهاجم محاولات المعارضة “إسكات” الحكومة. “البعض مشا يشتكي بنا.. أليس غريبا مثل هذه الممارسات؟! أحزاب مسؤولة تمشي لوزير الداخلية لتقول له الأمين العام في الحزب الفلاني يدعي وجود من يعرقل المؤسسات…”، يقول بنعبدالله في تجمع خطابي بمدينة جرف الملحة. تسخينات أولية فتحت الباب أمام صيف ساخن، مهّد لاستحقاقات4 شتنبر، والتي شكّلت لحظة فارقة في مسار بنكيران.

الإنجازات التي حققها في الشهور الأخيرة، وإن كانت جزئية ومحدودة، ومنسوب الثقة المرتفع الذي استشعره من أوساط شعبية ومالية عديدة، مؤشرات حفّزت بنكيران على دخول معركة انتخابات تلك السنة بروح مشابهة لانتخابات 25 نونبر 2011. تحفّز وانخراط شخصيين أبان عنهما بنكيران. فبعد السيارة رباعية الدفع التي ظهرت في 2011، لجأ بنكيران هذه المرة إلى خدمات طائرة خاصة. “قام بنكيران بـ10 تنقلات عبر طائرة خاصة استأجرها حزب العدالة والتنمية، لضمان حضور أمينه العام التجمعات الخطابية التي أقيمت برسم الحملة الانتخابية الحالية. فاتورة استئجار هذه الطائرة الخاصة بلغت 31 مليون سنتيم، بعد استفادة الحزب من تخفيض نسبته 10 في المائة، وبعد احتساب الضريبة على القيمة المضافة”، يقول مصدر مطلع.

مفعول الحملة التواصلية القوية والرصيد الإيجابي لسنوات “الحكم” الثلاث السابقة، ظهر في نتائج تلك الانتخابات، حيث اكتسح مرشحو بنكيران جميع المدن والحواضر الكبرى للمملكة، محققين نتائج كانت تبدو لبعض المتخصصين في الهندسة الانتخابية مستحيلة. الأغلبية المطلقة في جلّ المدن الكبرى، وأخرى مريحة في القسم الكبير من المدن الأخرى، مع دخول قوي في مجالات جديدة ظلّت محفوظة للأعيان وأحزاب الدولية، في بعض المجالات القروية.

مدن الرباط وسلا وطنجة وفاس ومكناس ومراكش كلّها فتحت أبوابها مساء تلك الجمعة 4 شتنبر أمام مرشّحي لوائح عبدالإله بنكيران. لكن، وعلاوة على الطابع الحضري والمديني لهذا الاكتساح الانتخابي، تكشف جلّ المعطيات المفصلة لتوزيع الأصوات التي خوّلت للبيجيدي هذا الاكتساح، وكذا استقرار المصباح بشكل مريح داخل الأحياء الراقية وتلك التي تسكنها “البورجوازية” المغربية، وهي التي ظلّت تتوجّس من الملتحين وتخشى وصولهم إلى الحكومة. معطيات أكدت دخول حزب المصباح بيوت “الكبار” بعدما ألف بيوت الطبقات الوسطى وغازل في السنوات الأربع الماضية أبواب تلك الفقيرة والمهمّشة، وحوّلت شتنبر 2015، إلى لحظة انطلاق حرب ضروس لن تضع أوزارها إلا بإعفاء بنكيران من تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016.

“جاءت محطات أخرى بعد تلك الانتخابات، أبانت عن استمرار الود والثقة، من قبيل أزمة الاحتجاجات الشعبية ضد شركة “أمانديس” في الشمال، والتي كشف بنكيران أن جلالة الملك أيقظه فجر أحد الأيام من النوم كي يتولى معالجتها بنفسه. لكن الأطراف التي كانت تحلم بإنهاء تجربة بنكيران الحكومية كانت عازمة على إلقاء آخر أوراقها”، يقول مصدر مطلّع، مقدما من مؤشرات هذا العزم، انعقاد مؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة وانتخاب إلياس العماري أمينا عاما له.

“جرت أشياء كثيرة مما اعتدناه في إطار الصراع والتدافع السياسي، لكن أمرين أساسيين أوصلا المرحلة إلى الباب المسدود. أولهما تصريح بنكيران بوجود دولتين داخل المغرب، دولة رسمية يرأسها الملك محمد السادس، وأخرى قال إنه لا يعرف من أين تأتي قراراتها؛ وثانيهما حديثه إلى موقع “الأول” الإلكتروني، والذي تحدّث فيه بقوة أيضا عن المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، وعن رؤيته للرضا الملكي، حيث قال إن ما يهمه هو رضا الوالدة بينما علاقته بالملك تنبني على الاحترام والوفاء”، يضيف مصدر وفيما كانت بوادر القطيعة وتهديد سلامة العملية الانتخابية لسابع أكتوبر الماضي تزداد وضوحا، كان أحد أكبر هموم بنكيران، هو عدم الخروج من الحكومة دون المصادقة على إصلاح أنظمة التقاعد. “بنكيران كان قد اتخذ قرارا يقضي بتحمله المسؤولية السياسية والشخصية الكاملة لإخراج هذا الإصلاح إلى الوجود قبل انتهاء ولايته الحكومية. والخطة كانت تقضي بإصدار مرسوم بقانون، يتضمن مشاريع القوانين التي عرضتها الحكومة على البرلمان، وذلك بعد انتهاء السنة التشريعية صيف 2016”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق