تندرج هذه المقالة التي بين يديك عزيزي القارئ ضمن سلسة من المقالات الفكرية التي نعتزم نشرها خلال الأيام القادمة، وهي مقالات تعنى بالقضايا الساعة في المشهد الأمازيغي الراهن، سواء في الداخل أو الشتات، المشهد الذي يعيش في مجمله تحولات عميقة.(1) لكن قبل الاسترسال في الحديث نود في البداية توضيح مسألة مهمة للغاية، أو هكذا تبدو لي شخصيا على الأقل، ونقصد هنا مسالة اختيارنا لهذا الموضوع.
لهذا نقول إن اختيارنا لموضوع العمل الأمازيغي بأوربا بشكل عام، وفي هولندا بشكل خاص، باعتبارها نموذجا في النضال الأمازيغي الديمقراطي المستقل بأوربا، وتحديداً اختيارنا لموضوع التمويل المالي للجمعيات الأمازيغية لم يكن اختيارا اعتباطيا، كما لا يندرج هذا الاختيار بأي شكل من الإشكال ضمن المزايدات الكلامية، أو تنقيصا من مكانة ودور باقي الحركات الأمازيغية المغربية بأوربا في نشر الوعي الأمازيغي في أوساط المهاجرين المغاربة بأوربا من جهة، وفي أوساط المجتمعات الأوربية التي تحتضن جالية أمازيغية كبيرة جدا من جهة ثانية، كما قد يعتقد البعض. بقدر ما أن للموضوع خلفيات وأسباب عديدة، منها ما هو موضوعي مرتبط أساسا بتطور العمل الأمازيغي بهولندا بشكل عام ، كما سنرى ذلك في ثنايا هذه المقالة المتواضعة، وأسباب أخرى ذاتية مرتبط بي شخصيا، فأنا شخصياً معرفتي بواقع الحركات الأمازيغية المغربية بأوربا محدودة جدا، وبالتالي لا يمكن لي الحديث عنها بشكل مفصل ودقيق، كما أن الواقع الأمازيغي بهولندا ينسحب وينطبق على مجمل الحركات الأمازيغية المغربية بأوربا الغربية، سواء من حيث آليات الاشتغال، أو الأهداف، أو الإكراهات النضالية التي تصادف المناضلين الأمازيغ بأوربا، وغيرها من الأمور المتعلقة بعملية النضال الأمازيغي بأوربا الذي هو في العمق عمل مزدوج وصعب، مقارنة مع واقع الحركة الأمازيغية بالمغرب. هذا بالرغم ما تتيحه المجتمعات(الدول) الأوربية من حرية التعبير والتنظيم نظراً للمناخ الديمقراطي السائد داخل هذه المجتمعات بشكل عام، وما توفره أيضا من ” الإمكانيات المادية ” الضرورية للعمل المدني التطوعي.
فهكذا، وبالرغم كل ” الامتيازات/ الإمكانيات” المتوفرة نسبيا لدى الحركات الأمازيغية بأوربا مقارنة مع نظيرتها بالمغرب، يظل العمل المدني التطوعي بأوربا صعب للغاية، مقارنة مع العمل المدني التطوعي بالمغرب، لأسباب موضوعية وذاتية متعددة، منها على سبيل المثال، كثرة الإنشغالات والإلتزامات التي يفرضها نمط العيش داخل المجتمعات الأوربية، وخاصة في دول الشمال، أو نوعية وطبيعة النضال الأمازيغي بأوربا الذي هو بكل المقاييس نضال مزدوج، ومتعدد الإبعاد والأهداف، حيث أنه يتجاوز ما هو أمازيغي فقط.
ولكون أن الجمعيات الأمازيغية بأوربا تعتبر جزء لا يتجزأ من المجتمعات الأوربية، فإنها تناضل إلى جانب الدفاع عن القضية الأمازيغية والتعريف بالهوية الأمازيغية في أوساط المهاجرين المغاربة بأوربا، تناضل أيضا إلى جانب القوى الديمقراطية والتقدمية في بلدان تواجدها من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية داخل تلك المجتمعات ، كما أنها تناضل من اجل المساواة الكاملة في المواطنة بين المواطنين الأصليين والمهاجرين/ المغاربة.
هذا إضافة إلى أن الحركة الأمازيغية بهولندا، حققت على المستوى المعرفي والنضالي تراكمات مهمة للغاية مقارنة مع مجموعة من الحركات الأمازيغية بأوربا التي مازالت في بدايتها، مما أدى بها إلى تحول شبه جذري في خطابها خلال الآونة الأخيرة، حيث تحول الخطاب الأمازيغي بهولندا من الخطاب الثقافي/ الحقوقي إلى الخطاب السياسي.
فهكذا، نلاحظ من خلال متابعتنا اليومية للعمل الأمازيغي بهولندا، تحول كمي ونوعي في مسار الحركة الأمازيغية بهولندا، فعلى المستوى الأول نلاحظ تزايد عدد الجمعيات الأمازيغية المنتشرة على مجموع التراب الوطني، وبروز كذلك نخبة أمازيغية مهمة جدا، سواء على مستوى البحث العلمي الأكاديمي أو على المستوى الأدبي والفني. أما على المستوى الثاني فإننا نلاحظ تغيير وتحول شبه جذري في أنشطة وإهتمامات الجمعيات الأمازيغية بهولندا خلال السنوات الأخيرة، ففي المراحل السابقة من تاريخ الحركة الأمازيغية بهولندا، كانت أنشطة وإهتمامات أمازيغ هولندا تتمحور بالدرجة الأولى حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين، بينما نلاحظ الأن أن معظم الأنشطة الأمازيغية بهولندا تتجه نحو الفعل السياسي حيث تشكل المواضيع التالية أحد أبرز المحاور الواردة في أنشطة هذه الجمعيات : الحكم الذاتي المواطنة الكاملة هنا وهناك الهوية الأمازيغية التنمية المستديمة دسترة الأمازيغية الإعلام الأمازيغي – الإنتقال الديمقراطي المصالحة – حقوق الإنسان وغيرها من المواضيع الساعة في المشهد الأمازيغي الراهن بهولندا.
ثانيا: السياق:
بعد هذا التوضيح، نعود إلى مواصلة الحديث في موضوع هذه الورقة، ونشير في البداية أيضا، إن الحديث عن العمل الأمازيغي بهولندا، يقتضي من الباحث، أو الدارس إلقاء الضوء على خصوصية هذا العمل الذي أصبح في الآونة الأخيرة يزعج الكثير من الأطراف والجهات الرسمية هنا وهناك. وهذه الخصوصية يحددها أساسا التطور التاريخي للهجرة المغربية بهولندا، حيث سيشكل التحول الكبير على مستوى التركيبة البشرية للجالية المغربية، سواء من حيث العدد أو من حيث النوع، دورا مركزيا في تحول مسار الهجرة المغربية بهولندا من الهجرة المؤقتة إلى الهجرة الدائمة(الاستقرار). هذا من جهة ومن جهة أخرى، ساهمت هذه المعطيات الموضوعية، وبشكل كبير جدا، في تحول مسار العمل المدني المغربي بهولندا أولا، وفي تغيير نظرة الحكومة الهولندية تجاه الجالية المغربية ثانيا.
ونتيجة هذه المتغيرات المتلاحقة على مستوى الهجرة المغربية عموما، والهجرة المغربية بهولندا خصوصا، إضافة إلى عوامل أخرى، سنأتي على ذكرها في ما بعد، سنشاهد خلال منتصف التسعينيات القرن الماضي بروز الجمعيات الأمازيغية على واجهة الصراع الاجتماعي والثقافي بهولندا، وهي الجمعيات التي سوف لا تساهم في إغناء العمل المدني المغربي التطوعي بهولندا فحسب، أو العمل الثقافي/الفني فقط ، بقدر ما ستساهم بشكل كبير في تنوير الرأي العام الهولندي بشكل عام، ومغاربة هولندا بشكل خاص، بالمكونات الثقافية واللغوية والعرقية للجالية المغربية بهولندا، التي يشكل فيها الأمازيغ الأغلبية المطلقة ( أكثر من 80%، ) كما توضح ذلك مختلف الدراسات والأبحاث، ومنها دراسات المكتب المركزي للإحصاء. إلى جانب هذه الأمور، ساهمت الحركة الأمازيغية بهولندا؛ نقصد هنا الجمعيات والفعاليات الأمازيغية بهولندا، بقسط كبير في التعريف بالهوية الأمازيغية على المستوى الدولي. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية، كان للحركة الأمازيغية بهولندا دورا كبيرا في دعم التنظيمات والحركات الأمازيغية في شمال إفريقيا برمتها، وخاصة في دعم الحركة الأمازيغية في الجزائر وليبيا ومالي والمغرب، سواء عبر إستضافتها للمناضلين والمفكرين والمبدعين الأمازيغيين من هذه البلدان، أو عبر عقد مجموعة من اللقاءات والملتقيات المشتركة، وخاصة مع الجمعيات الأمازيغية بالمغرب.
طبعا، هذا إلى جانب التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العميقة التي عرفها العالم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي مع بداية التسعينيات القرن المنصرم. التحولات التي ستؤثر بشكل كبير جدا في تغيير سياسة الهجرة في الاتحاد الأوربي بشكل عام، وفي هولندا بشكل خاص. كما ساهمت هذه التحولات، وبشكل كبير أيضا، في بروز إشكالية الهوية وحقوق الأقليات على مسرح الأحداث الدولية، التي أدت في بعض البلدان إلى المواجهات الدموية( انتفاضة القبائل سنة 2001 مثلا) بينما أدت في بلدان أخرى إلى اندلاع حروب طاحنة، كما هو الأمر في البوسنة والشيشان على سبيل المثال وليس الحصر.
هذه هي بعض السياقات الرئيسية والظروف العامة، باختصار شديد، التي أدت إلى ظهور الحركة الأمازيغية بهولندا، وباعتبارها (الحركة الأمازيغية بهولندا) امتدادا طبيعيا للحركة الأمازيغية في المغرب، فمن الضروري أيضا إستحضار التطورات التي ستعرفها هذه الأخيرة (الحركة الأمازيغية بالمغرب) مع بداية التسعينيات القرن الماضي، خاصة بعد توقيع ميثاق أكادير سنة 1991، وتأسيس المجلس الوطني للتنسيق سنة 1993 ، وتأسيس الكونكريس العالمي الأمازيغي. فيما بعد سنة 1995، وذلك نظر لأهمية هذه الأحداث التاريخية في مسار تطور الحركة الأمازيغية بالمغرب، حيث ساهمت هذه الأحداث هي أيضا، وبشكل قوي، في بروز الحركة الأمازيغية بهولندا على واجهة الصراع الجمعوي المغربي بهولندا.
مما لا شك فيه، إن المتغيرات والتطورات المتتالية على المستوى الوطني والدولي، ستكون لها تأثيرات وإنعكاسات عميقة على مسار العمل المدني المغربي بهولندا، حيث كان هذا العمل، ومند بداية ظهوره مع تأسيس جمعية العمال المغاربة بهولندا (يسارية) يوم 13 ديسمبر 1975 ، وإلى حدود أواخر التسعينيات القرن الماضي، يركز (يهتم) في معظم أنشطته وبرامجه الموجهة للجالية المغربية ، وخاصة في ما يتعلق بالجانب الثقافي/ الفني والسياسي على القضايا العربية (مثل فلسطين، لبنان، العراق، الأدب العربي، الهوية العربية، اللغة العربية، الفكر العربي…)، كما يتم استعمال اللغة العربية كوسيلة لتواصل والتخاطب مع أفراد الجالية المغربية سواء عبر وسائل الإعلام الهولندية الموجهة أساسا للمغاربة، أو في تدريس اللغة العربية الكلاسيكية للأطفال المغاربة في المدارس العمومية، التي كانت تتم في إطار دعم سياسية إندماج الأجانب مع الحفاظ على ثقافتهم الأصلية(2)
إنطلاقا من هذه الحقائق الموضوعية، التي لا يمكن للإنسان الديمقراطي تجاوزها والتغاضي عنها بسهولة، كلما تتطرق للوضعية الراهنة للجالية المغربية بهولندا، نقول، إن مجمل المشاكل التي نعيشها في هذا البلد تتحمل فيها الجمعيات المغربية بهولندا قسط كبير من المسؤولية، وتحديدا في إشكالية الانتماء والهوية، أو ما سار يعرف بأزمة الهوية، خاصة لدى الشباب الذي يعيش بين ثقافتين متناقضتين ومختلفتين كليا، حيث تعتبر هذه الإشكالية؛ إشكالية الانتماء والهوية، وفق مجموعة من الدراسات الحديثة من أبرز الأسباب التي أدت بفئات عريضة من الشباب المغربي بهولندا إلى دخول عالم التطرف والإرهاب،(3)
ثالثا: إقصاء المكون الأمازيغي في الهوية الأصلية للمهاجرين المغاربة بهولندا:
قلنا، إن هذه المشاكل، وخاصة، في موضوع أزمة الهوية لدى معظم الشباب المغربي، تتحمل فيها التنظيمات المدنية المغربية بهولندا، اليسارية والإسلامية تحديدا، مسؤولية تاريخية، حيث عملت هذه التنظيمات على مدى تاريخها النضالي بهولندا، على إقصاء وتهميش البعد الأمازيغي في الهوية الأصلية للجالية المغربية، هذا إضافة إلى أطراف وجهات أخرى، التي لا يتسع لنا المجال هنا لتناولها بالتفصيل.
وحتى تستطيع عزيزي القارئ فهم وإستيعاب فكرتنا أكثر، بل وتتيقن أكثر مما نقوله في هذا الموضوع، ندعوك إلى إجراء بحث بسيط حول موقع ومكانة الثقافة واللغة الأمازيغية في أنشطة هذه الجمعيات أولا، وفي برامج الدولة الهولندية ثانيا. ونقصد هنا البرامج الثقافية والإعلامية والتربوية والصحية الموجهة أساسا للجالية المغربية بلغته ” الأصلية” التي كانت تتم في إطار سياسة الإندماج، وتقريب المواطنين( الأجانب) من الإدارة الهولندية.
وما يجب الإشارة إليه في هذه النقطة بالذات هو إن الحكومة الهولندية، كانت على مد العقود الماضية تحدد مواقفها وتصوراتها تجاه الجالية المغربية بهولندا، انطلاقا من الإتفاقيات الرسمية التي تبرمها مع الدولة المغربية أولا. ومن خلال إستشارتها مع الجمعيات المغربية بهولندا ثانيا. حيث كانت هذه الجمعيات تعتبر بمثابة ” ممثلين ” للجالية المغربية آنذاك، وخاصة الجمعيات اليسارية بقيادة عبدو المنبهي ومحمد الرباع ومصطفى المجاطي وغيرهم كثيرون. والجمعيات الدينية بقيادة آنذاك إدريس البوجوفي، البقالي الخمار ومحمد الشروطي وغيرهم من الأوجه والقيادات الإسلامية المغربية بهولندا.
أما إذا كنت عزيزي القارئ، لا تتوفر على الوقت الكافي لإجراء البحث الذي نقترحه عليك، فصدقني القول إذا قلت لك ، انك سوف لا تجد أي شيء يذكر على الإطلاق في هذا المجال، ما قد تجده هو خمسة دقائق فقط ( وفي أحيان كثيرة أقل من خمسة دقائق) خلال نشرة الإخبار في إذاعة راديو… التي كان يديرها الصحفي علي الأزرق.
لهذا فإن ظهور الجمعيات الأمازيغية بهولندا، تعتبر في تقديرنا المتواضع، بمثابة ثورة ثقافية في وجه العمل المدني المغربي بهولندا، الذي كان متأثرا بالإيديولوجية العربية المختزلة في الثنائية ” العروبة والإسلام”. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، يعتبر أيضا ظهور العمل الأمازيغي بهولندا في تقديرنا الخاص، ثورة في وجه تصورات ومواقف الحكومة الهولندية تجاه الجالية المغربية، حيث كانت الحكومات الهولندية السابقة تعتبر الجالية المغربية بهولندا جالية عربية وموحدة في كل شيء (لغويا وثقافيا وتاريخيا وعرقيا). هذا إضافة إلى الدور التاريخي الذي لعبته ومازالت تلعبه الحركة الأمازيغية في دعم ورفع الحصار والتضييق على الحركة الأمازيغية بالمغرب، سواء ماديا أو معنويا، كما قلنا أعلاه .(4)
مما لا ريب فيه، إن دراسة مواقف وأنشطة الجمعيات المدنية المغربية بهولندا، دراسة مفصلة، تستدعى منا كتابة كتابا كامل، وربما عدة كتب، لهذا فإنه من الطبيعي أن لا تتسع لها هذه المقالة التي نريدها أن تكون موجزة ومفيدة، لهذا فإننا، سوف لا نخوض في هذا الموضوع، كما إننا سوف لا نتطرق إلى أنشطة وواقع الحركة الأمازيغية بهولندا، بالرغم من أهميته القصوى، لكن مع تمنياتنا أن نعود إلى هذا الموضوع في مقالة خاصة، وفي مناسبة أخرى.
لهذا، عزيزي القارئ، فضلنا أن نلقي الضوء على مسالة حيوية ومهمة للغاية في سياق محاولات وسعي المخزن ” الجديد” إلى تحجيم العمل الأمازيغي بأوربا، وخاصة في هولندا، وهي مسألة تمويل الجمعيات الأمازيغية بهولندا التي كثير ما تأخذ وتستعمل هذه المسألة (التمويل) كذريعة لتمييع العمل الأمازيغي الديمقراطي الاحتجاجي، سواء من طرف المخزن أو من طرف بعض الإنتهازيين الحاقدين على العمل الجمعوي الجاد.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن المخزن ” الجديد” ينهج طريقتين في عملية إحتواءه للفاعلين الأمازيغيين بأوربا. الطريقة الأولى هي طريقة الإحتواء عبر التوظيف في ما يسمى ” بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” الذي هو في العمق معهد خاص لثقافة السوسية التي تواطئت معظم نخبتها مع النظام الاستبدادي القائم في بلادنا لتقويض المطالب المشروعة للشعب الأمازيغي، وعلى رأسها دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية، بل أنها تدافع على المخزن أكثر من المخزن نفسه. والطريقة الثانية هي تشويه صورة وسمعة الفاعلين الأمازيغيين عبر توزيع التهم الباطلة في حقهم، مثل اتهامهم بالإلحاد، أو العملاء للخارج ، أو الإسترزاق بالعمل الجمعوي، وما حدث للرفيق المناضل شكيب الخياري خير دليل عما نقوله في هذا السياق.
تهدف هذه المقالة إذن إلى ملامسة إشكالية مهمة ومؤثرة على مسار النضال المدني الديمقراطي عموما، والنضال الأمازيغي الديمقراطي المستقل خصوصا، وهي إشكالية الدعم (التمويل) المالي للجمعيات المجتمع المدني بهولندا. لهذا سنحاول تسليط الضوء على هذه الإشكالية التي لها امتدادات اجتماعية وأخلاقية خطيرة، سواء على الفرد المناضل أو على مسار الحركة الأمازيغية برمتها.
ولأسباب أخلاقية محضة، سوف نحاول في ثنايا هذه المقالة التي لا تعتبر ردا على كل من تجرئ وهاجم المناضلين الأمازيغيين بهولندا، دون حجج وأدلة تثبت إدعاءاتهم، كما يفعل باستمرار الأخ الكاتب التجاني بولعوالي.(5) كما أنها (المقالة) ليست ردا على الخفافيش الذي جندهم المخزن، بوعي منهم أو بدون وعي، لتشويه سمعتنا وشرفنا في مختلف المواقع الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، بل وصل بهم الأمر إلى مستوى الشتم والسب والتهديد وما إلى ذلك من السلوك الصبياني. بل إننا سنتطرق عزيزي القارئ، ووفق ما تسمح به الوثائق والمعطيات المتوفرة لدينا حول هذا الموضوع، تسليط الضوء على الجانب المتعلق بالإطارات والجمعيات الأمازيغية بهولندا فقط. لكن قبل ذلك نفضل، الحديث والبحث عن أسباب تنامي إهتمام المخزن المغربي بالعمل الأمازيغي بهولندا خلال السنوات القليلة الماضية.
رابعا: المخزن ” الجديد” من سياسة الاحتواء إلى سياسة التشويه:
لقد أصبح الحديث في الآونة الأخيرة حول الجمعيات المغربية بهولندا بوجه عام، والأمازيغية بوجه خاص، وتحديدا حول الدعم المالي الذي تتلقاه هذه الجمعيات في إطار تنفيذ برامجها السنوية، من بين أبرز المواضيع الشائعة بين الناس (يا أيها الناس) وبين الفاعلين أنفسهم ، والبعض منهم يتحدثون في الموضوع بثقة كبيرة في النفس كأنهم هم من كانوا يشرفون على دفع وتوزيع تلك التمويلات التي تتم في إطار مجموعة من القوانين والشروط التي تفرضها (إجبارية) الجهات الداعمة، سواء كانت جهات حكومية (البلدية، العمالة أو الوزارات) أو مؤسسات مستقلة. لنعود إلى هذه النقطة في ما بعد.
ولكي نفهم جيدا سياق تزايد إهتمام المخزن ” الجديد” خلال السنوات الأخيرة بالحركة الأمازيغية بهولندا، علينا باستحضار حقيقيتين موضوعيتين في الموضوع. أولهما تتعلق بتنامي الوعي الأمازيغي بين صفوف المهاجرين المغاربة بهولندا، المتجسد أساسا في تزايد عدد الجمعيات الأمازيغية، وبروز كذلك نخبة أمازيغية بهولندا على كافة المستويات والأصعدة ، وخاصة على المستوى الثقافي والسياسي. مما أدى مع مرور الوقت إلى تنامي وانتشار الفعل الأمازيغي الديمقراطي الاحتجاجي بهولندا بين المهاجرين المغاربة، خاصة فئة الشباب.
وثانيها تتعلق بالتحول الشبه الجذري في أنشطة وأعمال الجمعيات الأمازيغية، خاصة في علاقتها مع البلد الأصلي (المغرب). حيث كانت مواقف التنظيمات المدنية المغربية بهولندا، وخاصة الأمازيغية/ الريفية من بين أبرز المواقف الرافضة للسياسة المخزن تجاه الهجرة، والأمازيغية، والمصالحة.
نشير في هذا الصدد على سبيل المثال وليس الحصر إن ما يمسى ” بالمجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج” لم يستطيع مند تأسيسه سنة 2007 إلى يومنا هذا من عقد لقاء تواصلي واحد مع أفراد الجالية المغربية بهولندا.(5) كما إن ما يسمى ” بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” لا مكان له في هولندا نهائيا.
هذا من جانب ومن جانب أخر، يعتبر الدعم المعنوي والمالي، الذي تقدمه الجمعيات الأمازيغية بهولندا، سواء في إطار التضامن أو العمل المشترك مع الجمعيات الأمازيغية في المغرب من بين الأسباب التي تزعج المخزن ومؤسساته الجديدة .(6) بل وتقلق أيضا، مع الأسف الشديد، حتى بعض الجمعيات الأمازيغية التي تشعر بالمنافسة. هذا مع عدم نسيان بروز ظاهرة التطرف الإسلامي داخل صفوف المهاجرين المغاربة بأوربا، وخاصة في هولندا وبلجيكا واسبانيا.
ومن الطبيعي جدا في ظل هذه المعطيات التي ذكرناها أن تتحرك أجهزة المخزن من أجل إحتواء ما يمكن إحتوائه من المناضلين، وإسكات الآخرين بأية طريقة كانت، ومنها طريقة التشويه والتهديد، كما أسلفنا القول. ومن الطبيعي أيضا أن ينتج عن مثل هذه الأمور التباسا وغموضا في مواقف وقناعات الجماهير/ الناس تجاه العمل الأمازيغي الديمقراطي المستقل، خاصة في ظل غياب الأدلة والحجج التي تثبت صحة التهم الموجهة للفاعلين الأمازيغيين.
لهذه الأسباب، أرتأينا عزيزي القارئ كتابة هذه المقالة، ليس فقط لتصحيح المغالطات الرائجة حول الموضوع، بالرغم اليقين الذي يراودنا بأن جواسيس المخزن” الجديد” المتخصصة في مراقبة الشبكة العنكبوتية ستعمل كل ما في وسعها، كعادتها، على تشويهنا واستهدافنا كما فعلت على مدى السنوات الأخيرة. على أية حال، نحن مقتنعون ومؤمنون بان الكلاب من حقها أن تنبح متى تشاء. بل من أجل أن نقول كلمتنا في الموضوع، وبصفتنا فاعلين في المجال الأمازيغي بهولندا، وأنا، شخصيا، لا ألدعي إنني أعرف كل شئ عن العمل المدني المغربي بهولندا، ولكن من خلال معاينتي ومساهمتي المتواضعة، وما نعرفه عن الموضوع، ونؤكد عليه، نستطيع القول أن كل الأعمال والتصرفات التشويهية ضد المناضلين الأمازيغيين بهولندا وخارجها، سواء عبر مواقع الإكترونية أو في الواقع الملموس أيضا، ليست بريئة نهائيا.
وما نشرته جريدة المساء في عددها 1056/1057 حول الموضوع ، وما نشره أيضا الأخ المناضل يوسف رشدي وفكري الأزرق خلال الأسابيع القليلة الماضية في مختلف المواقع الإكترونية عن أنشطة المخابرات المغربية بأوربا، وما نشره كذلك الأخ علي لهروشي في الموضوع ،(7) يؤكد صحة كلامنا وصواب وجهة نظرنا في الموضوع.
وبالرغم أيضا أن مثل هذا الكلام سيستمر إلى ما لا نهاية، لأنه ببساطة يخدم مصالح المخزن، فكما تعرف عزيزي القارئ المخزن ” الجديد” وفي ظل الظروف والمتغيرات الوطنية والدولية لا يمكن له أن يعتقل جميع المناضلين ويذهب بهم إلى السجون، ليس لأن الدولة المغربية تحترم ” مواطنيها ” كما تفعل الدولة الديمقراطية التي تحترم نفسها، أو أنها غير قادرة على فعل ذلك، أو أنها بالفعل قطعت نهائيا مع العهد القديم، ودخلت بالفعل عهد الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يتغنى بذلك يوميا التلفزيون العربي الذي يدفع تكاليفه الشعب الأمازيغي المقهور والمنسي في مدن وقرى الريف والأطلس وسوس، بل وفي عواصم ومدن الاتحاد الأوربي كذلك.
لا ياسيدي، لا هذا ولا ذاك، الحكاية وما فيها هي أنه ليس من مصلحة الدولة إعتقال كل من يخالفها في الرأي. وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية مع الدول الإمبريالية، خاصة مع الاتحاد الأوربي الذي منحه وضعية متقدمة نتيجة ما يدعيه المخزن المغربي من تحقيق الإنجازات والإصلاحات في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية. كما أن النزاع حول الصحراء الأمازيغية مازال قائما ومستمرا أيضا، من أجل هذا فقط لا يمكن للمخزن المغربي القيام باعتقال جميع المناضلين، خاصة إذا كانوا محسوبين على التيار الديمقراطي، لأن قانون مكافحة ” الإرهاب” لا ينطبق عليهم. فكيف سيقوم بذلك وهو الذي يسعى ليلا ونهارا إلى تحسين صورته أمام المجتمع الدولي!!.
ومن أجل أصال أغانيه(المخزن) الصادرة في البوم جديد تحت عنوان ” العهد الجديد”، الذي يتضمن العديد من الأغاني القديمة والجديد معا، ومنها على سبيل المثال أغنية ” الإنصاف والمصالحة” وأغنية ” الإنتقال الديمقراطي” وأغنية ” التنمية المستديمة” وغيرها من الأغاني القديمة، يتضمن هذا العمل الإبداعي الجديد والقديم في نفس الوقت أغنية جديدة تحت أسم ” الجهوية الموسعة” من تأليف وإخراج الحاج التركتور، غناء وتقديم فنانون من الريف والصحراء. ومن أجل أن يحقق أكبر عدد من الأرباح أيضا إنشاء قناة أخرى سماها ” بالقناة الأمازيغية ” التي سيكون مصيرها مثل مصير مؤسسة السي بوكوس الذي لم يتشرف بتقديم إستقالته، أخلاقيا على الأقل، بالرغم من إعلانه عن فشل وإفلاس مشروع تدريس أللغة الأمازيغية.
لهذا، عزيزي القارئ فإن المخزن ” الجديد” وفي إطار تجديد هياكله على جميع المستويات، سواء فيما يتعلق بتغيير الوجه المألوفة لدى الشعب، حيث يقوم بين الفينة وأخرى بتعيير الوزراء وإجراء الانتخابات الشكلية، وتنظيم كذلك بعض الحملات الأمنية على الفساد الإداري والأخلاقي وغيرها من الحملات الدعاية والتضليلية التي تندرج في سياق تزين صورته أمام الرأي العام الوطني والدولي، ويوهم بالتالي الناس بأنه هناك بالفعل تغيير ما يجرى في البلاد ، بل أنه يقوم بتجديد بعض المفاهيم والشعارات أيضا، بل حتى لغة الخطاب تم تغييرها أيضا.
ففي هذا الإطار بالذات سيتم تجديد آليات التجسس والمراقبة، ومن بين آليات المراقبة التي يطبقها المخزن ضد كل من يخالفه الرأي هو تشويه سمعته وصورته أمام أهله أولا، وأمام الرأي العام ثانيا. وذلك عبر إتهامه، كما أشرنا أعلاه، بالإلحاد أو الإسترزاق بالعمل الجمعوي، أو بالمؤامرة على الوحدة الوطنية وغيرها من التهم التي تكون في إنتظارك إذا تجرأت وقلت لا ” للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”، أو قلت لا ” للمجلس الاستشاري للحقوق الإنسان” أو تجرأت أكثر وقلت أيضا ” لا للمجلس الأعلى للمهاجرين بالخارج” وكل من أستوعب اللعبة السياسية بالمغرب سيفهم جيدا لماذا ذكرت هذه المؤسسات الثلاثة بالذات وليس غيرها.
إذا تجرأت عزيزي القارئ، وقلت هذه الأشياء فتهمتك الأولى هي الاسترزاق بالعمل الجمعوي. أما إذا تجرأت وقلت على سبيل المثال إن تحقيق دولة الحق والقانون يمر أولا عبر تغيير الدستور شكلا ومضمونا، وثانيا عبر إعطاء الريف الاستقلال الذاتي، فتهمتك الثانية هي العمالة للأجنبي.
ولكن إذا كنت تريد أن تحصل على تهمة الإلحاد، فما عليك عزيزي القارئ، إلا أن تقول في ندوة ما أو بيان ما أو في حوار ما إن تحقيق المشروع ” الديمقراطي الحداثي ” يمر عبر فصل السلط أولا، حيث يكون الدين في المسجد والسياسية في البرلمان ، وثانيا يمر عبر تطبيق نظام الملكية البرلمانية، حيث أن الملك يسود ولا يحكم، كما هو الشأن في بريطانيا وهولندا وبلجيكا والنرويج وغيرها من الدول الديمقراطية. إذا قلت مثل هذا الكلام فتأكد وتيقن إن تهمتك هي الإلحاد والكفر، فكيف يمكن لك عزيزي القاري أن تطالب بتطبيق العلمانية في دولة إسلامية ورئيسها يعتبر أمير المؤمنين وفق دستور الدولة ؟.
هكذا يحاول المخزن ” الجديد” أن يلعب أوراقه مع الفاعلين الديمقراطيين، وهو يدرك جيد إن تشويه صورة المناضلين، أخلاقيا واجتماعيا، معناه الموت البطيء للمناضلين. هذا إضافة إنه يؤسس عبر الفكس (والميل) إطارات ومؤسسات مشبوهة في كل الدول الأوربية تقريبا، وفي هولندا خاصة، وهي الإطارات إلى تعقد لقاءات ومؤتمرات في أضخم فنادق الرباط و مراكش (خمسة نجوم) بدعوة من السيد إدريس اليازمي، رئيس ما يسمى ” بالمجلس الأعلى للمهاجرين المغاربة بالخارج ” ، حتى يوهم الرأي العام بأن مجلسه يمثل بالفعل جميع مغاربة هولندا.
وللإشارة في هذا السياق فان الجمعيات الأمازيغية بهولندا لم تشارك في أية مناظرة أو في اللقاءات الاستشارية التي عقدت قبل تأسيس هذا المجلس ( مجلس الجالية) أو بعده، كل ما يمكن تسجيله في هذا الصدد هو مشاركة رئيس جمعية الحركة الأمازيغية بهولندا سابقا في احد المناظرات التي عقدت بالرباط ، وهي مشاركة غير قانونية لكون أن الجمعية آنذاك غير موجودة قانونيا وعمليا. كما نشير إلى مشاركة مؤسسة أكنراي للثقافة والمواطنة ( أمازيغية سوسية) بإيعاز من احد الأعضاء الفاعلين حاليا في ما يسمى ” بالمجلس الجالية المغربية بالخارج” وذلك من اجل تعزيز مكانته داخل المشاورات واللقاءات التمهيدية لتأسيس المجلس، حيث قام هذا الشخص بإشراك مجموعة من الإطارات الجمعوية على أساس أنها تمثل جميع المكونات الجمعوية بهولندا.
خامسا- الجمعيات الأمازيغية بهولندا ومسألة التمويل:
بكل صراحة عزيزي القارئ ، أكاد أجزم أن معظم الأشخاص الذين يتناولون هذا الموضوع؛ موضوع التمويل المالي للجمعيات الأمازيغية بهولندا، نقصد هنا كل الذين يستعملون هذا الموضوع لتشويه سمعة المناضلين الأمازيغيين الديمقراطيين بهولندا ، بل وحتى خارجها، سواء بإيعاز من الأجهزة الاستخباراتية، أو بدافع الإنتقام والحقد لدى البعض الأخر، لا يعرفون شيء عن الموضوع إطلاقا، وهم أشخاص في أغلبيتهم المطلقة لا علاقة لهم بالعمل الجمعوي. وهؤلاء الأشخاص ينقسمون إلى قسمين، القسم الأول يدور في فلك المخزن، بوعي منهم أو بدون وعي، والقسم الثاني هم المتتبعين والمهتمين بالشأن الجمعوي بهولندا. وهذه الفئة تنقسم هي أيضا بدورها إلى مجموعتين:
المجموعة الأول: هي عبارة عن مجموعة واسعة من ” الناقدين” والرافضين للعمل الجمعوي القائم هنا وهناك، لأسباب نعرفها ونقدرها، وهي مجموعة كانت بشكل أو بأخر تساهم هي أيضا في النضال المدني بهولندا، أو في المغرب، ونتيجة الظروف والتطورات التي أشرنا إلى بعضها في السطور السابقة، تراجعت عن مواقفها وتصوراتها ومبادئها، بل وتحولت بين ليلة وأخر من حالة المساهمة في العمل المدني إلى حالة العداء المطلق لكل عمل مدني جاد، وخاصة للعمل الأمازيغي. هذا مع العلم أن هذه الفئة تتحمل هي أيضا المسؤولية التاريخية في تأزيم الأوضاع التي يعيشها المجتمع المدني المغربي هنا وهناك، ويمكن لنا أن نصوغ في هذا المجال العشرات الأسماء ” المعروفة”.
المجموعة الثانية: وهي عبارة عن مجموعة واسعة أيضا من الشباب الذين التحقوا بالهجرة خلال السنوات الأخيرة ، سواء في إطار الزواج أو الهجرة السرية أو الدراسة، وهي مجموعة يتحكم فيها الحقد والكراهية لكل عمل تطوعي جاد. وهو عمل إنتقامي في معظمه، ونستطيع ذكر العديد من الأسماء أيضا في هذا المجال، وهي أسماء نعرفها ولنا معها علاقات اجتماعية.
فانا شخصيا، لم أجد إلى حدود كتابة هذه المقالة المتواضعة أي شخص ” ينتقد ” الجمعيات الأمازيغية والفاعلين الأمازيغيين بهولندا، قدم دليل واحد حول ما يتهم به الفاعلين من التهم الفارغة من قبيل الإسترزاق بالعمل الجمعوي. فعلى سبيل المثال فقط، كثير ما يتم ترديد واتهام احد المناضلين ” باختلاس” مبلغ 39 ألف أرو من بلدية لاهاي، التي تسلمها مقابل القيام بأنشطة خاصة لفائدة الشباب المغربي بالمدينة، طبعا قد يكون هذا صحيحا، لكن ما أعرفه جيدا، ومن خلال الممارسة الفعلية، ويعرفه غيري كذلك من المناضلين الشرفاء بلاهاي إن أكبر مبلغ يمكن أن تقدمه بلدية لاهاي للجمعيات المدنية الذاتية هو مبلغ 25 ألف أرو فقط. هذا إضافة إن البلدية أو غيرها من المؤسسات التمويلية، تمول جزء فقط من ميزانية المشروع ولا تمول المشروع بكامله. كما إن تمويل المشروع يتم تدريجيا وليس دفعة واحدة، ففي المرحلة الأول يتم دفع 90% من ميزانية التمويل فيما يتم دفع الباقي (10% )، بعد الانتهاء من تنفيذ المشروع.
والنتيجة النهائية بعد هذا التوضيح القصير هو إن المعني هنا بالاختلاس لا يمكن له إن يحصل على مبلغ 39 ألف أرو من بلدية لاهاي .
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية، يجب قانونيا على المعني بهذا المبلغ ( أي المتسلم للمبلغ) تقديم التقرير الأدبي والمالي بعد إنتهاء مدة تنفيذ المشروع، وفي حالة عدم تقديم التقرير الأدبي والمالي، الذي يجب أن يكن مدعم بالأدلة والقرائن، إعادة المبلغ كامل للبلدية ، وفي حالة عدم القيام بذلك سيكون مصيره المحكمة.
كما نشير في هذا الصدد إن تزوير فاتورة ما، كإضافة مبلغ مالي وهمي على سبيل المثال إلى فتوراة القاعة أو أية فتوراة أخرى، كما يعتقد الكثيرون، لا يمكن نهائيا، بل إنه شبه مستحيل، والسبب في ذلك هو أن تكاليف القاعات أو باقي الأمور الأخرى المتعلقة بالجانب التنظيمي ( الملصقات والدعوات وتعويضات الضيوف …) هي معروفة لدى الجهات الممولة.
على أية حال هناك العديد من الأمثلة والتهم التي تقال في حق المناضلين الأمازيغيين دون أية حجة تثب وتؤكد ما يقال عنهم، ومن أجل تسليط الضوء أكثر على عملية تمويل الجمعيات بهولندا، نشير إلى أهم النقط المتعلقة بالموضوع.
أولا: جميع الجمعيات والمؤسسات الأمازيغية بهولندا هي جمعيات ذاتية مستقلة تطوعية، بمعنى إنها ليست جمعيات حكومية وبالتالي فإنها لا تتوفر على موظفين أو دعم مالي سنوي قار، كما إنها لا تتوفر على مقرات خاصة بها.
ثانيا: سياسة دعم الجمعيات والهيئات المدنية هي سياسة موجهة لجميع الإطارات المدنية بهولندا، وليس فقط للجمعيات المغربية أو الأمازيغية تحديدا. وبالتالي فان الجمعيات الأمازيغية بهولندا لا تحضى بأية استثناءات أو امتيازات خاصة في عملية تمويل أنشطتها، وإنما تحضى بنفس الشروط والمعاملة كباقي الجمعيات والهيئات التي تحصى بالدعم المالي بهولندا.
ثالثا: الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة الهولندية أو الجهات المستقلة، هو أولا وقبل كلي شيء حق مشروع لكل مواطن هولندي، ولكل مقيم بصفة قانونية في هولندا، وليس صدقة أو هبة ما.
رابعا: تقديم الدعم المالي للجمعيات المدنية الذاتية بهولندا، يتم وفق مجموعة من الشروط الإجبارية، مهما بلغ حجم هذه التمويل (الدعم). ومن بين أهم الشروط المشتركة بين التمويل الحكومي والتمويل المستقل (الشركات أو المؤسسات المالية) هي:
1: تقديم مشروع واضح الأهداف والبرنامج مع توضيح حيثيات ودواعي انجاز المشروع.
2: يتم تقديم المشروع كتابة.
3: تنفيذ المشروع الحاصل على التمويل في الزمن المحدد في طلب التمويل، وفي حالة حدوث أي تغيير في الزمن والمكان يجب إخبار الجهات الممولة بذلك كتابة.
4: تقديم التقرير الأدبي والمالي بعد إنتهاء عملية تنفيذ المشروع معزز بالحجج والأدلة.
5: لا يتم تمويل المشاريع التي تعارض مع المصالح الخارجية لهولندا.
وفي الأخير، نقول لكل من يعتقد أن هذا الكلام مجرد كلام إنشائي لا أساس له من الصحة والواقعية. نقول له، نعم لكل شخص الحق في أن يعتقد ويفكر كما يشاء، فنحن لا نطلب تصديقنا ولا تزكيتنا ، وما نقوله هنا هو مجرد رأي ووجهة نظر لا أكثر ولا أقل، ولكنها بكل تأكيد هي وجهة نظر موضوعية لا تحمل أية مزايدات. لهذا فالمطلب منك عزيزي القارئ أن لا تصدق كل ما يقال على العمل الجمعوي هنا أو هناك (المغرب) بل المطلوب منك هو أن تبحث عن الحقيقية الكاملة، وبعد ذلك قول كلمتك، وقرر ما شئت في حق العمل الأمازيغي بهولندا وفي حق المناضلين الأمازيغ.
محمود بلحاج
فاعل أمازيعي مقيم بهولندا
بعض المراجع المعتمدة في انجاز هذه المقالة:
1: حول الواقع الراهن للحركة الأمازيغية انظر على سبيل المثال مقالنا ” من اجل رؤية جديدة للعمل الأمازيغي” المنشور في عدن مواقع الإكترونية أمازيغية منها: riftoday.com nadorcity.com
2: انظر كتاب Retrospectief Haags integratiebeleid in vogelvlucht:het laatste kwart van de twintigste eeuw : Gemeente Den Haag , Dienst OCW
3:انظر كتاب Strijders van Allah : Radicale moslimas en het Hofstadnetwerk. Janny Groen en Annieke Kranenberg
4: حول دور الجمعيات الأمازيغية بهولندا في دعم الحركة الأمازيغية بالمغرب انظر على سبيل المثال الحوار الذي أجراه الكاتب والصحفي مصطفى عنترة مع الكاتب والمؤرخ الأمازيغي محمد أمزيان، الحوار منشور في كتاب ” الأمازيغية وأسئلة المغرب الراهن” إصدارات مركز طارق ابن زياد ، الطبعة الأولى.
5: هناك العديد من الكتابات الصحفية التي تتعرض لمسالة التمويل المالي للجمعيات الأمازيغية، وخاصة بعد تزايد دور الجمعيات المغربية بهولندا داخل المغرب خلال السنوات الأخيرة، ومنها كتابات الأخ الكاتب التيجاني بولعوالي الذي يبدو لنا ، ولغيرنا أيضا، انه يسعى إلى تشويه صورة وسمعة إمازيغن بهولندا عبر تزوير الحقائق وتلفيق التهم للمناضلين الأمازيغيين، مما يجعلنا صراحة، والى جانب العديد من المتهمين والفاعلين نشك في مصداقية هذا الكاتب. للمزيد من الاطلاع على مواقف هذا الكاتب حول موضوع التمويل المالي للجمعيات الأمازيغية بهولندا يمكن مراجعة الحوارات التالية للكاتب:
* حوار مع مصطفى عنترة يوم 29 ديسمبر 2009
* حوار مع الأخ يوسف رشدي في جريدة أصداء الريف والمنشور في الحوار المتمدن العدد 2362 .
كما يمكن مراجعة مقاله ” إساءة أي أمازيغي إلى الإسلام تعتبر تدنيسا للأمازيغية المنشور في عدة مواقع مغربية منها: اريفينو ودليل الريف وغيرها.
6: أنظر مقال للسيد جمال رايان المنشور في maroc.presse.net
7 : أنظر مقال السيد علي لهروشي حول أنشطة المخابرات المغربية بهولندا تحت عنوان” الجواسيس الهولنديين من الأصول المغربية بمثابة سم قاتل في جسم الجالية المغربية بهولندا” المنشور يوم الأحد 28 ديسمبر 2008 على الموقع الإلكتروني اكدم .كوم .