ما فائدة أوراش المغرب الكبرى؟

17 يناير 2011آخر تحديث :
ما فائدة أوراش المغرب الكبرى؟

فكري الأزراق
الوطن الآن، العدد 412
[email protected]
www.fikrielazrak.tk

إلى أين يسير المغرب؟ هل يتقدم أو يتأخر؟ يجيب كل واحد عن هذين السؤالين من الزاوية التي ينظر من خلالها إلى مختلف القضايا التي لها ارتباط وثيق بحياة الإنسان المغربي، ومن بين الأجوبة نجد مثلا من يقول بأن المغرب يسير بخطى حثيثة نحو النماء والإزدهار والديموقراطية، ومن يقول مثلا بأن المغرب حقق نتائج جيدة على المستوى الإجتماعي  والاقتصادي…الخ، إلا أن الأجوبة اللحظية التي تُقال هنا وهناك لا تتضمن بعض المعطيات التي غالبا ما يتجاهلها الخطاب الرسمي وشبه الرسمي لأسباب يعرفها العادي والبادي، ومنها أي المعطيات- ما يتعلق بوضعية الطفل المغربي باعتباره رجل الغد، وبالتعليم العالي الذي هو محرك التقدم.
وإذا استحضرنا واقع هذين المجالين في مغرب اليوم، وما يعرفهما من مشاكل قد تعصف بمستقبل الأجيال القادمة، وفي ظل مناخ سياسي يكتنفه الغموض من أكثر من زاوية، سنقف لا محالة على حجم الخطر الذي بدأ يدق على باب مغرب الأوراش الكبرى، كيف؟
تُنجز الكثير من المشاريع، التي تُوصف بالضخمة والكبرى وغيرها من الأوصاف التي سرعان ما تتكسر على أرض واقع مغربي يملأه البؤس من كل الجوانب، وهي المشاريع التي غالبا ما يُقال عنها بأنها تهدف إلى محاربة الهشاشة والإقصاء والإجتماعي… وغيرها من الخطابات الرنانة التي لا تستطيع أن تُغطي واقع مغربي أصبح مخيفا حتى لأكثر المتفائلين، فإذا نظرنا مثلا إلى واقع الطفل المغربي، رجل الغد، سنجده سيء من الأسوء، حيث أن أعدادا مهولة من رجال الغد يغادرون مقاعد الدراسة مبكرا، أو لا يلتحقون بالمدرسة نهائيا، وهذا معناه أن الأمية ستستمر في الإنتشار في زمن أصبح معلوماتيا بكل المقاييس، والكل يعرف الإنعكاسات الخطيرة للأمية والجهل على الحداثة والديموقراطية والتنمية…

وهذا الواقع المخيف تؤكده الكثير من المعطيات، منها ما يستقرء من الواقع اليومي، ومنها ما تؤكده أرقام وإحصائيات المؤسسات المختصة، فمثلا  منظمة “اليونيسيف” في تقريرها الأخير تقول إن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بالمغرب بلغ 36%، وإن ما يناهز 200 ألف طفل دون سن 15 يُستغلون اقتصاديا، أكثر من هذا، يضيف التقرير، أنه يتم التخلي سنويا عن 7000 رضيع عند الولادة، وهذه أرقام لا تحتاج إلى تعليق ما دامت تعبر بنفسها عن حجم الخطر الذي يوجد فيه رجل الغد.
أما إذا نظرنا إلى التعليم العالي، فنجده ليس بالأفضل عن واقع الطفل، حيث يتموقع المغرب في الرتبة ما قبل الأخيرة (عربيا) في مؤشر الإلتحاق بالتعليم العالي، أي أن المغرب قبل “الدجيبوتي”. والتقرير يتحدث عن الإلتحاق وليس التخرج، والمفارقة الغريبة أن  المغرب يحتل المرتبة الثالثة (عربيا) من حيث عدد حاملي الشواهد العليا المعطلين بعد مصر والجزائر، أي أن قلة فقط تلتحق بالتعليم العالي، وقلة القلة تحصل على الشواهد، وأكثر من نصف القلة نفسها لا يجد عملا، وهذا معناه أن أكثر من ثلثي المتعلمين يلتحقون مباشرة بالبطالة، فأين هي أوراش المغرب الكبرى؟ كيف يمكن أن يثق المغاربة، وخاصة منهم المتعلمين وخريجي الجامعات،  في “الأوراش الكبرى” التي لا تستطيع أن تلبي حاجيات المغاربة من الشغل ليبقى أمامهم سوى حلم الهجرة لإجترار يأسهم بعيدا عن مغرب صار فيه الأمل يبدوا هزيلا مثل هلال قمر لحظة ولادته؟
المغرب يحتل المرتبة الثانية (عربيا) من حيث الإنفاق على التعليم التي يمتص 25.7% من ميزانية الدولة. ومع ذلك يحتل المرتبة الما قبل الأخيرة، وقلة فقط من متعلمي البلد يلتحقون بالتعليم العالي، وهذا معناه أن اختلالات بنيوية في تدبير الشأن التعليمي تتراكم لتُنتج أكبر عدد من المعطلين، وهذا ما يُنذر بهزات اجتماعية قد تقلب الكثير من الموازين السياسية ، خاصة إذا نظرنا إلى درجة الإحتقان الإجتماعي التي ترتفع تدريجيا داخل النسيج المجتمعي المغربي، حيث أن جيوب الفقر في توسع مستمر، رغم بعض مظاهر الغنى التي تظهر على ملامح “عُليةّ القوم” وأصبح أغلب المغاربة لا يحلمون سوى بالهجرة إلى أي اتجاه، رغم الأزمة الإقتصادية ومشاكل البطالة التي تتخبط فيها العديد من البلدان التي كانت إلى حدود الأمس القريب تستقبل تيارات الهجرة بشكل كبير، ووآخر تقرير للمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية بفرنسا يقول إن المغرب ثالث دولة مصدرة للمهاجرين بعد المكسيك وأفغانستان، يعني أن في دولة الأوراش الكبرى ، القلة القليلة من خريجي تعليمها العالي نفسها معطل، وأغلب يدها العاملة مهاجرة أو في محاولة هجرة.
فهل سيدرك أصحاب الحل والعقد هذا الخطر المحدق الذي بدأ يدق بقوة على باب مغرب أنهكته القرارات العشوائية أحيانا والخاطئة أحايين أخرى، للخروج من الوضع الخطير الذي قيل عنه في السابق إنه “سكتة قلبي” واليوم يبدو أنه أقرب إلى “هزة عقلية”؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


التعليقات تعليق واحد
  • gharib
    gharib منذ 14 سنة

    الى المحترم: السيد فكري
    اخي العزيز، قارب الناس الوصول وأنت ما زلت واقفا تشكو.. منذ كم وأنت على هذا الحال؟!

    عهدي بك تتبرم منذ زمن.. وما أرى لك جهدا في محاولة التغير والانتقال إلى حال أفضل.

    البعض يشكو فعلا ما هو فيه ولكنه يكتفي بمجرد الشكوى ولا يحاول التقدم للأفضل.. فهو على هذا من سنين، ويمكن أن يبقى كذلك أيضا سنين أخر.المشكلة أن الكل واقف في مكانه ولا أحد يبدأ العمل، ويسلك الطريق.
    لا تقف مكتوف اليد، ولا تبقَ مشتت الفكر، وإياك أن تديم الشكوى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، هذه قاعدة وأصل لا يتخلف فابدأ بعلاج نفسك، ومجاهدة هواك، وسلوك سبيل الحق؛ وستجد المعونة على قدر المؤونة، وكلما جاهدت واجتهدت سترى التوفيق والتيسير، ويزول عنك الهم وتنمحي عنك الوساوس وتنجلي عنك الأحزان.

    إن الذين يشكون الواقع وفقط لن يغيروه مطلقا، ولن يتغيروا هم أيضا بل سيظلون هكذا في وحل الفتنة ومستنقع العطالة والبطالة، يقاسون المرارة والكرب طالما لم يبدءوا العلاج.
    إن صلاح القلب لا يكون بضربة حظ أو بمعجزة تأتي من السماء على عبد جالس ينتظر الفرج بلا عمل، وبلا حركة وبلا بذل سبب.. هذا لا يكون. لابد من العمل كما قال صلى الله عليه وسلم: “اعملوا فكل ميسر لما خلق له”. والله تعالى لا يأتي العبد حتى يكون العبد هو يأتيه أولا ويمشي إليه ويسلك الدرب للوصول إليه فعند ذلك يأتي المدد والتوفيق كما في الحديث القدسي الذي في مسند أحمد يقول تعالى: “يابن آدم قم غلي أمشِ إليك، وامش إلي أهرول إليك”

    وفي الحديث الآخر المتفق عليه: “من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة”.

    إن الوصول إلى الله يحتاج منا ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام المشاكل والهموم، واضعين أيدينا على خدودنا نشتكي إلى كل رائح وغاد، بل لابد من التحرك للعلاج.

    فعاهد نفسك من الآن ألا تشتكي مطلقا.. كف عن الشكوى وابدأ بالعلاج ليعينك الله على الوصول إليه. اللهم بلغنا مما يرضيك آمالنا.. آمين.

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق