فكري الأزراق
[email protected] / www.fikrielazrak.tk
وأخيرا، عصفت بالرجل الذي خلف الشجرة رياح غضب ولي نعمته، وهي الرياح التي هبت من رمال الصحراء الغربية لتسقط ورق التوت عن عورات رجل الظل، والقيادي من وراء الستار في الحزب الملكي، فحسب ما أوردته بعض المصادر الإعلامية نهاية الأسبوع المنصرم، يوجد رجل المخزن في قلب عاصفة غضبة ملكية جعلته غير مرغوب فيه في البلاط الملكي ولو إلى حين.
الغضبة الملكية، حسب نفس المصادر الإعلامية، كانت بسبب مساهمة “إلياس العماري” في تأزيم الوضع في مخيم “أكديم إيزك” بالعيون الذي سبب ،أي المخيم، في تَعقيد قضية الصحراء الغربية أكثر. فقد تبين بأن الصراع بين الأعيان الجدد ونظرائم القدماء حول تدبير قضية القضايا وبالتالي الإنفراد بالكعكة الصحراوية، هو السبب الرئيسي لظهور مخيم العيون، وبعد انفلات خيوط اللعبة من بين أيدي الأعيان الجدد، وعلى رأسهم رجل الظل في الحزب الملكي، ودخول قوى الصراع الإقليمية والخارجية على الخط، اتجه الذئب المخزني إلى خطط ملتوية قَلبت السحر على الساحر، وهو ما سبب للمغرب حرجا في المنتظم الدولي خاصة بعد القرارات التي صدرت عن كل من البرلمان الأوروبي والهيئات الحقوقية الدولية، وهو ما جعل قضية الصحراء الغربية تدخل منعطفات جديدة لم يكن يرغب فيها المخزن.
فهل يمكننا الحديث عن بداية النهاية لرجل ظل طيلة السنوات الماضية يتحكم في خيوط اللعبة من وراء الستار وهندس المشهد السياسي في منطقة الريف الشديدة الحساسية بالنسبة للمخزن المركزي على المقاس؟
وللإجابة على هذا السؤال، يجب استحضار سؤال آخر وهو : لماذا صنع المخزن “إلياس العماري” ليكون ناطقا رسميا بإسمه �أي المخزن- في الريف؟
بادئ ذي بدء، لا بد من استحضار الوضعية الإجتماعية والسياسية لشريحة واسحة من سكان الريف الذين اكتوو بنار القرارات العشوائية أحيانا، والخاطئة أحيانا أخرى، على مر البساط الزمني الممتد منذ الإستقلال الشكلي، وهوما جعلهم “لا يثقون في المخزن والمخزن لا يثق في الريف” بتعبير نجل مولاي موحند، الراحل سعيد الخطابي. وكذا درجة الوعي السياسي والثقافي بالنسبة للريفيين، وحالتهم النفسية الناتجة عن نفس القرارات المخزنية المذكورة، وهي وضعية في مجملها لا يمكن أن يُبسط المخزن سيطرته عليها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي دقت بقوة على باب مغرب أنهكته قبضة الحسن الثاني الحديدية على زمام الأمور طوال 38 سنة، والتي �أي المتغيرات الإقليمية والدولية- أدت بنظام الحسن آنذاك إلى الإنفتاح السياسي النسبي لإنقاذ البلاد من “السكتة القلبية”.
وهذا الطقس المنفتح نسبيا هو الذي ساعد بعض التكتلات على فرض نفسها في مشهد سياسي أنهكته سنوات الصراع السياسي بين الفاعل الرئيسي المتمثل في القصر وقوى المعارضة، فمثلا تحولت الحركة الأمازيغية من مجموعة جمعيات حاملة للهم الثقافي إلى قوة اقتراحية صعبة التجاوز، وأصبحت القوى السياسية المحسوبة على اليسار الجذري تتبنى مواقف أكثر راديكالية، في حين خرجت إلى الوجود في المشهد الإعلامي مطبوعات صحفية رسمت خط تحريرها من منظور نقدي بناء وبنفس مهني جيد وتطرقت إلى مواضيع كثيرة كانت آنذاك تدخل في خانة “الطابو”.
والريف كمنطقة جغرافية وسكانية، عرفت بالإضافة إلى نفس الوضعية، وإلى عدم ثقة الريفيين في المخزن المركزي الذي عمد إلى تهميش المنطقة عبر التاريخ، تَركيز العديد من الفاعلين الأمازيغيين إهتمامهم عليها �أي منطقة الريف- بعد فشل التنسيق الوطني بين الجمعيات الأمازيغية في كل المناطق المغربية، وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهو ما كان ينذر بظهور قوة ريفية ضاغطة كانت بلا شك ستُخلط الكثير من الأوراق التي راهن المخزن عليها لصناعة مشهد سياسي وحقوقي وإعلامي في المنطقة وفق ما يشتهيه “عُلية القوم”، ألم يقاطع الريفيين جلسات الإستماع لهيئة الإنصاف والمصالحة ويطالبوا برحيلها عن الريف؟
وعليه، ولأجل ضبط كل التحركات في المنطقة، عمد مهندسو الخريطة الأمنية بالبلاد الذين يعرفون جيدا مكامن القوة والضعف إلى صناعة “كوادر”، مخزنية جديدة، على رأسهم “إلياس العماري” ينتمون إلى نفس المنطقة الشديدة الحساسية بالنسبة للمركز، والتي تربطها مع هذا الأخير علاقة متشجنة تاريخيا، وبالتالي تسهيل عملية ضبط الهزات الإجتماعية التي قد تحدث بسبب أو بآخر، وكذا للمساهمة في صناعة المشهد السياسي والحقوقي على مقاس المخزن، ألم يُصرح إلياس العماري لجريدة “ثيفراز ن أريف” بقوله “لا وجود لمقابر جماعية في الريف” قبل حوالي ثلاثة أشهر من اكتشاف المقبرة الجماعية لضحايا 1984 بالناظور بثكنة الوقاية المدنية؟ وفي نفس الحوار قال بصريح العبارة : “أنا مستعد للركوع والسجود إن كان ذلك سيضمن قارورة ماء وقطعة خبز لأبناء جلدتي”.
ومن ثم يمكن القول بأن “الغضبة” التي يوجد في قلبها “الذئب المخزني” �حسب تعبير الصحفي الملتزم مصطفى حيران- يمكن أن تكون سحابة صيف عابرة، ستمر ليظل الرجل متحكما في خيوط اللعبة إلى حين، على اعتبار أن الأهداف التي صُنع من أجلها الرجل تحققت البعض منها، حيث تمت هندست المشهد السياسي استجابة لشهية التراكتور،( بلدية الحسيمة، ميضار، عمادة طنجة، …الخ) والمشهد الحقوقي أصبح منهكا ومروضا، اللهم بعض التنظيمات التي تمسكت بخطها المبدئي كمنتدى شمال المغرب لحقوق الإنسان الذي منعته السلطات من عقد مؤتمره، والحقوقي شكيب الخياري الذي تم الزج به في غياهب السجون المغربية بسبب تصريحات التي لم تُرضي رجل الظل في الحزب الملكي.
أما ساحة الحركة الأمازيغية فبدورها أصبحت تحمل الكثير من بصمات “الذئب المخزني”، منها مثلا خلق جمعيات أمازيغية مضادة للجمعيات المنبثقة من رحم النضال الأمازيغي، وتشتت الكونغريس العالمي الأمازيغي وانقسامه، بسبب موالاة بعض عناصره للمخزن الجديد ومنهم القادم من ضفة اليسار إلى الأمازيغية الذي أسس شبيبة بإسم أمازيغي ووضعها في خدمة الأصالة والمعاصرة، وهذا موثق بمعطيات مفصلة حول شبكة المخزن الجديد في تحقيق أنجزه كاتب هذه السطور منذ سنة ونيف تحت عنوان “خطة المخزن لكبح التنظيمات السياسية الأمازيغية” (يمكن العودة إلى التحقيق على الرابط التالي: https://azrak.jeeran.com/archive/2010/5/1050513.html).
ويمكن القول أيضا بأن “مهمة” الرجل قد انتهت ما دامت الأهداف التي صُنع لأجلها تحققت، وبالتالي سيركن إلى هامش التاريخ، وبين هذا وذاك تطفو على السطح تساؤلات محرقة حول الأدوار التي يمكن أن يلعبها رجل الظل في الحزب الملكي، إذا استمر في إمساكه بخيوط اللعبة، في منطقة الريف؟ وهل يمكن أن يُعيد تكرار نفس أخطاء المخزن التي حددت منطق علاقة الريفيين بدولتهم مبكرا؟ أم أن الظروف الحالية ليست هي ظروف الماضي وبالتالي فدور الرجل يمكن أن يكون أكثر خطورة من دور الذين سبقوه أو أقل حسب الظروف والمتغيرات السوسيوسياسية؟ … إنها أسئلة وأخرى لا شك أن القادم من الأيام ستحمل لنا إجاباتها الشافية, لنعش ونرى.
صحح هذه العبارة يا غلام الصحراء الغربية
فالصحراء مغربية وليست غربية . وانزع هذا الفيروس من مخك فلقد صرت فيروسا غبيا مكانه مزبلة التاريخ