بين بطاقة التأمين و”الرشوة مقابل العلاج”: المغاربة محاصرون بين تغطية صحية على الورق وأبواب مستشفيات موصدة

أريفينو : 13 شتنبر 2025

يحمل المواطن المغربي بطاقة التأمين الصحي، يقطع عشرات الكيلومترات في بعض الحالات بحثًا عن العلاج، ينتظر لساعات طويلة، ثم يُطلب منه العودة في اليوم الموالي… وقد يخرج من المستشفى دون دواء، دون علاج، وأحيانًا دون كرامة.
وفي كثير من الحالات، لا يجد أمامه سوى “الصبر أو الرشوة” لكسر طابور الانتظار أو ضمان حبة دواء أو سرير شاغر.
هذه الصورة القاتمة لا تأتي من تخمينات أو تقارير إعلامية فقط، بل تؤكدها أرقام استطلاع رأي حديث أجرته هيئة “أفروباريوميتر”، المتخصصة في قياس رأي المواطنين في أكثر من ثلاثين دولة إفريقية، من بينها المغرب.

تغطية واسعة… لكن بدون حماية فعلية

بحسب نتائج الاستطلاع، أصبح 71 بالمئة من المغاربة مشمولين بشكل من أشكال التغطية الصحية، سواء من خلال التأمين الإجباري أو أنظمة أخرى، وهو ما قد يُفهم ظاهريًا على أنه تقدم ملحوظ في ملف الحماية الاجتماعية.
لكن الحقيقة المرة، أن هذه التغطية تبقى في كثير من الحالات مجرد حبر على بطاقة بلا فاعلية. إذ عبّر 73 بالمئة من المشاركين عن قلقهم الكبير من صعوبة الولوج إلى العلاج أو عدم القدرة على تحمّل التكاليف، ما يُبرز فجوة صارخة بين الوعود والسياسات، وبين الواقع الصحي في الميدان.

المواطنون: لا نُعالج إلا برشوة أو “معرفة”

الأرقام صادمة. فـ52 بالمئة من المغاربة الذين زاروا مرافق صحية عمومية خلال السنة الماضية قالوا إنهم واجهوا صعوبات في تلقي العلاج، بينما اعترف 37 بالمئة أنهم اضطروا لتقديم رشوة، هدية، أو خدمة مقابل الحصول على الرعاية الطبية التي يُفترض أنها حق مضمون.
إنها أرقام تكشف عن واقع يتناقض جذريًا مع الخطاب الرسمي حول تعميم التأمين وتوسيع التغطية الصحية، وتعكس في الآن نفسه أزمة عميقة في الحكامة وغياب الشفافية داخل المنظومة الصحية.

انتظار طويل، أدوية مفقودة وأطباء غير كافين

استطلاع “أفروباريوميتر” استعرض أيضًا أبرز الاختلالات الميدانية كما يعيشها المواطن المغربي بشكل يومي:
• 95% يشتكون من طول مواعيد الانتظار.
• 85% يرون أن هناك نقصًا حادًا في الأطر الطبية أو شبه الطبية.
• النسبة نفسها تعاني من غلاء العلاج.
• 81% يقرون بوجود نقص في الأدوية والمعدات.
• 79% يؤكدون رداءة البنيات والتجهيزات داخل المستشفيات.
كلها عوامل تجعل من رحلة العلاج مسارًا شاقًا مليئًا بالعراقيل، حتى لمن يملكون بطاقة تأمين صحي.

تغطية لا تضمن الاستمرارية ولا العلاج

من أبرز ما كشفت عنه الدراسة، أن 54 بالمئة من المواطنين أو أحد أفراد أسرهم توقفوا عن استكمال علاج أو تناول دواء خلال السنة الماضية، إما بسبب كلفته أو لصعوبة الوصول إليه، ما يؤكد أن الحق في الصحة لا يزال معلقًا، رغم توسّع التغطية على الورق.

ثقة مهزوزة… وواقع لا يطمئن

ورغم هذا الوضع المقلق، لا تزال وزارة الصحة تحافظ على قدر من الثقة، إذ عبّر 58 بالمئة من المستجوبين عن ثقتهم بها بدرجات متفاوتة، وهي النسبة نفسها التي ترى أن الحكومة لا تُحسن أداءها في تحسين الخدمات الصحية الأساسية.
وفيما يخص تمويل المنظومة الصحية، أبدى 48 بالمئة تأييدهم لفكرة توسيع الرعاية الصحية حتى ولو تطلّب الأمر ضرائب إضافية، ما يعكس إدراكًا شعبيًا لأهمية الاستثمار في هذا القطاع. في المقابل، عارض 37 بالمئة هذا التوجه، ربما نتيجة فقدان الثقة في جدوى هذا التمويل.
أما الجانب الإيجابي الوحيد، فيتجلى في الثقة المستمرة في البرامج الوقائية، حيث أيد 74 بالمئة إلزامية تطعيم الأطفال ضد الأمراض المعدية.

الصحة ليست تغطية… بل كرامة

تكشف هذه الأرقام أن التغطية الصحية في المغرب قد توسعت إداريًا، لكنها لا تزال ضيقة عمليًا. المواطن لا يطلب ترفًا صحيًا، بل حقًا بسيطًا في العلاج، دون إذلال أو رشوة أو انتظار لا نهاية له.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال:
هل ستنجح برامج الإصلاح الصحي في تجاوز الشعارات وتكريس عدالة صحية حقيقية؟
أم سيبقى المواطن يتنقل بين مستشفى وآخر، وفي يده بطاقة تأمين، لكنها لا تفتح له حتى باب صيدلية المستشفى؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *