تسعى الشركات التقنية الكبرى، مثل غوغل ومايكروسوفت، إلى إدماج الذكاء الاصطناعي بشكل عميق في منتجاتها اليومية. فأصبح الذكاء الاصطناعي مكونًا أساسيًا يُستخدم في عمليات البحث، ويدعم أدوات كتابة المستندات والبريد الإلكتروني، إلى جانب عدد لا يُحصى من الأنظمة الأخرى التي تُستخدم في مختلف جوانب الحياة اليومية كالدراسة، العمل، والترفيه.
ورغم الفوائد المتعددة لهذه التكنولوجيا، إلا أن للذكاء الاصطناعي آثارًا جانبية ملموسة. فعلى سبيل المثال، تشير تقارير حديثة إلى قلق متزايد بين المعلمين بشأن الاعتماد المفرط من قبل الطلاب على الذكاء الاصطناعي لتولي جزء من مهام التفكير بدلًا منهم، وهو ما قد يخلق تحديًا طويل الأمد للقوى العاملة المستقبلية وفق تحليل لمجلة “Inc”.
شهدت معدلات استخدام الذكاء الاصطناعي بين الطلاب الأميركيين ارتفاعًا كبيرًا مؤخرًا. ففي نهاية عام 2023، أفاد تقرير صادر عن مؤسسة “كومن سينس ميديا” أن نحو نصف الشباب لم يستخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي أو لم يكونوا على درايةٍ بها. لكن بحلول سبتمبر من نفس العام، أفاد تقرير من موقع أكسيوس أن 70% من المراهقين الأميركيين لجأوا إلى استخدام أداة واحدة على الأقل تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بينما استخدم أكثر من نصفهم هذه الأدوات في إنجاز الواجبات المدرسية.
ومع توسع نطاق الأدوات الذكية لتغطية المزيد من المهام، من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بالنمو، إلا أن الإفراط في استخدامها قد يخلق مخاطر جديدة. أظهرت دراسة أجرتها مايكروسوفت أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي في المهام الفكرية يؤدي إلى ضعف قدرات التفكير النقدي لدى المستخدمين، كما يمكن أن ينجم عنه شعور متزايد بالقلق.
هذا الضعف المحتمل في التفكير النقدي يُثير تحديات حقيقية. عندما يعتمد الشباب على هذه الأدوات في جزء كبير من عمليات التفكير، فإنهم قد يجدون صعوبة في تطوير قدراتهم العقلية الأساسية بشكل صحيح.
في شهادة حول هذا الموضوع، أوضحت جينا بارنابي، وهي معلمة للصف الثاني عشر من أتلانتا بولاية جورجيا، أنها لاحظت لجوء طلابها للذكاء الاصطناعي ليس فقط في المساعدة ولكن أيضًا في حالات “الغش الصريح”. وقالت إن هذا الاعتماد المفرط قد يُضعف قدرتهم على التفكير المستقل، مما يجعلهم يواجهون صعوبات عند الحاجة لتحقيق نتائج ذاتية دون مساعدة الآلات. وأضافت أن هذا يشبه محاولة الركض لمسافة ميل كامل لمن لم يتجاوز تدريبه 40 ياردة فقط.
إقرأ ايضاً
ويبرز هذا القلق ضمن نقاش أوسع حول جدوى ومخاطر الذكاء الاصطناعي: هل يمثل تطورًا إيجابيًا أم سلبيًا لنا كأفراد ومجتمعات؟ بالرغم من صعوبة الإجابة بشكل قطعي، تظل الحقيقة قائمة بأن التكنولوجيا لن تختفي وقد تواصل انتشارها في المنازل والمدارس وأماكن العمل. لذا فإن تعلم كيفية استخدامها بشكل فعال يُعتبر مهارة حيوية بحد ذاتها.
تعكس النقاشات على منصات مثل “ريديت” تباين وجهات النظر حول هذه القضية. حيث أشار البعض إلى أن فكرة “استخدمه أو اخسره” تنطبق هنا ليس فقط على القدرات الجسدية بل أيضًا الذهنية، بينما أكد آخرون أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يأتي على حساب تطوير المهارات الإنسانية الجوهرية. في المقابل، يرى البعض أن هذا العصر يعبر إلى مرحلة جديدة تتسم بالتفكير المعزز بالذكاء الاصطناعي بدلًا من الاستغناء عنه.
مع كل هذا النقاش، يظل المستقبل مفتوحًا للتداعيات المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي ضمن فئة الشباب. فالطلاب الحاليون هم الموظفون الجدد مستقبلاً، وستواجه بيئات العمل تحديات تتطلب مهارات التفكير النقدي السريعة والدقيقة، خاصة في المواقف التي قد لا يكون فيها الذكاء الاصطناعي مُتاحًا أو مناسبًا لحل المشكلة.
بناءً على هذه التحولات، قد يجد أصحاب العمل أنفسهم مضطرين لتعديل استراتيجيات التوظيف لضمان اختبار القدرة الحقيقية للأفراد على التفكير والإبداع بعيدًا عن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، مما سيشكل معيارًا جديدًا مستقبلاً للتوظيف الناجح.
