ما زال نقاش تقوية الوساطة الأسرية من خلال “إحداث هيئة مؤسساتية”، تُنظم بقانون وتُناط بها مهمة “الصلح والوساطة الأسرية”، حاضرا في الجِدال العمومي حول الموضوع، خصوصا بعدما أعاد عزيز رباح، القيادي السابق في حزب العدالة والتنمية ورئيس جمعية مبادرة “الوطن أولا ودائما”، إثارة هذه النقطة بحر الأسبوع، رغم “الأخذ والرد الذي تعرفه” مختلف المرجعيات بشأن هذه المسألة.
حركة التوحيد والإصلاح، بدورها، دعت، في مذكرتها، إلى اعتماد “مؤسسة مؤهلة يصدر قانون بتنظيمها وتكوينها، تناط بها مهمة الوساطة، تتكون من حكماء يحظون بحسن التقدير والاحترام والإنصات لقولهم، من ذوي الخبرة العلمية والتجربة”، وتتمثل مهمتها في “النظر في طلبات حل ميثاق الزوجية قبل عرضها على المحكمة”؛ لكن النقطة الخلافية تتعلق بمدى دفع المحافظين بـ”الجانب الأخلاقي والديني حصرا في تمثيلية الهيئة”.
“تصور عملي”
إدريس الكنبوري، باحث في الفكر الديني، اعتبر أن خلق إطار مؤسساتي رسمي للأسرة وفق التصور الذي تطرحه به التوحيد والإصلاح أو كما دعا إليه عبد العزيز رباح، القيادي السابق بحزب العدالة والتنمية، هو “تصور عملي، واقتراح جيد، بما أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لديها مرشدون ومرشدات ليقوموا بهذا الدور، أي أشخاص مؤهلون ولديهم تربية إسلامية يمكن أن يقدموا خدمات تحصن الأسرة وتحميها من الانزلاق”.
ولفت الكنبوري، إلى “اعتراف العديد من المحامين بتشجيع بعض موكليهم وتحريضهم على الطلاق، فقط للحصول على الملف وطرحه أمام القضاء بكل ما للأمر من بعد تخريبي”، مضيفا أن “القضاة بدورهم أحيانا يصطدمون بظرفية مزاجية، وبالوقت والضغط؛ وبالتالي يصعبُ عليهم القيام بدور الوساطة”، وزاد: “في السابق، كانت الوساطة العائلية هي الأكثر فعالية؛ لكن مع التحولات التي عرفتها الأسرة تغير الوضع”.
وأوضح المتحدث عينه أن “إحداث الهيئة مهم من الناحية المبدئية، رغم أنه من الناحية التنظيمية سيطرح إكراهات في التنزيل”، مستدركا: “رغم الصعوبة، فإن هذه الجهة يمكن أن تستعين بالمرشدين والمرشدات والأئمة في عين المكان، أي في القرى والبوادي والمداشر؛ لأن الخلافات تكون في كل مكان، وستنطلق في عملها من الأعراف المحلية وتتماشى مع الموارد المتوفرة للسلطات الدينية والرسمية”.
إقرأ ايضاً
“تفعيل الموجود”
سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، قالت إن “ما يتعين المطالبة به الآن هو تفعيل مجلس الأسرة والطفولة، الذي صدر القانون المتعلق به في الجريدة الرسمية منذ سنة 2016، والذي لم يخرج إلى حيز الوجود إلى غاية الآن”، مشيرة إلى “عدم جدوائية إحداث هيئة تمنح كلمة الفصل للفقهاء، خصوصا في الوساطة التي اتضحت دائما محدوديتها؛ لأن الفضاء الأسري حميمي وفي غاية التعقيد”.
ودعت موحيا، ، إلى الإسراع من أجل إخراج المجلس الاستشاري سالف الذكر، الذي تعد ضمن مهامه الرئيسية تتبع مدى ملاءمة التشريعات والبرامج الوطنية التي تتعلق بالأسرة مع التزامات المغرب الدولية كما صادق عليها، وتقديم الاقتراحات إلى الحكومة والبرلمان بهدف النهوض بوضعية الأسرة والطفولة”، مؤكدة أن “تكون متلائمة مع ما نص عليه الفصل 169 من دستور 2011”.
وينص الفصل المذكور على أن “المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المحدث بموجب الفصل 32 من هذا الدستور”، يتولى “مهام تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، المقدمة من قبل مختلف القطاعات، والهياكل والهيئات المختصة”.
وأكدت المتحدثة عينها أن “الوساطة القضائية أبانت عن فشلها من خلال النقص في الموارد البشرية. ولذلك، الأحرى أن تكون الوساطة من لدن متخصصين في المجال لا خلفية إيديولوجية لهم؛ من خلال الفصل بين جهة الحكم والجهة المكلفة بالوساطة، وإحداث محاكم خاصة بقضاء الأسرة”، مشيرة إلى “أهمية تكوين الأزواج في مبادئ التضامن والمساواة، وكيف يمكنهم الدخول لمؤسسة الزواج بتحدياتها”.

عذراً التعليقات مغلقة