في الوقت الذي صادقت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025، رسم تقرير مالي جديد صادر عن بنك الأعمال “BMCE Capital Global Research” صورة وردية حول النمو والتضخم ومؤشرات اقتصادية أخرى بالمغرب خلال السنة المقبلة.
التقرير سالف الذكر أكد استفادة المملكة من تخفيف التوترات النقدية على المستوى الدولي، سواء مع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (FED) أو البنك المركزي الأوروبي (BCE) اللذين اتخذا خطوات لخفض أسعار الفائدة؛ ما سيفتح آفاقا جديدة للاقتصاد العالمي، وينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني.
وأوضحت الوثيقة أن الجهود المبذولة خلال السنوات الأخيرة من أجل رفع أداء الاقتصاد الوطني قد تجد صدى أفضل في هذه البيئة الجديدة التي تتشكل، خصوصا مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ فيما اعتبر محللو بنك الأعمال BMCE Capital Global Research أن توقيع 22 اتفاقية بقيمة 106 مليارات درهم، في إطار شراكة استثنائية تجمع بين فرنسا والمغرب، يعد محفزا استثنائيا للنمو، خصوصا بعد اعتراف فرنسا بسيادة المملكة على الصحراء المغربية.
وأكد محللو بنك الأعمال المعروف أن “هذه الدينامية الجديدة تعزز توقعات بالانتعاش الاقتصادي خلال السنوات المقبلة، على ضوء الأحداث الرياضية الكبرى التي يعتزم المغرب تنظيمها؛ ما قد يعطي دفعة قوية للنمو الاقتصاد الذي يظل غير كافيا حاليا”، حسب المصدر ذاته.
وبخصوص وضعية المالية العمومية، أشارت الوثيقة إلى أن تنفيذ قانون المالية لسنة 2024 أظهر، حتى نهاية شتنبر الماضي، فائضا عاديا قدره 29.1 مليار درهم، مقابل 6.1 مليار قبل سنة، حيث يعود هذا التطور إلى عاملين رئيسيين؛ أولهما تحسن المداخيل العادية بنسبة 12.5 في المائة لتصل إلى 264.8 مليارات درهم، بزيادة قدرها 13.8 في المائة، إلى 231.1 مليار درهم للعائدات الضريبية، وزيادة بنسبة 4.1 في المائة، إلى 33.5 مليارات درهم للعائدات غير الضريبية؛ فيما ارتبط العامل الثاني بالنمو المحدود بـ2.8 في المائة في النفقات العادية، حيث بلغت 235.7 مليارات درهم، بسبب تقليص نفقات الدعم بنسبة -60.9 في المائة، إلى 8.1 مليار درهم. ولتغطية هذا العجز، لجأت الخزينة إلى المناقصات بمبلغ إجمالي قدره 58 مليار درهم (مقابل 37.6 مليارات درهم حتى نهاية شتنبر 2023).
تحديات النمو والتضخم
حسب تقرير BMCE Capital Global Research دائما، خفض صندوق النقد الدولي من توقعاته لنمو الاقتصاد الوطني، حيث حدده الآن عند 2.8 في المائة لسنة 2024 بعد أن كان توقعاته أعلى إلى 3.1 في المائة سابقا؛ ما يشير إلى حالة من التردد في بناء التوقعات، لتتماشى في النهاية مع تقديرات بنك المغرب، وكذلك مع سيناريو بنك الأعمال الرئيسي الذي يعتمد على نمو بنسبة 2.8 في المائة و2.6 في المائة خلال السنتين الجارية والمقبلة، على التوالي. أما بالنسبة إلى 2025، فتوقع صندوق النقد نموا بنسبة 3.6 في المائة، متراجعا عن تقدير سابق بلغ 3.2 في المائة؛ فيما أوضح التقرير بخصوص تطور الأسعا، أن البيانات الحديثة حول التضخم أظهرت استقرارا على أساس شهري خلال شتنبر الماضي، وارتفاعا بنسبة 0.8 في المائة على أساس سنوي (1.3 في المائة في نهاية غشت)، على أساس استمرار المسار التفاؤلي مستقبلا، من خلال نسبة تضخم متوقعة لا تتجاوز 2 في المائة، حسب مشروع قانون المالية لسنة 2025 (2.5 في المائة المتوقع من قبل البنك المركزي).
وأوضح محمد يازيدي شافعي، خبير في الاقتصادي التطبيقي، أن “التوقعات المراجعة للنمو لسنة 2025، والتي رفعت نسبة النمو المتوقعة إلى 3.6 في المائة بعد أن كانت تقدر سابقا بـ3.2 في المائة، تعطي بارقة أمل لاقتصاد المملكة، خصوصا في ظل جهود الحكومة لتحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل عبر مشروع القانون المالي الجديد”.
وأكد الخبير في الاقتصادي التطبيقي أن هذه الزيادة في التوقعات، رغم بساطتها، تعكس أن الاقتصاد الوطني يمكنه الاستفادة من بيئة نقدية دولية متراجعة التوتر، كما تشير إلى بعض التفاؤل بشأن تحسن القطاعات الاقتصادية الأخرى كالصناعة والسياحة.
وأضاف يازيدي شافعي: “فيما يخص التضخم، فإن استقرار الأسعار على أساس شهري في شتنبر وارتفاعها بنسبة 0.8 في المائة فقط على أساس سنوي يعد مؤشرا جيدا يظهر قدرة الاقتصاد على كبح التضخم، مع توقعات بقاء معدل التضخم حول نسبة 2 في المائة في 2025 حسب مشروع قانون المالية. هذا التحكم في التضخم، إلى جانب ارتفاع نسبة التضخم المتوقع من بنك المغرب إلى 2.5 في المائة، يمثل نقطة إيجابية أخرى تدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، ويمنح مجالا لمزيد من النمو الاقتصادي المعتدل على المدى المتوسط”.
وأكد المتحدث أن هذا الاستقرار النسبي في مؤشرات الأسعار سيعزز من القدرة الشرائية للمواطنين، ويقلل الضغط على الاستهلاك الداخلي؛ ما يمثل ركيزة أساسية لتحفيز الطلب المحلي.
وأضاف الخبير عينه: “مع أن هذه المؤشرات ليست كافية لتحقيق مستويات نمو أعلى بمفردها، فإنها قد تؤسس لمنصة اقتصادية أكثر استقرارا لرفع آفاق النمو في المستقبل، خاصة في حال استمرار التدفقات الاستثمارية الخارجية وتحسن الظروف المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الفلاحي”.
إقرأ ايضاً
معضلة تحفيز التشغيل
ركز تقرير بنك الأعمال، أيضا، على وضع سوق الشغل في المغرب؛ فقد أورد المحللون بخصوص ذلك: “في حين أن اقتصادنا أثبت مرونته، إلا أن أداءه الضعيف يرتبط بشكل كبير بسوء توجيه الإنتاج الفلاحي، الذي عانى على مدى السنوات الست الماضية من جفاف شديد؛ ما أثر سلبا على التشغيل، خاصة في المناطق القروية، رغم توفير 213 ألفا من المناصب الصافية خلال السنة الماضية (إثر فقدان 17 ألف منصب بالوسط القروي مقابل خلق 231 ألف منصب في المناطق الحضرية)”، مشيرين إلى أن معدل البطالة لا يزال مرتفعا، حيث بلغ 13.6 في المائة خلال الفصل الثالث من السنة الجارية.
وشدد المحللون في السياق ذاته على أن هذا الضغط على التشغيل، كما تبرزه الإحصائيات الأخيرة، يستدعي أكثر من أي وقت مضى مبادرات لدعم الاقتصاد؛ وهو ما تبنته مسودة قانون المالية لعام 2025، الذي منح أهمية كبيرة لهذا الجانب من خلال خطة عمل متعددة، همت خلق 29 ألف منصب في القطاع العام، وتقديم حوافز للتشغيل، خاصة من خلال تخفيف الأعباء الاجتماعية، وإصدار مراسيم تتعلق بالمقاولات الصغيرة والمتوسطة ضمن تفعيل ميثاق الاستثمار.
وفي تعليق على مضامين الوثيقة الصادرة عن BMCE Capital Global Research، أكد رشيد قصور، الخبير الاقتصادي المتخصص في المالية العمومية، ، أن سوق الشغل في المغرب تواجه تحديات كبيرة رغم مرونة الاقتصاد الوطني.
وأوضح قصور أنه “رغم ما أظهره الاقتصاد المغربي من مقاومة خلال الفترات الصعبة الماضية، فإن هناك تحديات هيكلية لا يمكن تجاوزها بسهولة، خصوصا فيما يتعلق بمعدل البطالة المرتفع، الذي بلغ 13.6 في المائة خلال الفصل الثالث من السنة الجارية. ويرتبط هذا الارتفاع بعوامل عديدة، يأتي في مقدمتها تأثير الجفاف المستمر على الإنتاج الفلاحي؛ وهو ما يؤدي إلى تراجع في فرص العمل المتاحة، خاصة في المناطق القروية التي تعتمد بشكل كبير على الفلاحة”.
وشدد الخبير الاقتصادي المتخصص في المالية العمومية على أن السياسات الفلاحية لم تتمكن، حتى الآن، من تحقيق توازن بين الإنتاج ومتطلبات سوق الشغل في القرى.
وفي السياق ذاته، أضاف المتحدث عينه أنه “خلال السنة الماضية، ورغم إحداث 213 ألف منصب شغل، فإن فقدان 17 ألف منصب في الوسط القروي يعكس هشاشة هذه المناطق أمام التغيرات المناخية؛ ما يضع ضغوطا على الدولة لتنفيذ سياسات متكاملة تجمع بين دعم القطاع الزراعي وبين تنويع مصادر الدخل للمناطق القروية”.
وسجل قصور أن مسودة قانون المالية لعام 2025، التي تضمنت خطة عمل لخلق 29 ألف منصب في القطاع العام وتقديم حوافز للتشغيل عبر تخفيف الأعباء الاجتماعية، تمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز فرص العمل.
وأوضح أن “توفير هذه المناصب ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، عبر إصدار مراسيم متعلقة بتفعيل ميثاق الاستثمار، قد يساهم في تخفيف العبء على سوق العمل، خاصة إذا أُدرجت سياسات تحفيزية تعزز فرص التشغيل المستدام”.
واعتبر في السياق ذاته أن “تحقيق التوازن بين دعم الاستثمارات وتوفير فرص شغل مستدامة يتطلب إعادة توجيه الجهود الحكومية نحو تعزيز القطاع الفلاحي وتوسيع قاعدته الإنتاجية، مع تحفيز القطاعات الناشئة في المناطق القروية”، مضيفا أن تطوير الاستثمارات يجب أن يشمل برامج تكوينية للشباب لضمان مواكبة حاجيات السوق من المهارات والقدرات التي تساهم في النمو الاقتصادي وتعزيز الشغل بشكل فعال ومستدام.