أطلقت الحكومة في فاتح يناير 2024 برنامج الدعم المباشر للسكن، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تحسين ظروف السكن للمواطنين، خصوصاً الفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط، وهو البرنامج الذي تستفيد بموجبه الأسر التي تسعى لاقتناء مساكن بقيمة تقل عن 300 ألف درهم من مساعدات مالية مباشرة تصل إلى 100 ألف درهم، و70 ألف درهم للمساكن التي تتراوح أسعارها بين 300 ألف و700 ألف درهم.
ورغم أن البرنامج لقي ترحيباً كبيراً، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع واجه عقبات كبيرة، أبرزها الاستغلال الممنهج من طرف “لوبي العقار” الذي يستولي بطرق ملتوية على مبالغ الدعم الحكومي، وهو ما دفع العديد من المغاربة للتعبير عن سخطهم ومطالبتهم للجهات المعنية بالتدخل العاجل.
استغلال الدعم الحكومي من قبل “لوبي العقار”
عبر العديد من المواطنين عن استيائهم من الارتفاع الممنهج الذي عرفته أسعار الشقق السكنية فور إطلاق برنامج الدعم المباشر، حيث لجأ بعض المنعشين العقاريين إلى رفع أسعار الشقق إلى مستويات تتجاوز بشكل غير مبرر قيمتها قبل إطلاق البرنامج، بهدف الاستفادة غير المباشرة من الدعم الحكومي، مما تسبب في تقليص الفائدة الحقيقية التي كان من المفترض أن يحصل عليها المواطنون، وحرم العديد منهم من القدرة على الحصول على سكن لائق بأسعار معقولة.
ولم تكن منصة “دعم السكن” (DAAM SAKANE)، التي تم إنشاؤها لتسهيل استفادة المواطنين من البرنامج عبر تسجيل ملفاتهم ومتابعتها إلكترونياً، كافية لحماية المواطنين من تجاوزات القطاع العقاري، فرغم أن البرنامج يهدف إلى تعزيز الطلب على العقارات ودفع عجلة القطاع الاقتصادي، فإن ممارسات رفع الأسعار جعلت الدعم الحكومي يتحول إلى مجرد “إعانة” للوبيات العقار بدلاً من أن يستفيد منه المواطن الحالم بتملك “قبر الحياة” بشكل مباشر.
مشكلة “النوار”: ابتزاز إضافي للمواطنين
إلى جانب رفع أسعار الشقق، واجه المواطنون أيضاً ظاهرة غير قانونية متمثلة في مطالبة بعض المنعشين العقاريين لهم بمبالغ إضافية غير مسجلة تعرف باسم “النوار”، وهي المبالغ التي تمثل فرقاً بين السعر الرسمي المسجل في عقود البيع والسعر الحقيقي المطلوب، وهو ما يضع العديد من المواطنين في موقف صعب، حيث يتوجب عليهم دفع مبالغ إضافية غير قانونية للحصول على شققهم.
ورغم أن الموثقين يلعبون دوراً هاماً في تأمين المعاملات العقارية وضمان نزاهة العمليات، إلا أن “النوار” يشكل عائقاً أمام تحقيق شفافية كاملة في سوق العقار، وهي الظاهرة التي تؤدي إلى فقدان الثقة بين المواطنين والمنعشين العقاريين، وتزيد من صعوبة الحصول على سكن بأسعار معقولة، رغم الدعم الذي تقدمه الدولة.
مطالب بالتدخل الحكومي لضمان نزاهة السوق
في ظل هذه التجاوزات، يطالب العديد من المواطنين بتدخل عاجل من الجهات الحكومية لضمان استقرار أسعار العقار ومنع أي استغلال للدعم الحكومي، عبر فرض رقابة صارمة على المنعشين العقاريين ووضع آليات شفافة لتحديد أسعار الشقق، مع تعزيز دور الموثقين في مراقبة الأسعار وضمان عدم وجود ممارسات غير قانونية كـ “النوار”.
كما يؤكدون بأنه يتعين على الحكومة تعزيز التواصل مع المواطنين من خلال منصة “دعم السكن” لضمان توعيتهم بحقوقهم وتضمينها بحيز يتيح إمكانية تقديم شكاوى في حال تعرضهم لأي استغلال، لتحقيق الهدف الأساسي من البرنامج الرامي لتمكين الفئات المستهدفة من الحصول على سكن لائق بدون أن يتعرضوا للاستغلال من قبل الفاعلين بالقطاع العقاري.
يذكر أن برنامج الدعم المباشر للسكن يمثل خطوة مهمة نحو تحسين ظروف السكن في المغرب، لكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب استغلال “لوبي العقار” وارتفاع أسعار الشقق بشكل غير مبرر، بالإضافة إلى ظاهرة “النوار” التي تزيد من معاناة المواطنين، غير أن الحلول تبقى رهينة تدخل حكومي حازم لضمان نزاهة السوق وحماية حقوق المواطنين المستفيدين من البرنامج، بما يضمن تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في توفير سكن لائق لجميع المغاربة وبأسعار معقولة.