في دراسة اقتصادية، هي الأولى من نوعها، أنجزتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكشفت نتائجُها في إطار برنامجها القُطري الثاني للمغرب الذي تم التأكيد على تمديده عبر ‘بروتوكول جديد’ وُقّع الأربعاء، أماط خبراء المنظمة الستار عن مجموعة من النقائص التي مازالت تعتري سوق التشغيل والعمل بالمملكة، فضلا عن التنبيه إلى “مخاطر تغيرات المناخ وتفاقم إجهاد المياه”.
ولم تُخف إشادة خبراء “OCDE” بـ”استقرار ومرونة النظام الماكرو اقتصادي المغربي، وتعافي النمو من آثار الجائحة وأزمة الطاقة بشكل قلّصَ هوة عجز الميزانية”، فضلا عن “إجراءات دعم وتحفيز الاستثمار”، جوانب سلبية تمثلت أبرزها، حسب خلاصات وتفاصيل الدراسة الكاملة، في “ارتفاع معدل بطالة الشباب المغاربة، واستمرار انخفاض نسبة الإناث النشيطات في سوق العمل”.
وفي التفاصيل أكدت المنظمة الاقتصادية، التي تضم في عضويتها بلدانا متقدمة، ضمن فصل خاص عنونته بـ”خلق/إحداث وظائف أكثر وأفضل”، أن “السكان الشباب في المغرب يمثلون أحدَ أبرز الأصول والثروات، لكن سوق العمل مازال حبيس ارتفاع معدل بطالة الشباب وانخفاض عمالة الإناث”، مسجلة في الإطار ذاته “تزايد تدفقات كبيرة للهجرة” من طرف هذه الفئة المجتمعية الشابة.
“غير المُهيكل أكبر المُشغِّلين”؟
لم تتوان الدراسة الاقتصادية ذاتها في تسجيل خلاصة “صادمة”، لكنها أضحت معروفة بين خبراء الاقتصاد؛ مفادها أن “القطاع غير المهيكل” مازال واحدا من أبرز “محرّكات التشغيل” بالمغرب.
“يؤدي انتشار القطاع غير المهيكل (أو غير الرسمي) على نطاق واسع في البلاد إلى انخفاض الأجور وتدني جودة الوظائف وضعف المهارات”، يورد الملخص التركيبي للدراسة، مؤكدا حسب النتائج التي توصلت إليها أن “الاقتصاد غير الرسمي يمثّل ما يقرُب من ثلثيْ الوظائف في بنية الاقتصاد المغربي، ما يجعله عاملًا مؤثرا على العديد من الأنشطة”.
وكشفت النتائج ذاتها، المعضّدة بالبيانات، أن “الزراعة والأنشطة الفلاحية” تتصدّر القطاعات المشغّلة بشكل غير مهيكل؛ “حيث تعمل حوالي 82 في المائة من النساء و46 في المائة من الرجال”، بينما “توجد هذه الظاهرة -أيضًا- وتجتاح قطاعات اقتصادية أخرى، هي البناء والأشغال العمومية والتجارة وخدمات الإصلاح”.
ووفقًا للدراسة فإن ارتفاع عدد المناصب والوظائف في الاقتصاد غير المهيكل يعيق المكاسب الإنتاجية للشركات المغربية، وقالت معلّقة: “ينعكس الاقتصاد غير الرسمي في استمرار انخفاض الإنتاجية وضعف جودة الوظائف، وفي الوقت نفسه يشكل مصدراً للمنافسة غير العادلة (أو غير المتكافئة) للشركات الرسمية”؛ كما لفتت إلى أن “الشركات الصغيرة هي الأكثر تضررًا”، منبهة إلى “أفضلية القطاع غير الرسمي بنسبة 20 إلى 40% على القطاع الرسمي عندما يتعلق الأمر بالمعاملات التجارية (في إطار التنافسية لنيل صفقات عمومية)”.
“خيارات” تجابه أزمة التشغيل
نظراً لحجم “الاقتصاد غير المنظَّم” فإن أضراره وشظايا مساوئه تطال، أيضا، “تعبئة الإيرادات الضريبية والنمو الإجمالي والدينامية التنافسية في القطاع الرسمي”؛ فيما ترى “منظمة التعاون الاقتصادي” أن على السلطات المغربية العمل المُلح عبر “خطة هجومية” لمجابهة تمدد الأنشطة غير المهيكلة.
وبينما توصي دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتقديم حوافز تضرب المثل بـ”أهمية تخفيف وخفض الضرائب واشتراكات الضمان الاجتماعي للشركات الصغيرة التي تصبح مُنظَّمة ومهيكَلة، وكذلك تعزيز آليات الرقابة والعقوبات الرادعة”.
وتقترح الدراسة “إمكانية أن يؤدي إدخال الحلول الرقمية، مثل الدفع/الأداء الإلكتروني والفواتير عبر الإنترنت، إلى تسهيل عملية الانتقال من خلال تقليل تكاليف الامتثال”، وفق تقديرها.
وفي الوقت نفسه “من الضروري تحسين فرص الحصول على القروض الائتمانية ودعم ريادة الأعمال لتشجيع العمّال والشركات على إضفاء الطابع الرسمي على أنشطتهم”، بحسب المصدر ذاته.
مستويات قياسية
في سياق متصل أشار تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن “أداء سوق العمل بالمغرب ترك الكثير مما هو مرغوب فيه خلال فترة الانتعاش”، شارحا أن “معدل مشاركة الإناث بقي منخفضاً بشكل استثنائي عند 19% عام 2023؛ أما معدل البطالة، الذي ارتفع خلال سنوات الجائحة، ليصل 13% عام 2023، فهو في أعلى مستوى له منذ عشرين عامًا”.
وبالأرقام كشف تشخيص المنظمة لوضعية التشغيل أن “معدل البطالة بين الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا) وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 35.8%”.
وترى OCDE أن “الجهود المبذولة لدمج الشباب في القوى العاملة أصبحت أكثر إلحاحاً وراهنيةً في مواجهة ارتفاع نسَبِ البطالة، فضلاً عن دعم النمو الاقتصادي (المستدام) على المدى الطويل”.
تعافي النمو وتقليص العجز.. أبرزُ الإيجابيات
أكدت المنظمة “تعافى النمو بالمغرب من أزمتيْ الجائحة وارتفاع تكاليف الطاقة، رغم زلزال الأطلس الكبير 2023 وتواتر الجفاف”، وسجلت “حسن استفادة المغرب من نظام ماكرو اقتصادي مستقر؛ كما أن هوّة العجز الميزانياتي آخذة في التقلص بعد الجائحة وأزمة الطاقة، إذ تبلغ نسبة الدين الحكومي (العمومي) حوالي 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”.
ورصد التقرير “شروع المغرب في إجراء إصلاحات كبيرة لتشجيع الاستثمار وتوسيع نطاق التأمين الصحي والحماية الاجتماعية، لكن هناك حاجة إلى مسار تقارُب أقوى لتحقيق الرؤية المتضمّنة في نموذج التنمية الجديد؛ فيما مازالت الفجوة في إنتاجية العمل في المغرب مع دول الجوار كبيرة، رغم أنها ضاقت”.
وحسب المصدر ذاته “كانت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر قوية، لكن الاستثمار الخاص المحلي مُنخفض، فيما تواجه الشركات المغربية عقبات في تحقيق أداء أفضل”.
أما طاقياً فقدّر خبراء المنظمة الدولية الرائدة أن “المغرب قطَع التزاماً طموحاً بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2010، والوصول إلى صفر بحلول عام 2050، مستفيداً من إمكانات توليد الطاقة المتجددة”، غير أنهم لم يغفلوا التنبيه إلى أن “البلد معرّض للتأثر بتغير المناخ ويواجه بالفعل إجهاداً مائياً كبيراً”.
ما باقي لا شغل لا عبو كلشي سيطر عليه الأقلية الفائدة من البحار حتى العقار