في خضم الإيقاع المتسارع للحياة اليومية، خصوصاً في المدن الكبرى، تحول تجميد الأطعمة إلى عادة شائعة بين العديد من المغاربة. فمن يسعى إلى توفير الوقت والجهد يجد في هذه الطريقة حلاً عمليًا يلائم احتياجاته اليومية. وتجذب هذه العادة بشكل خاص النساء العاملات والشباب الذين يعيشون بعيداً عن أسرهم، الذين غالباً ما يفضلون تحضير الأطعمة مسبقاً وتجميدها للاستفادة منها لاحقاً.
التجميد، بالنسبة للكثيرين، يعتبر بديلاً صحياً واقتصادياً مقارنة بتناول الطعام في الخارج. ولا يقتصر الأمر على تجميد الأطعمة المطهية مسبقاً فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تخزين الخضر والفواكه الموسمية لاستخدامها على مدار العام. ومع قدوم مناسبات خاصة مثل شهر رمضان الكريم، الذي يشهد تغييراً ملحوظاً في أنماط الاستهلاك، يصبح الإقبال على هذا السلوك أكبر.
لكن وسط انتشار هذه العادة، يبرز تساؤل مهم: هل يحتفظ الطعام المجمد بقيمته الغذائية وجودته؟ وفقاً لخبيرة التغذية أميمة نيا، فإن التجميد يمكن أن يكون خياراً صحياً ومفيداً بشرط الالتزام ببعض القواعد الأساسية، مثل الطريقة الصحيحة ومدة التخزين.
تنصح نيا بتجميد الأطعمة بكميات معقولة يمكن استهلاكها خلال فترة زمنية قصيرة، وذلك لتجنب التبذير وضمان الحصول على أكبر قيمة غذائية. وعلى الرغم من أن معظم الأطعمة قابلة للتجميد، إلا أن هناك استثناءات يُفضل تجنبها مثل مشتقات الحليب، الأجبان، واللحم المفروم نظرًا لحساسيته العالية وسرعة تكاثر البكتيريا فيه. كما يجب الحرص على تقليل مدة تخزين الأطعمة التي تحتوي على النشا، مثل المخبوزات، لتجنب تلف قوامها وتقليل قيمتها الغذائية.
أما الخضروات الورقية فتحتاج إلى تعامل خاص نظراً لأنها تفقد قوامها وتصبح رخوة بعد التجميد. ومع أن القيمة الغذائية للأطعمة لا تُفقد بالكامل بفعل التجميد، إلا أنها قد تنخفض بمعدل يتراوح بين 15 و20%. بالنسبة إلى اللحوم، يمكن تخزينها بشكل آمن لمدة تصل إلى ثمانية أشهر إذا تم تجميدها بالطريقة الصحيحة. وبالنسبة للأسماك الدهنية، يُفضل استهلاكها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
من جهة أخرى، تؤكد نيا أن الفاكهة والخضروات الموسمية تبقى الأفضل عند استهلاكها طازجة خلال فصلها لأنها تكون أكثر ملاءمة لاحتياجات الجسم الغذائية في تلك الفترة. ومع ذلك، يمكن تخزين بعضها في المجمد لفترة تتراوح بين ثمانية أشهر وسنة.
إقرأ ايضاً
وبالنسبة لنجاح عملية التجميد والحفاظ على جودة وسلامة الأطعمة المجمدة، تُبرز الخبيرة أهمية استخدام أكياس صحية محكمة الإغلاق لتجنب دخول الهواء والرطوبة التي تسبب الأكسدة وتقلل من القيمة الغذائية. تُنصح أيضاً بتنظيم الأطعمة بطريقة تسهّل توزيع البرودة بشكل متساوٍ داخل المجمد وتدوين تاريخ التجميد لتجنب إبقاء الأطعمة لفترة أطول من اللازم.
ومن الأخطاء الشائعة التي ينبغي تجنبها إعادة تجميد الطعام بعد إخراجه وذوبانه بالكامل، لأن ذلك يزيد من خطر التسمم الغذائي. إذا لم يتم استهلاك المادة بعد الذوبان، يمكن طهيها قبل إعادتها للتخزين.
أخيراً، توضح نيا أنه يمكن الاعتماد على طرق بديلة مثل التخليل لحفظ بعض أنواع الخضروات دون الحاجة إلى التجميد. هذه الطريقة تساعد ليس فقط في الحفاظ على القيمة الغذائية للمواد الغذائية بل تضيف فوائد إضافية عبر البكتيريا النافعة الناتجة عن عملية التخليل التي تعزز صحة الأمعاء وتسهل عملية الهضم.
في النهاية، أصبح تجميد الأطعمة حلاً مريحاً وفعالاً يتماشى مع وتيرة الحياة المتسارعة. ومع ذلك، يظل نجاح هذه الطريقة مرهوناً باتباع تعليمات المختصين واحترام قواعد التجميد الصحيحة لضمان تحقيق التوازن بين توفير الوقت والحفاظ على جودة الغذاء وسلامته.
