محاولات متكررة تقوم بها الجزائر من أجل التشويش على المكتسبات المغربية في قضية الصحراء، ويراها الكثير تذهب إلى حد البحث عن جر المملكة إلى حرب إقليمية.
وكانت آخر هذه المحاولات ما عاشته منطقة المحبس يوم أمس السبت، حينما تم إطلاق مقذوفات من قبل مليشيات “البوليساريو” على مهرجان احتفالي بذكرى المسيرة الخضراء.
محاولة للتشويش
قال إدريس لكريني، الخبير في العلاقات الدولية، إن “ما حدث بالمحبس هو تعبير واضح عن حجم الانزعاج الذي أصاب الخصوم، وخصوصا جبهة “البوليساريو” ومن يدعمها، في ظل المكتسبات التي تحققت بصدد قضية الصحراء المغربية، بعد الاعتراف الفرنسي الأخير، وما سبقه من تأييد إسباني واعتراف أمريكي، إلى المستجدات التي حملها قرار مجلس الأمن الأخير بصدد استثمار الدينامية التي تحققت في هذا السياق لإرساء حل مستدام وواقع”.
وأضاف لكريني، إن “ما جرى هو محاولة للتشويش على كل هذه المكتسبات، وسعيا إلى العودة إلى الواجهة عبر أسلوب يعكس الهروب إلى الأمام والرغبة في خلط الأوراق”.
وأفاد الخبير في العلاقات الدولية بأن “هذا السلوك يعكس حجم الارتباك والإفلاس الذي أصبح واضحا في خطاب الخصوم، ويشير إلى العزلة الدولية والإقليمية التي أصبحت تعاني منها التوجهات الانفصالية”.
وأكد المتحدث ذاته أن “هذا التوجه يعد تعبيرا عن المراهنة على أسلوب إدارة الأزمات أو افتعالها كوسيلة للعودة إلى الواجهة؛ لتظهر جبهة “البوليساريو” أنها حاضرة، وإن كان ذلك عبر سلوكيات منحرفة تسيء إليها أكثر مما تخدمها”.
ونبّه لكريني إلى أن “محاولات جبهة “البوليساريو” ومن يدعمها للعودة إلى الواجهة بهذه الطريقة تتناقض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، التي تدعو إلى احترام وقف إطلاق النار والسعي إلى حلول سلمية وواقعية لإنهاء هذا النزاع المفتعل”.
وخلص الخبير المغربي إلى القول إن “هذه السلوكيات الاستفزازية المتكررة لا يمكنها أن تؤثر في عزم المغرب على المضي قدما باتجاه استثمار الدينامية التي شهدتها قضية الصحراء المغربية بمواصلة جهود التنمية بهذه الأقاليم من خلال مشاريع كبرى، وتعزيز الممارسة الديمقراطية في إطار الخيار الجهوي الذي انتهجه المغرب، والذي يمكّن السكان من تدبير شؤونهم بصورة ديمقراطية واستثمار الإمكانيات المتاحة لهم لخدمة المنطقة وسكانها”.
وقال لكريني إن “المغرب عبّر باستمرار عن تمسكه بالخيارات السلمية والسياسية في هذا الصدد”، مشيرا إلى أنه “مستعد للجوء إلى أي خيارات قاسية أخرى قد تفرضها متطلبات الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة انسجاما مع قواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وفي هذا الصدد، ذكّر الخبير في العلاقات الدولية بـ”تدخل القوات المسلحة الملكية بصورة مسؤولة ودفاعية لإعادة الأمور إلى نصابها، بعد محاولات “البوليساريو” قطع الطريق في معبر الكركرات”.
محاولات متكررة
قال أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية ومتخصص في ملف الصحراء المغربية، إن “العدوان، الذي شنته الجزائر خلال الأيام الأخيرة على منطقة المحبس، يدخل ضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات العسكرية على المغرب خلال السنوات الأخيرة؛ ومنها احتلال واحة العرجا قرب فكيك، وقتل شبان مغاربة على شاطئ السعيدية، وكذا الاستفزازات اليومية على طول الحدود المغربية من السعيدية إلى تندوف، مرورا بالقصف الذي يطلق على مواقع الجدار الأمني في الصحراء”.
وأضاف نور الدين، ضمن تصريح، أن هذه الأحداث تنضاف إلى “طوفان العدوان الدبلوماسي والمعارك اليومية في المنظمات الدولية والبرلمانات القارية والمحاكم الدولية، وابتزاز الدول التي تدعم المغرب بسحب السفراء أو مقاطعتها اقتصاديا إن استطاعت إلى ذلك سبيلا”.
إقرأ ايضاً
وتحدث الخبير، أيضا، عن ما سماه “العدوان الإعلامي والتصريحات الهجومية للرئيس الجزائري خطاباته الرسمية وتصريحاته، وتهجم كل القيادات السياسية والعسكرية الجزائرية بدون استثناء، والمعارك الأخرى التي شملت الاعتداء الجسدي والنفسي على الرياضيين المغاربة في وهران والجزائر وقسنطينة، والحروب التي تستهدف قرصنة التراث المغربي المادي واللامادي، وحملات التشهير بالرموز الوطنية المغربية، وغيرها من جبهات الحرب العدوانية التي تشنها الجزائر ضد المغرب منذ سنوات”.
واعتبر نور الدين أنه “وقعت نقلة كمية ونوعية في منسوب العدوان والكراهية، وتضاعفت ميزانية الجيش الجزائري لتنتقل من عشرة مليارات دولار كمتوسط سنوي خلال العشرين سنة الماضية، ليصل إلى 21 مليار دولار سنة 2024، ثم 25 مليار دولار سنة 2025، وهي بلا أدنى شك ميزانية للحرب وليست ميزانية للدفاع، خاصة حينما نعلم أنها تمثل ثلث موازنة الدولة الجزائرية كلها، في بلد يعاني فيه المجتمع من تدهور البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية؛ بل ويقف فيه الناس في طوابير للحصول على مواد غذائية أساسية كالحليب والزيت والعدس، أو للحصول على عجلات لسياراتهم”.
مؤشرات خطيرة
سجل نور الدين أن الأمر يتعلق بـ”مؤشرات خطيرة وتنذر بخطر وشيك لاندلاع الحرب”، مشيرا إلى أن “كل هذه المعطيات تفرض علينا أخذ هذه التهديدات الجزائرية بأقصى درجات من الجدية، فمن أراد السلام عليه أن يستعد للحرب كما تقول الحكمة المعروفة؛ ولكن إذا كانت الحرب ضرورة لا مفر منها فعلينا أن نختار التوقيت والمكان المناسبين، وعلينا ألا ننساق وراء التوقيت والمكان اللذين يختارهما العدو، فاختيار المكان والزمان هو نصف الانتصار في المعارك كما يقول صان تزو، حكيم الصين وأشهر منظر للحرب منذ 2500 عام”.
وأضاف الخبير المغربي قائلا: “وإذا كانت الجزائر تخوض ضدنا حربا حقيقية بالسلاح منذ نصف قرن وبشكل مباشر مثل ما وقع في معركتي أمغالا واحد وامغالا اثنين سنة 1976، وبشكل غير مباشر بواسطة ميليشيات البوليساريو، فإن لنا ألف أسلوب وألف طريقة لرد العدوان، ولدينا ألف ميدان وساحة لخوض الحرب بأشكال مختلفة قبل الدخول في مواجهة مباشرة”.
وأردف خبير في العلاقات الدولية ومتخصص في ملف الصحراء المغربية: “أعتقد جازما أننا كمغاربة في موقف أخلاقي، يسمح لنا اليوم باستعمال كل الوسائل لإضعاف العدو وإلحاق الخسائر الفادحة في صفوفه دون أي وخز للضمير، فالمغرب التزم بموقف دفاعي عن أرضه رغم كل الاعتداءات، والجزائر واصلت عدوانها طيلة نصف قرن”.
وأكد أحمد نور الدين أن “المغرب طالب مرارا وتكرارا وعلى لسان أعلى سلطة في الدولة وهو الملك بالصلح، ودعا في خطابات ملكية رسمية سَمعها العالم كله إلى إحداث آلية مشتركة بين البلدين لحل كل المشاكل العالقة. في المقابل، أعلنت الجزائر رفضها لكل المبادرات الملكية والعربية والدولية للوساطة، ورفضت إدراج المصالحة بين البلدين في جدول أعمال القمة العربية المنعقدة في الجزائر سنة 2022، ورفضت وساطات رؤساء دول عربية وإفريقية وحتى أوروبية”.
وذكر نور الدين أنه كرد من الجزائر على دعوات المصالحة الملكية قررت قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب، أغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران المدني المغربي؛ بما في ذلك طائرات حجاج بيت الله الحرام المتوجهين إلى مكة المكرمة، “وهي خطوة لا تقوم بها الدول إلا في حالة الحرب” أكد المتحدث.
وسجل الخبير في العلاقات الدولية ومتخصص في ملف الصحراء المغربية أن “انطلاق الحرب يمكن أن يكون بقرار أهوج غير محسوب؛ ولكن نتائجها لا يمكن التحكم فيها نهائيا، لأن معادلة الحرب تتحكم فيها متغيرات يصعب حتى على المتخصصين أن يحصروا قائمتها”.
وعلق قائلا: “الحال أن الجزائر بأكملها دولة مختطفة من قبل العسكر، كما قال فرحات عباس أول رئيس للحكومة المؤقتة الجزائرية، ويتحكم الجنرالات في قرار الجزائر منذ انقلاب 1965 إلى اليوم. لذلك، يمكن أن نتوقع من الجزائر كل شيء؛ بما في ذلك شن حرب إقليمية دون سابق إنذار”.
وتحدث نور الدين عن كون “الجزائر تعيش على وقع أزمة اقتصادية خانقة وهيكلية تنذر بانهيار وشيك لاقتصاد قائم على ريع النفط والغاز، وتصاعد ميزانية الجيش الجزائري تعمق هذه الأزمة وتضعف الدولة وتسير بها إلى نفس مصير الاتحاد السوفييتي الذي انهار لأسباب عديدة؛ منها هيمنة ميزانية الجيش الأحمر على موازنة الدولة”، معلقا: “علينا نحن المغاربة أن نعمق توجه الجزائر نحو تسلحها الجنوني، مع الحرص على أن نتجنب ما استطعنا الدخول في حرب مباشرة؛ لأن تغول ميزانية الجيش الجزائري كفيلة لوحدها بإسقاط العدو وقتل الأفعى بسمها”.
وتابع: “لكن في الوقت نفسه يجب أن نرفع درجة اليقظة إلى المستوى الأحمر، وأن نواصل الاستعداد للخيار الأسوأ، وإذا فرضت علينا هذه الحرب فستكون مناسبة لتصحيح مجرى التاريخ واسترجاع مليون ونصف المليون كيلومتر مربع من أراضي المغرب التاريخية في الصحراء الشرقية”.