الجزائر تسبق المغرب الى هذا البلد العربي الكبير؟

9 فبراير 2025آخر تحديث :
الجزائر تسبق المغرب الى هذا البلد العربي الكبير؟

لطالما كان النظام العسكري الجزائري، يرفع شعار دعم الأنظمة “الديكتاتورية الاشتراكية” في العالم العربي، متجاهلا تماما أصوات الشعوب وطموحاتها في التغيير والتحرر. لكن ما حدث مؤخرا في العلاقات الجزائرية-السورية من تحولات مفاجئة، يكشف عن نفاق سياسي بامتياز، ويبرز صورة نظام يفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، ويعتمد على التلاعب بالمواقف خدمة لأجندات قصيرة النظر.
في الماضي القريب، كانت الجزائر واحدة من أقوى حلفاء نظام بشار الأسد في سوريا، حيث قدمت دعما قويا للنظام السوري خلال سنوات الحرب الأهلية المدمرة. لم يكن دعم الجزائر لسوريا سريا او صوريا، بل كان مبدئيا، فقد اعتبرت الجزائر أن النظام السوري هو “آخر حائط صد” أمام ما سمته “الفوضى” التي قد تأتي نتيجة الثورات العربية. لم تتوان الجزائر عن تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للأسد، بل واعتبرت أن ما يحدث في سوريا ليس أكثر من مؤامرة ضد “الشرعية”، واستنكرت الثورة السورية بشدة، وصنفت الثوار السوريين كإرهابيين يجب “سحقهم”، داعية على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة في وقت سابق، إلى التنسيق لمساعدة النظام السوري، مضيفا بالقول:”نشعر بالقلق إزاء التصعيد الأخير المتمثل بالهجوم الذي نفذه تنظيم هيئة تحرير الشام في حلب، وهذا يؤكد ضرورة تنسيق الجهود لمواجهة هذا التنظيم والقضاء عليه”.

كما سبق لوزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن أجرى مكالمة هاتفية مع بسام صباغ، وزير الخارجية السوري في نظام بشار الأسد، مؤكدا له موقف الجزائر الثابت والمطلق مع سوريا في مواجهة ما أسماها التهديدات الإرهابية، في إشارة إلى فصائل المعارضة السورية بقيادة الرئيس الحالي، أحمد الشرع.
والأكثر من ذلك، شاركت الجزائر في قمع الثورة السورية، حيث سبق وأعلن الجيش السوري مقتل أول جزائري كان يحارب في صفوف بشار الأسد، ضمن من يوصفون بـ”رجال المقاومة”، التي تصطف إلى جانب القوات النظامية في سوريا في حربها ضد فصائل المعارضة.
لكن فجأة، وفي تحول لا يخلو من التناقضات الفاضحة، نجد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، يحط رحاله في دمشق، ويجلس جنبا إلى جنب مع الرئيس السوري الجديد أحمد حسين الشرع في مشهد يثير الكثير من التساؤلات حول هذه التحولات العميقة في المواقف. ماذا حدث بالضبط؟ وهل يمكن أن نصدق هذه “الطفرة الدبلوماسية” الجزائرية المفاجئة؟

في الماضي القريب، كان النظام الجزائري يصف القادة السوريين الحاليين بـ”الإرهابيين”، ويمتنع عن الاعتراف بأي شرعية لحكومة أو نظام قد يخلف بشار الأسد. فكيف نفسر زيارة وزير الخارجية الجزائري الذي كان في يوم من الأيام يهاجم بشدة النظام السوري الحالي؟ هل أصبح عطاف اليوم من أكبر المدافعين عن “الشرعية” السورية التي كان يصفها بالأمس بأنها “نظام دموي”؟ بالطبع، هذه التحولات لا يمكن أن تكون مجرد صدفة.
الواضح من هذه الزيارة هو أن النظام الجزائري الذي طالما حاول تقديم نفسه كأحد المدافعين عن “الانظمة الاستبدادية”، يجد نفسه اليوم في وضعية غير مريحة، حيث ينقلب على موقفه السابق بشكل دراماتيكي. يبدو أن الجزائر قد استفاقت على حقيقة أن دعم نظام الأسد أصبح متناقضا مع مصالحها الخاصة في المنطقة. فمع تنامي العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وسوريا، وتزايد الحديث عن إمكانية الاعتراف بمغربية الصحراء، أصبح من الواضح أن الجزائر قد غيرت موقفها، محاولة اللحاق بالركب فقط بهدف صد سوريا عن موقف يعزز تقربها من المغرب، بعد أن فقدت الجزائر كل حلفائها وأصبحت معزولة اقليميا ودوليا.

إقرأ ايضاً

زيارة أحمد عطاف إلى دمشق هي إذن مجرد عملية “تكتيكية” فاشلة لمصالحة الذات السياسية، ومحاولة مكشوفة لإعادة بناء علاقات مع دمشق بعد سنوات من العداء المعلن. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حقا يستطيع النظام الجزائري أن يُصدق في دعمه للنظام السوري بعد أن كان جزءا من الهجوم عليه في الماضي؟ الإجابة هي لا، فالنفاق هو العنوان العريض لهذه التحولات المفاجئة.
إن التناقضات الجزائرية واضحة للعيان. ففي الوقت الذي يرفع فيه وزير الخارجية الجزائري شعار “التضامن مع سوريا”، فإنه يتجاهل بشكل كامل ما فعله نظامه في الماضي القريب من دعم للثوار السوريين الذين اعتبرهم “إرهابيين”. ما نراه اليوم هو مجرد عملية إعادة تموضع تكتيكية، لا أكثر ولا أقل. والأنكى من ذلك، أن الجزائر تحاول في نفس الوقت أن تكسب ود الدول الغربية من خلال إظهار “مرونة” في مواقفها، وهو أمر يفضح بشكل صارخ نفاق هذا النظام الذي لا يتقن إلا الرقص على الحبال.
وبينما يُستقبل أحمد عطاف في سوريا كما لو أنه عاد إلى “حضن الوطن”، فإن الحقيقة تبقى واضحة: هذا النظام الذي يدعي النضج الدبلوماسي لا يمتلك سوى سياسة تناقضات عميقة، قائمة على المصالح الشخصية والتهرب من الواقع. زيارة عطاف إلى سوريا هي تجسيد واضح لهذا النفاق، وهذا التلاعب الذي لا يمكن تبريره إلا باعتباره مجرد مسرحية سياسية رخيصة تحاول إرضاء جميع الأطراف، دون أي مبادئ ثابتة أو استراتيجية متماسكة.

والأكيد أن الشعب السوري لا ينسى جرائم النظام العسكري الجزائري في حق أبنائه وثورته، وهو ما عبر عنه كثيرون على منصات التواصل الاجتماعي، معتبرين أن زيارة عطاف لدمشق لا تعدو أن تكون محاولة يائسة للرد على تهنئة الملك محمد السادس لأحمد الشرع بصفته رئيسا جديدا لسوريا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق