ينطلق خلال الأسابيع المقبلة الموسم الفلاحي الجديد، الذي يعلق الفلاحون ومُدبّرو الشأن العام وعامة المستهلكين الكثير من الآمال عليه، متمنين أن يكون وفير الزرع والغلة، ومساهما في الحفاظ على استقرار الأثمان على مستوى الأسواق في ما يتعلق بعدد من التشكيلات، سواء من الخضراوات أو الفواكه.
ولا ينكر كثيرون من الخبراء في الشأن الفلاحي، وحتى المسؤولين الوصيين على الفلاحة الوطنية، وجود إشكال مركزي يتعلق بتراجع المساحات المزروعة بشكل متواصل، إذ يقلص الفلاحون كل سنة من المساحات التي يزرعونها، بما لا يفيد في نهاية المطاف الأمن الغذائي المغربي.
وأشارت الوزارة الوصية على القطاع في وقت سابق من هذه السنة إلى أن مساحة الزراعات الخريفية والشتوية للموسم الفلاحي الأخير بلغت حوالي 2,5 مليون هكتار، مقابل 4 ملايين هكتار في السنوات العادية، بما يصل إلى 30 في المائة كنسبة تراجع؛ الأمر الذي أفضى بشكل أو بآخر إلى تراجع الإنتاج النهائي من الحبوب بواقع 43 في المائة مقارنة مع الموسم السابق له.
ويبدو بذلك أن هذا المشكل من الممكن أن يستمر خلال الموسم الجديد، بالموازاة مع توالي سنوات الجفاف وتراجع الفرشة المائية بعدد من المناطق، في حين وعدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بمواصلة دعم الحبوب المعتمدة بحوالي 40 في المائة، ودعم شتائل الطماطم والبطاطس والبصل، وتزويد السوق الوطنية بحوالي 650 ألف طن من الأسمدة الفوسفاتية، وتوفير 5 ملايين قنطار من الأسمدة الآزوتية مُدعمة بنسبة تتراوح ما بين 40 و45 في المائة.
إشكال جوهري
متحدثا عن الموضوع أكد رياض أوحتيتا، خبير ومستشار فلاحي، أن “الفلاح المغربي لم يعد بطبيعة الحال قادرا على الحفاظ على الإنتاجية نفسها، وعلى المساحات المزروعة نفسها، وهذه إشكالية حقيقية، إذ إن الفلاح الذي كان مثلا يزرع 20 هكتارا لن يتجاوز بفعل مجموعة من العوامل 15 هكتارا، ما يعني نسبة مهمة يمثلها التراجع”.
وقال أوحتيتا إن “حس المغامرة لم يعد كما كان لدى الفلاح المغربي، إذ صار يتريث قبل المغامرة بزرع مساحات وافرة من الأراضي الزراعية، بالموازاة مع ارتفاع أسعار عدد من المواد الأولية، بما فيها المحروقات، إلى جانب تداعيات الجفاف بطبيعة الحال الذي يساهم بدوره بنسبة معينة”، مشيرا إلى أن “تقلص المساحات المزروعة أثر سلبا على المحصول النهائي من الحبوب خلال آخر موسم فلاحي”.
وذكر المتحدث ذاته أن “الفلاحين المغاربة يجب أن يتم تمتيعهم بعدد من الميزات التي يمكن أن تمنحها لهم البطاقة المهنية، بما فيها أثمان تفضيلية تخص عددا من المواد الأولية، خصوصا المحروقات التي تستخدم بشكل كبير من لدن الآليات الفلاحية”.
وأكد أوحتيتا على “أهمية أي إجراء يخص دعم الأسمدة الفوسفاتية والأسمدة الآزوتية، بالموازاة مع اختيار عدد من الفلاحين التراجع عن توفير استثمارات جديدة في أراضيهم الزراعية، إذ إن مشاريع وبرامج وطنية لم تستطع إقناعهم بشكل كبير، لكونهم يرون أن المحافظة على المساحات المزروعة نفسها يبقى بمثابة مغامرة في نهاية المطاف، بالنظر إلى وجود عدد من الإكراهات التي يواجهها الفلاح”.
أشبهُ بمغامرة
أوضح محمد الإبراهيمي، مستثمر فلاحي بجهة الدار البيضاء سطات، أن “الفلاحين فعليا يتراجعون كل سنة عن زراعة المساحات الزراعية نفسها التي كانوا يزرعونها، وذلك راجع إلى عدد من العوامل، بما فيها قسوة المناخ وعدم توفر عدد من الشروط الموضوعية المتعلقة بتدبير القطاع”.
وأورد الإبراهيمي : “كفاعلين في المجال نرى أن الحفاظ على المساحات نفسها التي زرعناها السنة الماضية تحد يصعب ربحه، وبالتالي سيكون هناك بالفعل جنوح نحو التخلي عن بعض المساحات الزراعية هذه السنة كذلك”، مبيّناً أن “هناك من تخلى من الفلاحين عن كراء أراض عامة قصد زراعتها كما كان المعمول به سابقا”.
كما قال المتحدث ذاته: “كمهنيين لا يمكننا الاستمرار في شراء المحروقات بأثمان السوق، فنحن بحاجة إلى أثمان مهنية تساعدنا على مواجهة صعوبات الإنتاج وإعادة الإنتاج”، وزاد: “لا يمكن أن ننكر عددا من التدابير التي تقوم بها الدولة، بما فيها دعم البذور والأدوية”.
وذكر المستثمر الفلاحي بجهة الدار البيضاء سطات أن “الفلاحين وسط البلاد مثلا لا يتحمسون لمباشرة الزرع حتى تسجل تساقطات مطرية مهمة في شهر أكتوبر، في حين أن الفلاحين بمناطق الغرب واللوكوس يقومون بالزرع بداية الموسم الفلاحي دون انتظار التساقطات، لكون مناطق نشاطهم مازالت تتوفر على فرشة مائية معتبرة”.
وجوابا عن سؤال حول ما يتوجب فعله من قبل الجهات الوصية من أجل إيقاف تراجع المساحات المزروعة ذكر الإبراهيمي أن “الموضوع متشعب ومعقد، يتداخل فيه الطبيعي بالموضوعي، إذ نجد كذلك فلاحين غير محصيين ومساحات مزروعة غير مُحفظة ولا يتوفر أصحابها على وثائق الملكية الخاصة بها”.