لا يخفي البشير، ثلاثيني مغربي ببشرة سوداء، امتعاضه من تعامل محيطه الاجتماعي معه بسبب لون جلده، وخصوصا نعته ببعض الألقاب التي يراها سلبية وقدحية، فضلا عن صعوبة عثوره على وظيفة تناسب مؤهلاته الدراسية العليا.
ما يشكو منه البشير ليس إلا مثالا صغيرا لما يكابده آلاف الأشخاص من ذوي البشرة السوداء في المغرب وباقي الدول المغاربية أيضا، من “تمييز” يقف حجر عثرة أمام اندماجهم في الحياة العامة، وتوليهم مناصب ووظائف مرموقة، لاسيما المناصب السياسية.
نعوت قدحية
يقول الشاب المغربي البشير، إنه كثيرا ما يجد نفسه في مواقف ترتبط ارتباطا واضحا بلون بشرته السوداء، حتى إن الكثيرين يظنونه مهاجرا قادما من إحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء والساحل، ويتعاملون معه على ذلك الأساس.
يتبرم البشير من بعض النعوت التي يسمعها تطلق عليه بقصد أو عن غير قصد، لكنها تترك في نفسه ندوبا سيئة، رغم أنه تعود عليها بمرور الزمن، مثل وصفه بـ”عزي” أو “الضراوي” أو “مو نامي” أي “صديقي” باللغة الفرنسية، وهي عبارة التصقت بالمهاجرين الأفارقة الذين يعيشون في المغرب في انتظار فرصة للهجرة صوب الضفة الأوروبية.
الشاب الثلاثيني ذاته كشف كيف أنه وجد بسبب لون بشرته السوداء “صعوبات جمة في العمل في عدة وظائف، مثل العمل في القطاع البنكي وفي مؤسسات أخرى”، رغم شهادته الجامعية العليا.
ما ذكره هذا الشاب المغربي يتشابه إلى حد بعيد مع واقع ذوي البشرة نفسها في بلدان مغاربية أخرى، مثل الجزائر وتونس وليبيا، وهو الواقع الذي أكده في يونيو 2022 تقرير سابق للمجموعة الدولية لحقوق الأقليات، رصد معاناة هذه الفئة من الناس من صعوبات وتمييز تعرقل اندماجهم في الحياة العامة، والحصول على المناصب والوظائف.
تمييز مغاربي
رغم غياب إحصائيات رسمية بشأن عدد الأشخاص ذوي البشرة السوداء في الدول المغاربية فإن المجموعة الدولية لحقوق الأقليات قدرت عددهم بـ15 في المائة من ساكنة تونس، و30 في المائة من مجموع سكان المغرب والجزائر، وثلث سكان ليبيا.
التقرير الدولي ذاته سبق أن نبه إلى أن ذوي البشرة السوداء في الدول المغاربية لا يصلون إلى المناصب السياسية والحكومية، ولا يظهرون إلا قليلا في وسائل الإعلام الرسمية، وعددهم قليل في مهن وقطاعات حيوية مثل القضاء والطب.
وفي موريتانيا يعيش “الحراطين” ببشرتهم السوداء ظروفا اجتماعية صعبة في مهن شاقة في المناطق النائية، بينما في الجزائر يعاني ذوو البشرة السوداء من التمييز في المناصب والنقاشات حول إرساء الديمقراطية، وفق ما ورد في دراسة أمريكية بعنوان “تهميش وإقصاء السود في الجزائر”. كما أن ذوي البشرة التونسيين بدورهم بعيدون تماما عن تولي أي مناصب سياسية أو مناصب في السلطة.
جذور تاريخية
يعلق الباحث السوسيولوجي محمد شقير على الموضوع بقوله إن “التمييز الذي يطال ذوي البشرة السوداء، ولا يصل إلى العنصرية التي عرفتها وتعرفها بعض الدول الغربية، وأيضا الولايات المتحدة، يرجع بالأساس إلى الظروف التاريخية التي اتسمت باستقدام العبيد ذوي البشرة السوداء من غرب إفريقيا خاصة، أو ما كانت تسمى بلاد السودان”.
وأوضح شقير، أنه بالنسبة للمغرب تم استجلاب العبيد، خاصة في عهد السلطان السعدي المنصور الذهبي، من مالي والنيجر وغيرها، ليتم بعد ذلك تجنيدهم في ما سمي جيش البخاري الذي أسسه السلطان مولاي إسماعيل، وكذا ضمن خدم القصور؛ في حين كان التجار يشترون العبيد للخدمة في المنازل و”الرياضات”، وكذا من أجل التسري، حيث كان يتم إلحاق أبنائهم بأبناء رب المنزل أو سيد البيت، خاصة في كل من فاس ومراكش.
ولفت الباحث ذاته إلى أن هذه النظرة التي مازالت تلاحق بعض ذوي البشرة السوداء مرتبطة بمخلفات هذه الظروف التاريخية التي تظهر من خلال بعض النعوت، مثل “عزي” أو “الحرطاني” وغيرهما من النعوت.
إعلام وسياسة
يستدرك شقير بأن هذه الجذور التاريخية والاجتماعية المعقدة لا تمنع من اندماج هذه الشريحة في المجتمع بشكل كلي، بما في ذلك التزاوج أو العمل، لكن الأمر لا يشمل وسائل الإعلام المرئية التي غالبا ما لا يظهر فيها مقدمون أو مذيعون أو معدو برامج من البشرة السوداء.
وسجل الباحث ذاته أن “هناك مجهودا لمواجهة هذا الإقصاء والتمييز ضد ذوي البشرة السوداء في وسائل الإعلام المرئية، وذلك في سياق انفتاح المغرب على عمقه الإفريقي”، مستدلا بمثال “قناة ميدي 1 تي في”.
أما بخصوص المناصب السياسية فيؤكد المتحدث ذاته أنها مازالت بعيدة المنال عن ذوي البشرة السوداء، ففي حالة المغرب مثلا، وخلال ستة عقود، لم يتم تعيين سوى وزيرين هما عبد القادر الصحراوي وأحمد السنوسي الذي كان من أصدقاء الملك الراحل الحسن الثاني.
وعزا شقير هذا المعطى السياسي إلى أن المناطق الجنوبية، التي يغلب عليها ساكنة من ذوي البشرة السوداء، لم تكن تتوفر حينئذ على مدارس عليا، أو جامعات لتكوين “كوادر” ونخب سياسية قادرة على تسيير الشأن العام.
مساس بالمقدرات البشرية
يتفق عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، مع شقير بخصوص جذور هذا التمييز الاجتماعي ضد ذوي البشرة السوداء، إذ إن هناك صلة بين الصورة النمطية حول ذوي البشرة السوداء وظاهرة العبودية التي بصمت تاريخ حياة السود في هذه المجتمعات المغاربية.
ووفق الخضري، في تصريحات للجريدة، فإن “ما يعانيه ذوو البشرة السوداء في المنطقة المغاربية يمكن أن يرقى إلى عنصرية ذات جذور تاريخية واجتماعية وسياسية عميقة”، موردا أن “دورهم في المشهد السياسي يكاد يلامس الصفر، خاصة في بلدان المغرب والجزائر وتونس”.
وباستثناء نماذج ناجحة قليلة جدا، عزا الحقوقي نفسه هذا الواقع المرير إلى عاملين أساسيين، “أولهما يتعلق بضعف القدرة على حشد الأتباع في مجتمع تطغى عليه سطوة ذوي البشرة البيضاء في جل الميادين، وثانيهما أن ذوي البشرة السوداء لا يحظون بمستوى تعليمي كاف يمكنهم من فرض ذواتهم في الحياة العامة، بخلاف نجاحاتهم الاستثنائية في ميادين الأعمال والمقاولات والأنشطة الرياضية”.
وسجل الخضري أن “هذا الواقع صار يضرب في العمق المقدرات البشرية للتنمية المستدامة في هذه المناطق، خاصة في ظل تنامي ظاهرة الزواج المختلط بين ذوي البشرة البيضاء والسوداء، وتنامي شريحة ذوي البشرة السمراء”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أنه “يتعين على المغرب وباقي الدول المغاربية استيعاب هذا المعطى الذي يشير إلى أن تحقيق التنمية رهين بالاندماج الاجتماعي والسياسي لكافة شرائح المجتمع داخل بوتقة الوطن، دون إقصاء لأي شريحة، سواء بسبب البشرة أو العرق”.