تعرض المغرب مؤخراً لأكبر هجوم إلكتروني في تاريخه، حيث أصبحت بيانات الملايين من المواطنين والشركات عرضة لخطر الاختراق. ففي الثامن من أبريل، تعرض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المغربي لهجوم أدى إلى تسريب كم هائل من المعلومات الشخصية للمواطنين. هذا الحدث كشف عن ضعف كبير في أنظمة الأمن لدى المؤسسات المغربية.
الوقوف وراء هذا الهجوم كان لمجموعة تُعرف باسم “Jabaroot DZ”، تدعي أنها من الجزائر، وقامت بنشر تصريحات على منصة تيليجرام تفيد بسرقتها بيانات حساسة من الصندوق ووزارة التشغيل المغربية. المعلومات المسربة تشمل أسماء وعناوين ورواتب وحتى أرقام الضمان الاجتماعي وبطاقات الهوية لملايين الأفراد، منهم شخصيات بارزة في الشركات والمؤسسات الحكومية والدبلوماسية.
التحقيقات أظهرت أن خطة استمرارية الأعمال لم تكن جاهزة، وأن مركز عمليات الأمن فشل في اكتشاف التسلل بسبب قلة التكامل والتحديثات المناسبة، إضافة إلى أن عمليات تدقيق الأمان كانت غير فعالة. هذا يُثير تساؤلات حول قدرة المؤسسات المغربية على حماية البيانات الحساسة.
المجموعة المهاجمة بررت الهجوم بأنه رد على ما وصفته بـ”المضايقات الرقمية” من المغرب، مهددة بنشر المزيد من البيانات إذا استمرت التوترات بين البلدين، في ظل توتر جيوسياسي حاد بين المغرب والجزائر، خاصة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية في 2021.
تزامن الهجوم الإلكتروني مع إعلان الولايات المتحدة تأكيدها للسيادة المغربية على الصحراء، مما دفع السلطات المغربية إلى وصف الهجوم بـ”المشبوه” واعتباره عملاً سياسياً متعمداً يستهدف عرقلة النجاحات الدبلوماسية للمملكة.
بعد بضعة أيام، ظهرت جماعة جديدة باسم “DDOS54″، مستهدفة مواقع الوزارات المغربية، مثل وزارة الزراعة، بهجمات حرمان من الخدمة الموزعة (DDoS)، ساعية إلى إرباك عمل المؤسسات لمدة أسبوعين.
في مقابل ذلك، أعلنت جماعة مغربية تدعى “فانتوم أطلس” مسؤوليتها عن هجمات على مواقع جزائرية رسمية كجزء من الصراع الرقمي المتصاعد بين الجارتين.
الهجمات الإلكترونية أصبحت الآن وسيلة سياسية وجيوستراتيجية تُستخدم في صراعات إقليمية كمصدر نفوذ وتهديد للاستقرار. ويبدو أن قضية “جباروت دي زد” تمثل علامة واضحة للحرب السيبرانية بهدف ضرب الثقة في المؤسسات الوطنية.
إقرأ ايضاً
رد فعل السلطات المغربية كان متأخراً، حيث أصدرت وزارة التشغيل بيانًا مقتضباً نفت فيه ارتباطها بالوثائق المسربة دون إنكار تعرضها للهجوم. بينما التزم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الصمت لأكثر من 24 ساعة وسط القلق والشائعات بين المستخدمين.
التأخر في الرد أثار تساؤلات عديدة حول استجابة المؤسسات المغربية للأزمات. أشارت صحيفة “لوبينيون” إلى أن هناك حاجة لإعادة التفكير في كيفية التواصل والإدارة للأزمات الرقمية.
في اليوم التالي، أعلنت المؤسسة الوطنية للأمن الاجتماعي تعرضها لسلسلة من الهجمات الإلكترونية مؤكدة أن العديد من الوثائق المنشورة مزورة أو تم التلاعب بها.
في المؤتمر الصحفي الأسبوعي يوم 10 أبريل، وصفت الحكومة المغربية الهجمات بأنها “إجرامية”، مشيرة إلى توقيت الهجمات المشبوه الذي تزامن مع اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء.
هذا الحدث أثّر بشكل مباشر على المستويات العامة والإعلامية والاقتصادية والسياسية. الكشف عن الرواتب الضخمة بين الموظفين أحدث صدمة في المجتمع المغربي الذي يعاني من تفاوت اقتصادي حاد، يأتي ذلك وسط ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية وتزايد القلق بشأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
يشير الهجوم الأخير على مؤسسة بحجم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى عيوب كبيرة في الأمن الرقمي لمثل هذه المؤسسات الاستراتيجية. فقد أوضح عبد المالك العلوي في مقاله أن المغرب، الذي لعب دورًا بارزًا في استضافة معرض جيتكس مستفيدًا من قوته الرقمية الناعمة، قد تعرض لهجوم اعتُبر الأخطر في تاريخه. بالرغم من تقديم اقتراح سابق للحكامة المركزية للقطاع منذ عام، إلا أن توزيع المسؤوليات بين عدة إدارات أدى إلى تفضيل بعض المسؤولين لتحقيق نتائج سريعة بدلاً من التركيز على الحلول الجذرية. تعكس هذه الأزمة ناقوس خطر رئيسي يكشف عن الحاجة الملحة لبناء قدرات مؤسسية أفضل، ويحث بعض المراقبين على أهمية تأهيل المسؤولين بمهارات التواصل الفعّال في الأزمات. وفي هذا السياق، يلفت المحلل الجيوسياسي رشيد عشاشي النظر إلى أهمية تقديم تدريب متخصص في إدارة الأزمات، محذرًا من أن أسلوب اتصال الوزراء غير المدروس يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع. هذا التسريب لم يقتصر تأثيره على كسر تابوهات المجتمع، بل كشف أيضًا عن فجوات واضحة في إدارة البيانات العامة. وبهذا، بات يشبه “ويكيليكس مغربي” بكل ما يحمله من تأثير عميق على المستويين السياسي والمجتمعي.
