في حدث لم يكن مفاجئا بالنسبة للكثيرين، قررت حكومات كل من مالي والنيجر وبوركينافسو الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، معلنة في بيان مشترك أن قرار الانسحاب يأتي استجابة لتوقعات وتطلعات شعوبها، وتتحمل في ذلك كافة مسؤوليتها أمام التاريخ، وفقها.
وكانت علاقات هذه الدول الثلاث توترت في الآونة الأخيرة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها، وتلويح “إكواس” بالتدخل عسكريا في بعضها لإعادة السلطات المدنية إلى الحكم؛ فيما اعتبر متتبعون أن هذا الانسحاب تحصيل حاصل، ويأتي في سياق جيو-سياسي وإقليمي تتشكل فيه تحالفات جديدة، ويبرز فيه اسم المغرب كفاعل قوي من أجل مواكبة هذه الدول لتحقيق تطلعاتها في التنموية والاقتصادية من خلال مبادرات رائدة، على غرار مبادرة الأطلسي التي أشادت بها هذه الدول المُنحسبة.
تصعيد سياسي وعقل إستراتيجي مغربي
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “انسحاب بوركينافاسو ومالي والنيجر من منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يندرج في إطار التصعيد السياسي الذي تخوضه الأنظمة العسكرية في الدول الثلاث، ورفضها العديد من الإجراءات التي اتخذتها المنظمة في حق الأنظمة الجديدة في سعيها إلى إعادة العملية الدستورية بعد سلسلة الانقلابات التي عرفتها دول المنطقة، وأطاحت بأنظمة كانت قريبة للنفوذ الفرنسي أو متعاونة معه”.
وأضاف البراق أن “هذا الانسحاب كان منتظرا بالنظر إلى تباعد وجهات النظر وتقدير الموقف بين القيادات الجديدة في دول الساحل الثلاث وباقي الدول المؤثرة في المنظمة، كما يمكن اعتباره استكمالا لخارطة طريق وضعتها الأنظمة العسكرية الجديدة في هذه الدول لفك الارتباط مع باقي دول المنطقة والمحاور الدولية المتحكمة فيها”.
وأوضح الخبير ذاته، أن “الموقف الجديد للدول الثلاث هو نتيجة تراكمات عقود من السياسات الفاشلة التي تبنتها الأنظمة السابقة، والنتيجة كانت دولا غارقة في الفقر والهشاشة والبؤس الاجتماعي والحروب الأهلية، وتدخل الإرهاب في دواليب الدولة وظهور النعرات الانفصالية، وبالتالي فالبحث عن حلول إفريقية للإشكالات الإفريقية يظل الحل الوحيد لتحقيق تنمية مستدامة ومندمجة تخدم الشعوب الإفريقية”.
في هذا الإطار، لفت المتحدث ذاته إلى أن “المبادرة الأطلسية المغربية هي حل مغربي للعديد من الإشكالات التي تعاني منها دول الساحل، فالمملكة المغربية في ظل الرؤية الملكية المستنيرة التي تعتمد على حلول تنموية إفريقية مستدامة للإشكالات الإفريقية، من خلال مشاريع مهيكلة ومبادرات جيو-سياسية متوازنة، هي اليوم في الطريق الصحيح لتحقيق الريادة الإفريقية وتقديم بديل تنموي إفريقي للشعوب الإفريقية”.
إقرأ ايضاً
وسجل المحلل عينه أن “المبادرة المغربية وضع أسسها العقل الإستراتيجي المغربي وفق منهج علمي دقيق وتقدير موقف أكاديمي رصين لطبيعة التحولات الجيو-سياسية في المنطقة، وفق قراءة واضحة للمتدخلين في اتخاذ القرار السياسي ومدى ملاءمته مع طموحات المملكة المغربية لخدمة شعوب المنطقة بمشاريع مهيكلة قادرة على خلق فارق حقيقي في أسلوب عيش الشعوب الإفريقية، كما هو الحال مع أنبوب إفريقيا – الأطلسي أو مشروع الربط القاري للكهرباء أو مبادرة ربط دول الساحل بالبنية السككية والمينائية والجوية المدنية للمملكة المغربية”.
سياق إقليمي وتقوية لمكانة المغرب
من جانبه، قال جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن “حدث إعلان انسحاب كل من بوركينافاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يأتي لينضاف إلى سلسلة من الأحداث التي عرفتها المنطقة في الآونة الأخيرة، في سياق جيو-سياسي سمته الأساسية التوتر وعدم الاستقرار”.
وأضاف القسمي أن “علاقة الدول الثلاث مع ‘إيكواس’ بعد الانقلابات الأخيرة شهدت توترا خطيرا وصل حد التلويح بالتدخل العسكري، مع فرض عقوبات اقتصادية رأت قيادات الدول الثلاث أنها غير قانونية وغير مسؤولة، وزادت من معاناة شعوبها المنهكة أصلا من العنف وعدم الاستقرار التي عانت منه طيلة سنين مضت”، مسجلا أن “انسحاب هذه الدول من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يحل التزاماتها تجاه هذه المجموعة، بالإضافة إلى أنه يمنحها حرية أكبر في اختيار شراكات جديدة اقتصادية وسياسية جديدة”.
وأورد الباحث ذاته أن “هذا الانسحاب يمكن أن يقوي مكانة المغرب في علاقته مع هاته الدول، بالنظر إلى سياسة الحياد التي ينتهجها ومصداقية تحركاته على المستوى الخارجي، خاصة أنه ليس عضوا بعد في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إضافة إلى مكانة هذه الدول في المبادرات المغربية، كالمبادرة الأطلسية؛ وهو ما قد يزكي منطقا جديدا برؤى جديدة لتحالفات اقتصادية وسياسية ومبادرات مبدعة يكون فيها المغرب فاعلا قويا وأساسيا في المنطقة”.
وخلص المتحدث إلى أن “انسحاب هذه الدول من المجموعة يضع مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والجزائر، المنافس للمشروع المغربي، في صعوبات كبيرة، خاصة أن النيجر من الدول المهمة في هذا المشروع؛ وبالتالي فإن هذا الانسحاب يجعل من استمرار العلاقة مع المجموعة التي تقودها نيجيريا اقتصاديا صعبا، كما أن إعلان النيجر منطقة غير مستقرة يُصعب عملية التمويل وإمكانية إيجاد شركاء اقتصاديين لهذا المشروع حسب مقولة رأس المال الجبان”، مشددا على أن “هذا الأمر يجعل مشروع الأنبوب المغربي الأكثر قابلية للتحقق على أرض الواقع، وقد نرى في الأشهر القادمة بدايات الشروع في تشييد هذا المشروع الكبير الذي يحظى بتأييد الكثير من الدول والشركاء المستعدين لتمويله”

عذراً التعليقات مغلقة