في مبادرة لا تخلو من إشارات دالة، خلق العفو الملكي، الذي شمل مجموعة من الأسماء المنتمية إلى الجسم الصحافي كانت قد أدينت من لدن محاكم المملكة بتهم مرتبطة بالحق العام، موجة فرح عارم في الأوساط الحقوقية والصحافية وعموم الشعب، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش.
واستفاد من العفو الملكي كل من توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني، إضافة إلى النشطاء رضا الطاوجني ويوسف الحيرش وسعيدة العلمي ومحمد قنزوز (مول القرطاسة)؛ وذلك بعد قضائهم مددا متباينة من العقوبات السالبة للحرية على ذمة أحكام في ملفات قضائية مختلفة، وهي المبادرة التي كانت محط إشادة واسعة من طرف الحقوقيين المغاربة.
كما أن العفو الملكي، الذي يراعي الأوضاع الإنسانية لـ2476 شخصا في المجمل، شمل مجموعة أخرى مدانة قضائيا في حالة سراح. ويتعلق الأمر بكل من عماد استيتو وعفاف براني وهشام منصوري وعبد الصمد آيت عيشة، الذين ينتمون جميعا إلى الجسم الإعلامي بالبلاد.
محمد النشناش، أحد المدافعين التاريخيين عن حقوق الإنسان بالمغرب، اعتبر، أن العفو الملكي “عيد بالنسبة لنا، وشيء نأمله وكنا ننتظره”، مؤكدا أن هذه المبادرة “ليست غريبة عن صاحب الجلالة، خصوصا بعد ربع قرن من تربعه على عرش أسلافه”.
وأضاف النشناش معلقا على العفو الملكي: “كل المغاربة الآن يحتفلون بهذا العيد، ويبتهجون بإطلاق سراح عدد من معتقلي الرأي وآخرين حوكموا في ظروف معينة”.
وزاد الحقوقي ذاته منوها: “نهنئ أنفسنا ونعتز بالمبادرة الملكية، في انتظار مبادرات مماثلة، إن شاء الله في الأعياد المماثلة”، مشددا على أن العفو الملكي يقف ضد “التيارات المعادية للمغرب داخل الوطن وخارجه، خاصة الذين كانوا يستعملون هذه القضايا ضد الوحدة الوطنية والسيادة المغربية”.
وختم النشناش تصريحه قائلا: “نحن كحقوقيين نعتز بهذا العفو، ولنا اليقين أن بلادنا ستستمر في تكريس احترام الحقوق والحريات وألا تكرر مثل هذه المحاكمات والاعتقالات”.
من جهته، ثمن المحامي والحقوقي عبد المالك زعزاع المبادرة الملكية، معربا عن أمله في أن تتبعها “مبادرات أخرى؛ لأن حقوق الإنسان في المغرب تستوجب حل مجموعة من الأمور الأخرى؛ مثل الإفراج عن معتقلي الريف، وكذلك بعض الملفات المتعلقة بالاحتجاج السلمي”.
واعتبر زعزاع، أن استعمال العنف في مواجهة المحتجين سلميا يطرح “إشكالا حقوقيا. وأعتقد أنه مهما كانت الأحوال والظروف، فنحن جد مسرورين بهذه المبادرة، ونتمنى أن تتلوها مبادرات أخرى لطي ملف الاعتقال السياسي والمشاكل المتعلقة بمجال حقوق الإنسان”.
إقرأ ايضاً
كما أشار الحقوقي ذاته إلى أن المؤسسة الملكية “كانت في الموعد من خلال إصدار قرار العفو، وكان من القرارات المنتظرة في المغرب، وكنا نترقب منذ اعتقال بوعشرين والريسوني والراضي أن يكون هناك حل عن طريق العفو الملكي؛ وهذا ما تحقق، ونعتقد أنه إيجابي بالنسبة للجانب الحقوقي”.
بدوره، لم يفوت مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات السابق، فرصة إعلان العفو الملكي دون التعبير عن موقفه منه، إذ علق قائلا: “شكرا لله أولا، ثم لجلالة الملك، حفظه الله وأعز أمره.. حصل الذي كان منتظرا لدى البعض، ومستبعدا لدى البعض الآخر”.
وأضاف الرميد، في تدوينة نشرها حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “فقد أصدر جلالة الملك عفوه الكريم على ثلة من الصحافيين والنشطاء السياسيين، وغيرهم، بمناسبة عيد العرش المجيد”، مؤكدا أن من حق “محبي جلالته، وأنا واحد منهم، أن نفخر بحكمته. ومن واجب غيرنا أن يعترف بحنكته”.
وجدد وزير العدل والحريات السابق شكره للملك، قائلا: “ظننا بك خيرا، فأبيت إلا أن تؤكد بمناسبة عيد العرش المجيد أنك ستبقى دائما منبعا للخير والرحمة. وشكرا لكل مساعديك الأفاضل الذين ساهموا في هذا الإنجاز الوطني النبيل”، قبل أن يختم: “مازلنا نظن بملكنا خيرا، وننتظر منه المزيد، وعسى أن يكون ذلك قريبا، بإذنه تعالى… وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا”، في إشارة إلى الإفراج عن معتقلي حراك الريف.
من جانبه قال المحامي والحقوقي عبد الكريم امليح، تعليقا على العفو الملكي، إن “المرء لا يمكن إلا أن يشعر بالسعادة في كل مرة يصدر فيها جلالة الملك عفوه عن المدانين بقرارات قضائية، وهي سعادة نابعة من الشعور برحمة وإنسانية وحلم ملكنا”.
وأضاف امليح “الأمر عندما يتعلق بالعفو عن صحافيين في الذكرى الفضية لاعتلائه العرش، وعن متورطين في قضايا إرهابية، فإن سعادتي تمتزج بالفخر بحنكة وتبصر ملكنا”.
واستدرك الحقوقي ذاته: “غير أنه يجب التقاط الرسالة التي ينطوي عليها هذا القرار من طرف جميع المؤسسات كيفما كانت”، محددا هذه الرسالة في “ضرورة الحرص على انفراج الأفق السياسي بالمغرب، واعتبار حاجة البلد إلى جميع أبنائه وقواه من أجل الدفع بالوطن إلى الأمام”.
كما حث المتحدث على “ضرورة الاستماع إلى نبض الشارع، واعتباره حين إصدار أي قرارت كيفما كانت”؛ وزاد موضحا: “في الوقت نفسه يجب ألا ننسى كحقوقيين واجب تذكر الضحايا، وأن القرار الملكي الدستوري الرحيم ليس حكما بالبراءة عمن عفا عنهم، فهو لا يمس حقوق الضحايا المدنية التي قررتها الأحكام القضائية”، لافتا إلى أنه “انطلاقا من هذا الفهم فإن الرأفة والرحمة الملكية لا تتعارض مع العدالة، بل إنها تصححها وتزكيها”.
