يغذي موضوع الهجرة في فرنسا، وهو من أبرز مخاوف الناخبين، حملة الانتخابات التشريعية التي يتصدرها اليمين المتطرف. ويرى باحثون أن هذا “الخوف من الغرباء” تعاظم في جو “القلق” العام المسيطر و”العجز” السياسي، رغم أنه ليس جديدا.
في استطلاع أجراه معهد “إيبسوس” في السادس والسابع من يونيو، حول العوامل الحاسمة للتصويت في الانتخابات الأوروبية التي حقق فيها اليمين المتطرف (التجمع الوطني) فوزا كبيرا، شكلت الهجرة “الموضوع الرئيسي” لدى 23 في المائة من الفرنسيين الذين أكدوا نيتهم التصويت، متقدمة على القدرة الشرائية (18 في المائة). واعتبر 43 في المائة من المستطلعين أن هذا العنوان هو واحد من ثلاثة أسباب تدفعهم إلى التصويت.
تاريخيا جعل التجمع الوطني من ملف الهجرة أحد عناوينه المتقدمة. ويواظب رئيس الحزب جوردان بارديلا، الأوفر حظا لتولي رئاسة الوزراء في حال أحرز التجمع الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية، على انتقاد “هجرة كبيرة خارجة عن السيطرة”، آملا خصوصا إلغاء حق من يولدون على الأراضي الفرنسية في الحصول على الجنسية.
وأصدرت فرنسا عددا قياسيا من تراخيص الإقامة العام الفائت بلغ 323 ألفا و260، في ارتفاع بنسبة 1,4 في المائة مقارنة بالعام 2022، وذلك موازاة مع ازدياد عمليات الترحيل بشكل ملحوظ (أكثر من 17 ألفا بزيادة نسبتها عشرة في المائة)، بحسب أرقام وزارة الداخلية.
ورأى عالم الأنتروبولوجيا ميشال أجييه أن الخطاب المناهض للهجرة له صدى واسع، وخصوصا أنه أدرج منذ عشرين عاما وسط مناخ من القلق، عززه “شعور دائم بانعدام الأمن” بسبب الكوارث الطبيعية والأشكال المختلفة من الإرهاب.
وأضاف مدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية: “هذا الخوف يؤدي إلى إنتاج كبش فداء، لكن هذا الأمر ليس جديدا”.
إرث ما بعد الاستعمار
وفي رأي المتحدث فإن العنصر الجديد هو “إرث ما بعد المرحلة الاستعمارية الذي يؤدي إلى نوع من العنصرية التي تقف وراء هذا الهاجس لدى اليمين المتطرف حيال قضايا الهجرة”.
وتابع أجييه المتخصص في العلاقات بين العولمة الإنسانية والمنفى: “حين نقول إن هناك عددا كبيرا من المهاجرين لا نتحدث هنا عن الأميركيين والإنجليز والهولنديين والإسبان والأوكرانيين (…) لا نتحدث عن (أفراد) بيض، علما أن هؤلاء يفدون بأعداد كبيرة، ولكن لا يتم استقبالهم بالطريقة نفسها”.
أظهرت أرقام المعهد الوطني للإحصاء (اينسي) أن سبعة ملايين مهاجر كانوا يعيشون في فرنسا العام 2022، أي 10,3 في المائة من إجمالي عدد السكان. وحصل 35 في المائة من هؤلاء على الجنسية الفرنسية (2,5 مليون).
إقرأ ايضاً
وأقل من نصف هؤلاء المهاجرين (48,2 في المائة) ولدوا في إفريقيا، في حين ولد 32,2 في المائة في أوروبا. وتتصدر الجزائر (12,5 في المائة) والمغرب (11,9 في المائة) والبرتغال (8,2 في المائة) وتونس (4,7 في المائة) وإيطاليا (4 في المائة) الدول التي ولد فيها المهاجرون، بحسب المعهد المذكور.
ولاحظ أجييه أن فقدان المعايير المجتمعية مع تفكك الأسر وتطور النزعة الفردية أفضى إلى انعزال مجموعة معينة، وقال: “منذ تسعينيات القرن الفائت، في غالبية أنحاء العالم، ازداد انعدام الارتباط بين الدول ومواطنيها بحيث بات هؤلاء يشعرون بمقدار أقل من الحماية”.
“خصوم ضعفاء”
ذلك أيضا هو رأي سواني بوتو، الباحثة في المركز الوطني للبحث العالمي (سي ان ار اس)، التي سلطت الضوء على الشعور بالهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، لافتة إلى أن “الأجنبي يجسد العولمة المتصلة بعدم الاستقرار في مكان واحد، وتراجع الرواتب، والتنافس على العمال على الصعيد الدولي”.
وأكدت عالمة الاجتماع المتخصصة في مسائل الهجرة أن “المهاجرين هم خصوم ضعفاء، لا صوت سياسيا لهم”.
ومنذ 1980 صدر 29 قانونا عن الهجرة في فرنسا، أي بمعدل قانون واحد كل سبعة عشر شهرا، بحسب متحف تاريخ الهجرة.
وتذكّر جمعيات لمساعدة المهاجرين على الدوام بأن تهميش هؤلاء والتشدد في إجراءات توطينهم في فرنسا بهدف ثنيهم عن المجيء يؤديان إلى تأثير معاكس ويتسببان باندماج بطيء.
وعلقت سواني بوتو: “هؤلاء الأفراد لن يحظوا بحق العمل قانونيا وحق السكن وتلقي العلاج. وينشأ من كل ذلك اقتصاد مواز يسهل الانحراف”، وأضافت: “يكفي أن نكف عن تأجيج هذه المخاوف ونتحول في السياسة نحو موضوعات أخرى حتى تزول من تلقاء نفسها”.