تطرق تقرير صادر عن “المعهد المغربي لتحليل السياسات” إلى التحذير من الأثر السلبي الذي قد ينجم عن التفاؤل المفرط بالاعتماد على تقنية تحلية المياه، مشددًا على أن هذا التوجه يغفل العديد من القضايا المحورية التي يجب أن تضعها السلطات في صلب استراتيجياتها.
أبرز التقرير أن عمليات التحلية، رغم جدواها في توفير مياه الشرب، تحمل في طيّاتها تهديدات بيئية خطيرة. فهي تسبب أضرارًا جسيمة للحياة البحرية، وتتطلب استخدام مواد كيميائية سامة، كما تؤدي إلى تصريف محلول ملحي مكثف يضر بالتوازن البيئي.
على صعيد آخر، لفت الخبراء إلى أن تحلية المياه تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، ما يثير تساؤلات حول تأثير هذه التقنية على مسارات الطاقة المستدامة. وهنا تُطرح إشكالية أساسية: هل يمكن للتحلية أن تسهم في استبدال أزمة المياه بأزمة طاقة جديدة؟ وهذا ما قد يعقد الجهود الرامية لتحقيق العدالة والاستدامة البيئية على المدى البعيد.
وأكد التقرير أن الكلفة المرتفعة للمياه المحلاة تجعلها خيارًا اقتصاديًا مجديًا فقط للمحاصيل ذات العائد المالي الكبير، مما يحد من دور هذه التقنية في دعم الزراعة المستدامة التي ترتكز على تعدد الموارد وضمان الأمن الغذائي.
إقرأ ايضاً
وفي السياق الحضري، نبّه التقرير إلى أن اعتماد المدن بشكل متزايد على المياه المحلاة قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في نمط الاستهلاك الحضري. فعملية إنتاج المياه بهذه الطريقة ليست فقط مرتفعة التكلفة، بل تتطلب أيضًا تقنيات معقدة تجعلها أقرب إلى سلعة تجارية قد تتجاوز إمكانات العديد من المجتمعات.
وقد اختتم الخبراء تحذيراتهم بالتأكيد على مخاطر اللجوء إلى التحلية باعتبارها حلًا وحيدًا لأزمات المياه دون معالجة الجوانب الهيكلية والتاريخية لهذا القطاع. ذلك قد يؤدي إلى تعميق فجوة التفاوت الاجتماعي حول إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة، مع إهمال البحث في الأسباب الجذرية لنقص الموارد المائية.
التقرير برمته يشكل دعوة مفتوحة لإعادة النظر في سياسات تحلية المياه واعتماد مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الجوانب البيئية، الاجتماعية والاقتصادية لضمان تحقيق حلول مستدامة وعادلة للجميع.
