في قلب منطقة “القطوط” التابعة للجماعة الترابية ونانة بإقليم وزان، بعيداً عن صخب المدن الكبرى وأضوائها، نجحت فرقة مكافحة العصابات التابعة لولاية أمن تطوان، بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، في إلقاء القبض على شقيقين يبلغان من العمر 29 و41 عاماً. هذه العملية جاءت في إطار مكافحة شبكة إجرامية متخصصة في ترويج الكوكايين والمؤثرات العقلية.
نشاط ترويج المخدرات القوية اتخذ شكلاً صامتاً وسط الحقول والمناطق الجبلية الوعرة، مستغلاً العزلة الجغرافية وضعف التغطية الأمنية. في هذا السياق، تدور مواجهات بالغة التعقيد بين الأجهزة الأمنية وهذه الشبكات الإجرامية، بينما يواجه شباب القرى تهديداً مباشراً يضع استقرارهم ومستقبل مناطقهم الريفية على المحك.
الهجرة إلى الظل الريفي
تشديد الخناق على شبكات ترويج المخدرات في المدن دفع هذه العصابات إلى البحث عن بدائل آمنة. وهكذا، باتت القرى المغربية بمثابة مخازن ومستودعات خفية لتوزيع الكوكايين وأقراص الهلوسة. محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، وصف هذا التحول بكونه نتيجة لتغيرات اجتماعية واقتصادية وأمنية عميقة. فأصبحت المناطق القروية مُستهدفة لكونها تفتقر إلى الرقابة الأمنية المكثفة مقارنة بالحواضر.
يشرح بن عيسى أن الطلب المتزايد على المخدرات القوية في الأوساط القروية يعود إلى تغيّر أنماط المعيشة والإكراهات الاجتماعية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية. تفاقُم ظاهرة البطالة وتراجع زراعة القنب الهندي دفعت بعض السكان إلى استهلاك أو ترويج مخدرات أكثر خطورة مثل الكوكايين والهيروين.
كما يرى بن عيسى أن هذه المناطق أصبحت أسواقاً جديدة للمخدرات ولم تعد فقط ممرات عبور. هشاشة الوضع الأمني في المناطق النائية وسّعت مجال المناورة لعصابات التهريب، حيث تستغل التضاريس الجغرافية الشاسعة والوعرة للهرب من أعين السلطات.
وأضاف رئيس المرصد أن المغرب تحول إلى محطة رئيسية لعبور الكوكايين نحو أوروبا، ما أدى إلى اندماج شبكات تهريب القنب الهندي التقليدي مع هذه التجارة الجديدة، التي تسعى لتوسيع أسواقها محلياً، وخصوصاً في الأرياف.
إقرأ ايضاً
اقتصاديات غير مشروعة
أحمد درداري، رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات، صنّف تجارة المخدرات ضمن ما يُعرف بالاقتصاد الجنائي. وأوضح أن العمليات الأمنية الأخيرة التي نفذتها مصالح أمن تطوان تمكنت من حجز 3 كيلوغرامات من الكوكايين وآلاف الأقراص المهلوسة بمنطقة ونانة، وهو ما يؤكد التوجه الاستراتيجي الجديد لهذه الشبكات نحو القرى لتفادي الرقابة الأمنية المشددة في المدن الكبرى.
درداري أشار إلى أن تجارة المخدرات تتسم بقدرتها على التكيّف، فحتى عند اعتقال المروجين الأساسيين، تستمر الشبكة في نشاطها عبر الأشخاص المتبقين أو حتى عبر إدارة العمليات من داخل السجون. وأكد أن مروجي المخدرات باتوا يعتمدون على حيل جنائية متطورة مثل استخدام القاصرين والنساء أو إخفاء المخدرات وسط بضائع تجارية لتسهيل نقلها وتوزيعها.
وأضاف الدكتور الجامعي أن تجارة الكوكايين تعتمد كثيراً على التهريب الدولي، حيث يُستورد من أمريكا اللاتينية، بينما تأتي أقراص الهلوسة غالباً من الجزائر. وتوقع ضرورة اعتماد مقاربة وطنية ودولية شاملة لمعالجة هذه الأزمة وتجفيف منابعها بدءاً من المصدر.
خطر آخذ في التوسع
العملية الأمنية التي نفذتها عناصر الشرطة يوم الخميس الماضي بالتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أسفرت عن توقيف شقيقين بتهمة الانتماء لشبكة إجرامية تعنى بترويج المخدرات والمؤثرات العقلية. وتمكنت العمليات من حجز 94,728 قرصاً مهلوساً وثلاثة كيلوغرامات من الكوكايين، إضافة إلى 14 كيلوغراماً من الشيرا، وثمانية أسلحة بيضاء، ومبالغ مالية بالعملة الوطنية والأجنبية يُشتبه في ارتباطها بعائدات هذا النشاط الإجرامي.
