تداعيات اقتصادية غير يسيرة تلك التي تؤدي لها التحولات الديموغرافية بشكل عام، فبعدما سلط الإحصاء العام للساكنة والسكنى 2024 الضوء على عدد من “القواعد” التي تنظم السيرورة السكانية للمغرب، صارت الحكومة والفاعلون الاقتصاديون مُطالبين باتخاذ تدابير والتفكير في مقاربات جديدة لاستباق معضلات من قبيل شيخوخة الهرم السكاني.
ومن بين أهم الخلاصات التي تمخضت عن العملية الإحصائية، تباطؤ النمو الديموغرافي بالمغرب نتيجة تراجع معدل الخصوبة، والذي من شأنه أن يؤدي إلى شيخوخة المجتمع المغربي على المدى الطويل.
وبلغ مؤشر الخصوبة في المغرب 2.5 طفل لكل امرأة في سنة 2024، وهو ما يتجاوز عتبة تجديد الأجيال المحددة عند 2.1، وبالرغم من أن المغرب لا يواجه مشكلة الشيخوخة الديموغرافية، يرى خبراء أنه بات من الضروري استباق التحول في البنية السكانية.
في الوقت الراهن تتمتع المملكة بساكنة شابة، لكن هذا المعطى قد يتحول مستقبلا نحو نسبة متزايدة من المسنين، كما قد يؤدي على المدى الطويل، إلى “تكدس” هرم الأعمار، مع تركز في صفوف الشباب والمسنين.
وفي هذا السياق، أكد الأستاذ بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، عزيز أجبيلو، أن أمراً هاما يبرز من خلال نتائج هذا الإحصاء وانخفاض معدل الخصوبة، هو ارتفاع عدد الأشخاص المسنين وانخفاض أعداد الشباب ما بين 15 و18 سنة، في مقابل الفئة البالغة 60 سنة فما فوق؛ “اليوم أعتقد أنه يجب التركيز بشكل أكبر، في ما يخص سوق الشغل، على فئة الشباب وإعطائها مزيداً من الاهتمام، لأنها هي المساهم الأكبر في الإنتاج الاقتصادي”.
ومضى في القول: “في الوقت ذاته بات من الضروري التفكير بجدية في سياسات خاصة تهم المسنين لأن الهرم السكاني تغير”.
إقرأ ايضاً
وتتطلب شيخوخة الساكنة، بشكل عام، تعزيز أنظمة التقاعد ودراسة المخاطر المحتملة من حدوث خلل في التوازن بين النشطين والمتقاعدين؛ مع استشراف المساهمات في الصناديق الاجتماعية لتجنب الضغوط التي لوحظت في بلدان أخرى، كفرنسا.
وأضاف الخبير، الذي كان يتحدث خلال ندوة من تنظيم مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (PCNS) أنه “نحن اليوم نتوجه من هرم سكاني شاب إلى هرم أكثر شيخوخة، وهو ما يحتم سياسات اقتصادية واجتماعية جديدة، لا سيما في مجال التمدرس، وسوق الشغل الذي ينبغي أن يصبح أكثر إنتاجية وخلقا للفرص”.
وتابع: “إذا كان لدينا اليوم 13 في المئة من الساكنة عبارة عن أشخاص مسنين، ما يعني أنهم يمثلون حوالي خمسة ملايين نسمة من المغاربة، فغدا، أي قريبا جدا، في سنة 2040 أو ربما 2035، سنصل إلى 20 في المئة. وهو ما يفرض إرساء سياسة خاصة متعلقة بالمسنين، تعطي الأهمية أكثر للمسائل الاجتماعية والاقتصادية التي ستتيح خلق فرص شغل لهذه الشريحة أيضاً”.
وفي سياق متصل، لفت إلى أنه من الضروري “تطوير برنامج الحماية الاجتماعية، الذي انطلق حديثاً، ليواكب ويلعب دوره الأساسي في استيعاب هذه الشريحة المتزايدة من المسنين مستقبلا، وإدماجهم في العملية التنموية”.
