أثارت “التسريبات” الخاصة بتوصيات مراجعة مدونة الأسرة، التي قيل إنها ضمنت في التقرير الذي تسلمه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، نهاية الشهر الماضي، من الهيئة المكلفة بإصلاح مدونة الأسرة، المقرر رفعه إلى الملك محمد السادس، موجة من الانتقادات من طرف التيار المحافظ، بسبب ما قيل إنها “مقترحات جريئة”، بل “تتعارض مع الدين والشريعة” وفق البعض.
فيما اعتبر آخرون أن التسريب يدخل في إطار “لعبة جس نبض المغاربة”، وتهيئة الرأي العام لتقبل ما يمكن أن تتضمنه التعديلات من مقترحات يدفع أصحابها بأنها تروم ملاءمة القواعد القانونية مع حاجات المجتمع المغربي والتحولات التي يشهدها، وكذا الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة؛ مثل حذف التمييز بين الطلاق والتطليق، وتكريس نظام الطلاق القضائي، مع اتخاذ تاريخ صدور الأحكام القضائية تاريخا لنفاذ الطلاق وليس تاريخ وقوعه.
كما تضمنت مقترحات الهيئة المذكورة، تبسيط إجراءات الطلاق بين الزوجين، وإقرار إصلاح شامل للمقتضيات القانونية المنظمة لمسألة الميراث، وذلك بتخويل صاحب المال والأصول سلطة اختيار النظام المُطبق، إما الميراث أو الوصية، مع توسيع نطاق الأخيرة لتشمل الأحفاد، ورفع القيود المفروضة عليها؛ إضافة إلى إزالة اختلاف الدين من موانع الميراث.
أوس رمال، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، اعتبر أن التسريبات المتعلقة بالمقترح الذي سلمته اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لرئيس الحكومة “ليست مقترحات الهيئة المكلفة بالمراجعة، وإنما مقترحات إحدى الهيئات التي تم الاستماع إليها من بين ألف هيئة”.
وأضاف رمال موضحا أن التوصيات المسربة توصل بها قبل شهر من الآن، مردفا: “حتى لو لم تكن عندي هذه التوصيات يمكن أن أقول إن الهيئة التي استمعت إلى كل المقترحات فيها رجالات دولة مسؤولون ويعرفون ما يفعلون”، وتابع: “دون أن أعرف مصدر هذه التسريبات أجزم وأحلف بأنه لا يمكن للهيئة التي كلفها صاحب الجلالة بإعداد هذا المشروع أن تجازف وتقدم مثل هذه المقترحات”.
وزاد رئيس حركة التوحيد والإصلاح مبينا في حديثة مع الجريدة أن اللجة المكلفة من طرف الملك محمد السادس “لا يمكن أن تجازف بإدخال المغرب في فتنة الله وحده يعلم مداها، لأن الأمر ليس لعبا وليس مباراة رياضية”، وواصل: “الموضوع يعني 99,99 بالمائة من الأسر المغربية المسلمة التي تعتز بإسلامها وانتمائها إلى هذه المرجعية الدينية”.
إقرأ ايضاً
وبخصوص المقترحات وتقييمه لها أكد الرمال أنها “تخرق كل التوجيهات الملكية للهيئة، التي تضمنتها الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة؛ كما أكد الملك أكثر من مرة أنه لا يمكن التفكير حتى في تحليل ما هو محرم أو تحريم ما هو محلل في الشرع”، معتبرا أن مضامين التسريب “تخالف أصول الدستور”.
واستطرد رئيس حركة التوحيد والإصلاح: “أستطيع أن أجزم بأن هذه التوصيات تعود لأحد الأطراف، ولن يكون لها بروز في الوثيقة النهائية”، لافتا إلى أن “هذا التسريب، ككل التسريبات عندنا في المغرب وفي كل البلدان، وراءه أهداف، ومنها أن يقرأ المغاربة هذه التوصيات ويطلعوا عليها وربما يطبعوا معها، وهذا لن يحدث، لأننا في المغرب ولسنا في عالم آخر”.
ومضى الرمال قائلا: “نحن في دولة قوامها وقوام النظام الحاكم فيها هو إمارة المؤمنين، وتعريف أمير المؤمنين يضاف له دائما حامي حمى الملة والدين”، وأشار إلى أن “هذا التسريب جاء بإيعاز من مكاتب الدراسات وفتاوى الاستشارات للهيئة التي تقف وراءه ليطلع عليه المغاربة، حتى لا تكون الصدمة كبيرة؛ ولو جاء بعد عام أو عامين لا يمكن أن يستقبله المغاربة إلا بالرفض المطلق البين، ويعلم الله وحده ماذا سيكون موقفهم وماذا سيفعلون بشأنه”.
واستدرك المتحدث ذاته: “نحن ككل المغاربة ننتظر بعض التغييرات، ونرجوها ونتمناها، لكنها تغييرات في المساطر التي يتم العمل بها في المحاكم، حتى تيسر أمور المحاكم وهيئاتها ويسهل التعاطي المهني والمحترف مع القضايا، سواء في ما يتعلق بالطلاق أو الاعتداء أو التهرب من النفقة، والتي فيها اختلالات كثيرة”، معبرا عن رفضه “إسقاط مدونة جاءت من الغرب أو الشرق، لا علاقة لها بالمغاربة ولا بوعيهم ولا بدينهم، وهذا ما لا يمكن أن تقبل وتعمل به الهيئة”، حسب تعبيره.