أريفينو.نت/خاص
يشهد “اقتصاد المؤثرين” في المغرب ازدهاراً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، ليصبح نقطة تقاطع حيوية تجمع بين عوالم التجارة والتسويق والترفيه، ممتداً تأثيره إلى تشكيل الرأي العام. هذا النمو المتسارع، رغم جاذبيته، بات يواجه تحديات تنظيمية وقانونية كبيرة، أبرزها الإجراءات الضريبية الجديدة التي جاء بها قانون المالية لسنة 2025.
أرقام تكشف القوة الصاعدة: 420 مليون دولار بين أيدي المؤثرين!
كشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة “ديجي تريندز” أن حجم سوق التسويق عبر المؤثرين في المغرب قفز إلى ما يقارب 4.2 مليارات درهم (نحو 420 مليار سنتيم) خلال عام 2024. ويمثل هذا الرقم ارتفاعاً صاروخياً بنسبة 40% مقارنة بعام 2022.
وأوضحت الدراسة أن هذا السوق يستحوذ حالياً على حوالي 15% من إجمالي رقم معاملات التجارة الإلكترونية في البلاد، الذي بلغ قرابة 20.7 مليار درهم (2.07 مليار دولار) في عام 2022، وواصل ارتفاعه ليقارب 22 مليار درهم (2.2 مليار دولار) في عام 2023. هذه الأرقام، كما يؤكد الباحث المغربي إدريس الفارسي، أحد المشرفين على الدراسة إلى جانب يونس الصبيحي وعثمان الوزاني، في تصريح لوسائل إعلام، تبرهن على الدور المتعاظم للمؤثرين داخل المنظومة التجارية الرقمية المغربية، حيث باتوا يحققون عوائد مالية معتبرة من المحتوى الذي ينتجونه عبر منصات التواصل الاجتماعي، مؤثرين بشكل مباشر في قرارات الشراء لدى آلاف المستخدمين.
الفوضى الخلاقة تنتهي.. قبضة القانون تطال أرباح المؤثرين!
أمام هذا النمو السريع وغير المنظم في كثير من جوانبه، برزت الحاجة الملحة لوضع إطار تشريعي واضح. وقد تجسدت هذه الحاجة في قانون المالية لسنة 2025، الذي أقر حزمة من التدابير الصارمة، من بينها:
* إلزامية التصريح بكافة المداخيل الرقمية المحققة من الإعلانات، والتعاونيات التجارية، والتسويق بالعمولة، أو أي نشاط ربحي آخر يتم عبر المنصات الإلكترونية.
* فرض ضريبة قد تصل نسبتها إلى 30% على هذه المداخيل.
* مراقبة دقيقة لتحويلات الأموال الواردة من الخارج عبر مكتب الصرف، مع استحداث وحدة متخصصة لتعقب العمليات المالية الرقمية.
* فرض شرط إعادة أي تحويل يتم بالعملة الصعبة إلى المغرب في غضون 90 يوماً.
* تصنيف المؤثرين ضمن فئة “مصدّري الخدمات الرقمية”، مما يخضعهم لرقابة مالية وقانونية رسمية ومباشرة.
بين مطرقة الضرائب وسندان غياب الحماية: خبراء يدقون ناقوس الخطر!
رغم أهمية هذه الخطوات التنظيمية، يرى الخبير في التسويق الرقمي، عماد بلك، أن الفراغ القانوني لا يزال يكتنف جوانب أخرى حاسمة تتعلق بالأخلاقيات المهنية، والإطار الإعلامي والإعلاني لنشاط المؤثرين. ويصف بلك وضع المؤثر اليوم بأنه “يقف بين مطرقة الضرائب وسندان غياب الحماية التنظيمية الشاملة”.
من جهته، يشدد الباحث المغربي جواد الشفدي على الضرورة القصوى لوضع تشريع قانوني وضريبي صارم ينظم المهنة بشكل كامل. ويعتبر الشفدي أن عدداً من المؤثرين يقومون بالترويج لمحتوى إعلاني دون أي التزام بمبدأ الشفافية، واصفاً هذا السلوك بأنه “تضليل مباشر للمستهلك”.
جيش من المؤثرين.. من الهواية إلى الاحتراف وسط تحديات جمة!
لا تتوفر إحصائيات رسمية دقيقة حول العدد الإجمالي للمؤثرين في المغرب، غير أن دراسات حديثة تقدر عددهم بنحو 20 ألف مؤثر، مسجلين بذلك زيادة بنسبة 40% عن عام 2022. ويتوزع هؤلاء بين فئة “المؤثرين الصغار” (الذين يتراوح عدد متابعيهم بين 1000 و100 ألف) و”المؤثرين الكبار” الذين يحظون بمتابعة الملايين.
وتشير المؤثرة نسرين الكتاني، وهي مقاولة وحاصلة على درجة الماجستير في الهندسة، إلى أن التسويق الرقمي يتيح فرصاً واسعة، خاصة وأن المحتوى الجيد يلقى تفاعلاً كبيراً من جمهور متنوع. وتضيف أن هذا النشاط يفتح أمامها آفاقاً لعلاقات مهنية مثمرة ويساهم في بناء علامتها الشخصية. ومع ذلك، تعترف الكتاني بأن النقد غير البناء يشكل عبئاً نفسياً، لكنها تسعى لتحويله إلى فرصة للتطوير الذاتي.
ويرى خبير التسويق صلاح الدين ميموني أن المؤثرين الذين يتمتعون بمصداقية عالية، بفضل قربهم اللغوي والثقافي من الجمهور المغربي، يمتلكون تأثيراً واضحاً على قرارات الشراء، لا سيما في قطاعات كالموضة، والتجميل، والمنتجات التقنية. ويستند هذا التأثير إلى حقيقة أن 75.1% من المغاربة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي.
ويضيف الخبير عماد بلك أن ضعف الشفافية في الإفصاح عن المحتوى الإعلاني، وصعوبة قياس العائد التجاري الحقيقي من الحملات، تمثل تحديات أخرى تواجه هذا القطاع.
الجمهور يتغير.. هل بدأ العد التنازلي لـ “المحتوى التافه”؟
سجلت دراسة “ديجي تريندز” تحولاً مثيراً للاهتمام؛ فبينما انخفضت نسبة متابعة المؤثرين بشكل عام من 75% في عام 2022 إلى 51% في 2024، ارتفعت نسبة المتأثرين فعلياً بتوصيات المؤثرين من 35% إلى 57%. هذا يشير، حسب الدراسة، إلى أن الجمهور أصبح أكثر انتقائية ولكنه أكثر استعداداً للاستجابة للرسائل التي يثق بها.
وتأتي الفكاهة (43%)، والطعام (39%)، والموضة (34%)، والجمال (33%)، والسفر (32%) على رأس المواضيع الأكثر شعبية. لكن الدراسة رصدت أيضاً نمواً في الاهتمام بمحتويات ذات قيمة مضافة كالصحة والرفاهية (28%)، والمالية والاستثمار (27%)، والتنمية الذاتية (25%)، والمحتوى التعليمي (23%).
ويحذر صلاح الدين ميموني من أن الجمهور المغربي أصبح أكثر وعياً وحساسية تجاه الترويج المفرط أو غير الصادق، معتبراً أن صعود ما أسماه “المحتوى التافه” الذي يحقق ربحاً سريعاً لكنه يفتقر للقيمة، يطرح تساؤلات جدية حول استدامته وقدرته على الاحتفاظ بثقة الجمهور على المدى الطويل. ويتفق معه الباحث جواد الشفدي، الذي يرى أن بعض العلامات التجارية تتحمل جزءاً من المسؤولية بتفضيلها مؤثرين يحققون نسب مشاهدة عالية حتى لو كان محتواهم سطحياً، مما يشجع على “الرداءة” على حساب المحتوى الهادف.
