في سياق متّسم وفق البنك المركزي المغربي بـ”تراجع التضخم والشكوك المحيطة بالآفاق الاقتصادية” يتواصل التوجه نحو تليين السياسات النقدية من طرف البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، ويبرز نقاش توقعات النمو الاقتصادي في المغرب، خصوصا بالنسبة للسنتين الراهنة والمقبلة.
في أحد توقعاته؛ لفت البنك المركزي المغربي الانتباه إلى أن النمو الاقتصادي، “بعد تسارُع إلى 3,4% في 2023، يُتوقع أن يتباطأ إلى 2,8% هذه السنة، قبل أن يرتفع إلى 4,4% في 2025″؛ وهو ما قرأ فيه بعض خبراء الاقتصاد المغاربة “مؤشرات متفائلة، لكنها تبقى رهينة بواقعيةٍ كبيرة تحلى بها مجلس بنك المغرب حينما أقرّ بأن اقتصاد المملكة مازال رهينَ عامليْ تقلبات المناخ واللايقين، وطنيا ودوليا”.
ووفق المصدر ذاته “يعكس هذا التوقع انكماش القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 6,9% في 2024، ثم نموا بواقع %8.6 في 2025، مع فرضية تحقيق محصول حبوب متوسط قدره 55 مليون قنطار”، راصدا في المقابل انتعاش “النمو غير الفلاحي”، إذ “يُرتقب أن يواصل تحسّنه، متنقِلا من 3,6% في 2023 إلى 3,9% في 2024 و2025، مدفوعا بالخصوص بدينامية الصناعات التحويلية والاستخراجية، وكذا الأنشطة المرتبطة بالسياحة”.
أقرب إلى الواقع
وديع الشحواطي، أستاذ باحث في الاقتصاد بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بتطوان، قال إنّ “توقعات النمو الاقتصادي من طرف بنك المغرب إثر اجتماعه الفصلي الثالث، بحكم أنه قد يتباطأ بنهاية هذه السنة إلى 2.8%، هي قراءة متفائلة، لكنها تبقى أقرب إلى الواقع”، مستحضراً تقارير عالمية ودولية (أبرزها آخر تقارير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية) تؤكد نمو قطاع التصنيع والصناعات الاستخراجية (القطاع الثانوي)، فضلا عن عائدات السياحة والمغاربة المقيمين بالخارج؛ هذا “مقابل قراءات غير متفائلة أجراها البنك المركزي المغربي تتعلق أساساً بظروف المناخ والإنهاك المائي للفُرشات، ما يعني انكماش نمو القيمة المضافة الفلاحية”.
وتابع الشحواطي، مؤكداً “ارتفاع الطلب الداخلي باعتباره عاملاً محدداً أيضا استُند إليه، فضلا عن تطور معتدِل للتضخم الآخذ في الانحسار”؛ ناهيك عن “المعطى الاجتماعي، بارتفاع مطالب فئوية من الأجراء والموظفين قد تُنهك نسبياً المالية العمومية المغربية، وكذا ارتباط الأخيرة بتمويل مشاريع الاستثمارات الكبرى التي يُقبل عليها المغرب ويجب أخذها بعين الاعتبار…”.
كما سجل أستاذ الاقتصاد أن “عدم اليقين الدولي عامل راجح في توقعات النمو المعلَنة؛ فبعد ضبابية مصير الحرب الروسية الأوكرانية برَز استمرار ‘حرب غزة’ لعام كامل، زادَها التوتر العسكري بين حزب الله اللبناني وإسرائيل ضبابية أكثر بخصوص مآلاتها وتطوراتها المتسارعة”، خاتما بأن “اللايقين يخيّم ليس فقط على المناخ وتقلباته، بل أيضا على السياق الاجتماعي الداخلي، في ظل توترات جيوسياسية وعسكرية قد تعود بنا إلى دوامة التضخم”.
عاملان أساسيان
يرى رشيد ساري، محلل اقتصادي، أن “معدلات النمو الاقتصادي السنوية في المغرب رهينة، بالضرورة، بعاملين أساسيَيْن: أولهما القيمة المضافة الفلاحية في علاقتها بالمناخ، والثاني هو القيمة غير الفلاحية التي سُجل تحسنها بإيجابية”.
ولفت ساري الانتباه خلال تحليل إلى أن “القيمة الفلاحية لسنة 2024 كانت سالبة في حدود 7% قبل أن تتحسن في غضون العام المقبل إلى 8.6% مع محصول حبوب متوسط حسب توقعات بنك المغرب”، مسجلا “اقتراب توقعات النمو لسنة 2025 بفارق طفيف مما قد تتوقعه الحكومة في مشروع مالية 2025”.
“لا يمكن أن تكون لدينا توقعات نمو جيدة إذا لم تكن لدينا قيمة مضافة مرتفعة فلاحياً”، يورد رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، معتبرا أن “نسبة نمو متوقعة لسنة 2024 في حدود 2.8 في المائة مخالِفة لما كان جاء به قانون مالية السنة الجارية، أي تحقيق 3.7 في المائة، وهو أمر ناتج أساساً عن عامل التقلبات المناخية الذي طالما شدد عليه بنك المغرب والوالي الجواهري”.
في سياق متصل استحضر ساري تصريح الجواهري في ندوته بأن “التوقعات تُبنى أساساً على عامل اللايقين الذي يَستلزم التروي والتريث، سواء بالنسبة لمؤشرات ماكرو-اقتصادية وطنية أو دولية”، وقال إن “ما يعتَمِل بالشرق الأوسط قد يرفع سعر النفط إلى فوق 100 دولار أو أكثر في حال احتدام الصراع”.
وختم المتحدث ذاته بأنه “لا يمكن بناء التوقعات بالارتكان فقط إلى عوامل نعيشها محلياً، رغم واقع التغيرات المناخية الذي يفرض نفسه بنسبة تأثير مقدَّرة بين 70 و80 بالمائة، إذ إن 20 إلى 30 بالمائة تؤول إلى اللايقين الخارجي، بما يعنيه من تضخم مستورد وفاتورة طاقية”.
حضور الغموض
أكد إدريس العيساوي، خبير اقتصادي، فكرة “التلازُم والارتباط الجدلي بين نمو الاقتصاد المغربي الرهين بالظرفية الاقتصادية الداخلية وتطورات الاقتصادات المحيطة به”، غير أنه ذهب في اتجاه ترجيح “كفة تأثيرات السياقات الداخلية، خصوصا في قطاع الفلاحة الذي مازال ذا مكانة مركزية في المنظومة الاقتصادية للمملكة”.
واعتبر العيساوي، أن “التوقعات توضّح بشكل جلي أن المسائل الاقتصادية يكتنفها الكثير من الغموض، وسط محيط جيو-سياسي ملتهب يزيد من درجات اللايقين التي يَعيشها العالم منذ اندلاع حرب أوكرانيا”.
“ما ذهب إليه بنك المغرب حول توقعات النمو الإجمالية يبقى محكومًا بتطورات الظروف المناخية (القطاع الزراعي 14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للبلاد إلا أن له ارتباطات أفقية وفي المنبع)”، يؤكد المحلل ذاته، خاتما بأن “تضافر العوامل الخارجية والداخلية يؤثر بشكل حاسم في رسم تكهنات وتوقعات البنك المركزي المغربي في هذا الفصل الثالث، ويعطي إشارات إلى تطور الاقتصاد وفق مؤشرات معينة رغم أنه مَسنود بمشاريع كبرى تخص استضافة التظاهرات الرياضية القارية والعالمية”.