تربط توقعات المؤسسات العالمية المتخصصة في الطاقة بين أسعار النفط والطلب الصيني على الخام الذي من المتوقع له أن يشهد انخفاضًا كبيرًا، في ظل الحالة الاقتصادية المتردية التي تشهدها بكين في الوقت الحالي.
وفي هذا الإطار، يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أنه مع استمرار صادرات النفط الإيراني إلى الصين فإن التراجع في الطلب سيكون على حساب الدول الأخرى.
وأضاف: “مشكلة الصين الآن مضاعفة لعدة أسباب، أولها أن الحكومة أدركت الحاجة إلى عملية تحفيز مالي للاقتصاد، لكن هذا التحفيز لكي يعمل ويؤدي إلى نمو اقتصادي يجب أن يركز على قطاعات معينة، وهذه القطاعات موجهة إلى التصدير، خاصة الكبيرة منها”.
ولفت إلى أنه عند الحديث عن السيارات أو ألواح الطاقة الشمسية، فهذه القطاعات تواجه حروبًا تجارية شرسة من أوروبا وأميركا، وتواجه رسومًا جمركية عالية جدًا، ومن ثم لا تستطيع الحكومة الصينية تقديم حوافز مالية إلى هذا القطاع بهدف التصدير.
وأكد الحجي، خلال حلقة جديدة من برنامجه “أنسيّات الطاقة”، قدّمها على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، بعنوان: “أسعار النفط بين إسرائيل والصين”، أنه سيكون على الحكومة التركيز على قطاعات أخرى، ينتج عنها نمو اقتصادي أقل؛ لذا لن يكون هناك نمو كبير وسريع رغم الحواجز المالية.
الوضع الاقتصادي في الصين
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن هناك مشكلات عديدة في الصين، من ضمنها أن كل قيادات الدولة الحالية، سواء السياسية أو قيادات الشركات، نشأوا على مدار 4 عقود في مناخ مليء بالنمو والأموال والتوسع.
وأضاف: “كل ما تعرفه هذه القيادات هو النمو والتوسع، والآن يواجهون مشكلة لم تحدث من قبل في حياتهم، ولا أحد منهم لديه خبرة فيها نهائيًا، ومن ثم يحدث كثير من الارتباك، وهذا خطر على الصين وعلى دول الخليج وعلى الاقتصاد العالمي ككل”.
الطلب على النفط في الصين
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن الأيام الأخيرة بدأت تشهد بعض الارتباك والتخبط في السياسات، وهو أمر ناتج عن عدم الخبرة؛ لأن الصينيين لم يمروا بهذه المرحلة من قبل، ومن ضمن هذا التخبط أنهم يطالبون الصينيين في الخارج بإعادة أموالهم إلى البلاد، وفرضوا ضرائب على ثروات الأغنياء، وما يحدث هو بداية تدهور، وليس إشارة جيدة على الإطلاق.
ونتيجة عدم الخبرة، وفق الحجي، سيكون هناك هروب لرؤوس الأموال، ستكسب منها الولايات المتحدة تحديدًا، لكن الإشكالية الكبيرة التي قد تتأثر بها دول الخليج هو أن تتبنى القيادة الصينية سياسات سيئة نتيجة عدم الخبرة في حال الركود الاقتصادي، ومن ثم العودة إلى العقلية الشيوعية القديمة، وهذا سيكون سيئًا للصين وللاقتصاد العالمي ككل.
ولفت إلى تقرير لوكالة بلومبرغ تحدّث عن وعد الرئيس الصيني بعدم تمويل أي مشرعات للطاقة الكهربائية المولدة بالفحم في أي دولة في العالم، وهو كلام قديم منذ 2022، وتقول بلومبرغ إن الصينيين كذبوا؛ لأن هناك 27 مشروعًا حول العالم تعمل بالفحم وتموّلها الصين.
الفحم في الصين
وتابع الدكتور أنس الحجي: “أعتقد أن تقرير بلومبرغ خاطئ تمامًا، لأن ما قصدته الصين في 2022 هو المشروعات الجديدة التي لم تبدأ، ولكن أي شيء كان مخططًا له أو في مرحلة التنفيذ أو مرحلة الاستثمار سيُطبق على كل الحالات”.
هل يؤثر التحفيز الصيني في أسعار النفط؟
طرح خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي سؤالًا بشأن إمكان أن يؤثر التحفيز الاقتصادي الصيني في أسعار النفط، إلا أنه أجاب على الفور بـ”لا”.
وفسّر ذلك بأن هذا التحفيز المالي بسيط، لأنه لم يتجه إلى القطاعات الأساسية التي تُسهم في النمو الاقتصادي، لأنها تعاني من مشكلات كبيرة في التجارة الدولية بسبب الحروب التجارية.
أسعار النفط
وأوضح الدكتور أنس الحجي أن هذه الحروب التجارية لها آثار سلبية في كل العالم، وأحد أهم هذه الآثار الناتجة عنها هو التضخم، ليس فقط في أميركا، ولكن في كل أنحاء العالم، وهو ما يؤثر بدوره في أسعار النفط.
وتابع: “الإشكالية الأكبر في الحروب التجارية أن هناك في منطقة الشرق الأوسط -حتى كما ذكرت سابقًا- انعكاسات لها، إذ إن موضوع البحر الأحمر ومشكلات الحوثيين وضرب السفن، كلها جزء من الحروب التجارية”.
ولفت إلى أن ما يؤكد هذه الرؤية، أنه إذا انتهت الحرب في غزة، لن يتوقف الحوثيون عن ضرب السفن، ما يؤكد أن الضرب كان جزءًا من حرب تجارية وليس متعلقًا بمشكلات المنطقة والحرب في غزة.
وأكد أن ما يجب تذكره هو “لو نظرنا إلى توزيع البوارج الحربية وحاملات الطائرات في المنطقة وكمية التفجيرات أو الطاقة القتالية لها، نجد أنها يمكنها تدمير بلد كامل، فهي أكبر من الحوثيين بعشرات المرات، ولا يمكن القول إنها كلها موجودة لحماية خطوط الملاحة فقط، لأن الحوثيين يضربون السفن بين الحين والآخر”.
هجمات الحوثيين وحرب غزة
وأشار الدكتور أنس الحجي إلى أن عدد البوارج الموجودة في المنطقة هائل، ولكن من يسيطر على البحر الأحمر يسيطر على التجارة العالمية، خاصة تجارة الصين والهند وروسيا واليابان وأوروبا والشرق الأوسط بكل بساطة.
وأردف: “الوجود الأميركي هناك كبير جدًا، لدرجة أنه أكبر بكثير من موضوع الحوثيين، ونجد أنهم موجودون هناك بكثافة، ومع ذلك ما زال الحوثيون يضربون السفن، لأن المستفيد الوحيد من كل تغير في اتجاهات التجارة الدولية هو الولايات المتحدة”.
وشدد الحجي على أن الولايات المتحدة ستستفيد على المدى الطويل، لأنها ستضمن أسواق الغاز في أوروبا لعقود مقبلة، نتيجة هذه التغيرات، إذ إن هناك تغيرات كثيرة وهذه واحدة منها، وفرض الضرائب الجمركية العالية على المنتجات الصينية يُعد جزءًا مكملًا لما يحدث في البحر الأحمر.