على الرغم من نفي عدي شجري، رئيس لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، الأنباء المتداولة بخصوص تداول اللجنة إمكانية إعادة إحياء مقترح قانون لحظر تطبيق “تيك توك” خلال الدخول البرلماني المقبل؛ فإن هذه الأنباء أعادت إلى الواجهة نقاشا قديما متجددا حول مدى قدرة المغرب على القيام بهذه الخطوة، التي يراهن عليها مغاربة لمحاصرة المحتويات المخلة بالحياء العام والتافهة “الرائجة” داخل التطبيق والتي تسيء إلى صورة البلاد في نهاية المطاف.
وفيما أوضح خبير في التسويق الرقمي والتطوير المعلوماتي أن سن النص التشريعي المذكور يبقى أمرا صعبا بالنظر إلى “الرسائل السياسية والاقتصادية التي تتلقاها الصين من منع “تيك توك”، الذي يجني مبالغ مالية مهمة من إعلانات الشركات المغربية”، مغتنما المناسبة للتنبيه إلى أنه “بمنطق اللوغاريتمات، فإن تلقي المحتوى السلبي أو الإيجابي هو حصرا نتيجة اختيار المستخدم”، رفض مدافعون عن حرية الإعلام والتعبير الحديث من الأساس عن “المنع لكونه انتقائيا وتضييقا على حرية الرأي والتعبير”، معتبرين “الرهان على هذه الخطوة لمحاربة المضامين الرقمية غير الأخلاقية لن يكون مجديا؛ لأن هذه المضامين متداولة في باقي المنصات”، وهو ما يتطلب “تبني مقاربة شمولية تجمع بين التنقيب عن الجذور المجتمعية لانتشار هذه المضامين والتنسيق مع الدول العربية والإفريقية لمواجهة الاكتساح الرقمي الصيني والأمريكي على السواء”، حسب تعبيرهم.
قرار صعب
قال حسن خرجوج، خبير في التطوير الرقمي، إن “إقدام المغرب على حظر “تيك توك” صعب جدا، بالنظر إلى مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية المتداخلة؛ فعلى المستوى السياسي، يعني إقرار أي نص تشريعي لحظر هذا التطبيق، مبدئيا، وجود رغبة في خلق أزمة سياسية مع دولة الصين التي تأخذ النقاش بشأن هذا الحظر في مجموعة من الدول على محمل الجد، وتراه استهدافا مباشرا لها ولأمنها القومي”، مضيفا “من غير المتصور أن يقامر المغرب بعلاقته مع هذه الصين فقط لأن فئة قليلة تنادي بقرار الحظر”.
وأضاف الخبير في التطوير الرقمي والمعلوماتي، أنه “على المستوى الاقتصادي، يعني الحظر محاولة لضرب المصالح الاقتصادية للصين؛ فتطبيق “تيك توك”، الذي يضم ما يصل إلى 22 مليون مستخدم مغربي، يربح مئات ملايين الدولارات سنويا كعوائد إعلانات الشركات المغاربة على المنصة “، مشيرا إلى أن “هذه ثروة كبيرة لا يمكن للشركة المالكة للتطبيق أن تتخلى عنها بين عشية وضحاها”.
واعتبر الخبير في التطوير المعلوماتي، أن “الدفع بانتشار المحتويات السلبية والتافهة على التطبيق الصيني للدعوة إلى حظره لا يستقيم، لأن كيفية عمل لوغاريتمات “تيك توك” واضحة؛ فهي تعتبر أن مشاهدة المستخدم لمقطع فيديو أو ريلز ما هو دليل على اهتمامه بمحتواه، وبالتالي تقترح عليه فيديوهات شبيهة”، مضيفا: “التطبيق هو، في النهاية، بمثابة سوق يضم الصالح والطالح من المحتويات ويمكن للمستخدم أن ينتقي منها ما يريد، وبناء على هذا الانتقاء يقدم له “تيك توك””.
“خيار انتقائي”
متفاعلا مع الموضوع ذاته، اعتبر محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير “حاتم”، أن “الحديث عن حظر “تيك توك” لوحده ينطوي على ممارسة نوع من الانتقائية؛ لأن التطبيق الصيني شأنه شأن باقي منصات التواصل الاجتماعي الأخرى المستخدمة من لدن المغاربة، تُتداول داخله محتويات هادفة وجيدة وأخرى هدامة؛ غير أن التفكير في محاصرة هذه الأخيرة عبر الحظر أو المنع يبقى غير مُجدٍ بتاتا”، مضيفا: “نحن في منظمة “حاتم” دعونا إلى التعامل مع التطبيق، الذي يبقى مجرد وسيط، بطريقة شمولية”.
وشدد العوني، على أن “الحظر ليس خيارا ناجعا؛ لأنه ينافي من جهة حرية الرأي والتعبير، ومن جهة ثانية فإن مجابهة المحتويات غير الأخلاقية التي تروج داخله أو في غيره من الوسائط الرقمية لا يمكن أن تنجح في ظل عدم وجود تربية على وسائل الإعلام الجديد ودون حد أدنى من بناء مجتمع المعرفة مما يعني تظافر جهود عدة قطاعات ومؤسسات “.
وفي هذا الصدد، أكد الفاعل المدني ذاته أن “حماية المغاربة من خطورة هذه المحتويات تتطلب أولا بلورة استراتيجية وطنية مفتقدة في الإعلام والتواصل واحترام المؤسسات لحق المواطنين في الحصول على المعلومات، وثانيا تستلزم ضمان توسيع حرية التواصل الرقمي لكي يتمكن المواطن من الوصول أكثر إلى المحتويات الهادفة المتصلة بقضايا داخل الوطن”.
وسجل المتحدث أن “المغرب لا يملك، مبدئيا، الوسائل الكفيلة بحظر هذا التطبيق أو غيره من الوسائط الرقمية”؛ إلا أنه بين أن “محاصرة التحديات التي تطرحها محتوياته ممكنة إذا ما عملت الدولة على التنقيب في جذور هذه التحديات بالانفتاح على مختلف المتدخلين كصناع المحتوى والإعلاميين ونساء ورجال التعليم”، مردفا: “من جهة أخرى، فإن هذه التحديات تتطلب من المغرب التنسيق والتحرك بشكل جماعي رفقة الدول العربية أو الإفريقية، بما يضمن الاستفادة من تجارب الدول الأوروبية التي قامت بخطوات جماعية للتعامل مع تحديات الاكتساح الرقمي الأمريكي والصيني، ليس على مستوى الجوانب التقنية فقط، بل أيضا في الجوانب المتعلقة بالمضمون، وتحديدا على مستوى صناعة محتويات ملائمة لحاجياتها السياسية والثقافية”.