الملياردير السعودي محمد حسين العمودي، المالك السابق لمصفاة “سامير”، يواصل تحركاته لتنفيذ الحكم الصادر عن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) ضد المغرب، رغم أن النزاع القانوني الطويل يكشف جوانب خفية تتصل بتلاعبه بقواعد التجارة الدولية.
ما يبدو كأنه محاولة لاسترداد حقوقه يخفي استغلالًا غير أخلاقي للنظام التجاري العالمي، إذ قاد العمودي المصفاة إلى حافة الإفلاس نتيجة سياساته الإدارية الفاشلة وعجزه عن الوفاء بالتزاماته تجاه المغرب. بعد صدور حكم ICSID في يوليو 2024، والذي منح “كورال المغرب القابضة” (التابعة للعمودي) تعويضًا قدره 150 مليون دولار، بدأ الملياردير السعودي بالضغط لتنفيذ الحكم بسرعة، رغم أنه يمثل نسبة ضئيلة مقارنة بالمبلغ الذي طالب به سابقًا، وهو 2.7 مليار دولار. المسألة هنا تتجاوز مجرد التعويض المالي، حيث يسعى العمودي لاستغلال المنظومة القانونية الدولية للحصول على أموال من دولة تضررت اقتصاديًا بسبب إدارته السيئة.
تصفية المصفاة، التي أعلنتها السلطات المغربية في عام 2016 بعد تراكم ديونها لتبلغ نحو 45 مليار درهم (4.5 مليارات دولار)، كانت نتيجة مباشرة لسوء إدارة العمودي للشركة. واليوم، وبعد انهياره اقتصاديًا في المغرب، يحاول الملياردير تعويض خسائره عبر التحكيم الدولي، مستهدفًا دافعي الضرائب المغاربة الذين تحملوا عبء فشل عمودي وإدارته المالية غير الرشيدة.
في الواقع، تعود جذور القضية إلى عام 1997 عندما خُصخصت “سامير” واستحوذت عليها شركة “كورال المغرب القابضة”. آنذاك، تعهد العمودي بتنفيذ استثمارات كبيرة لتطوير المصافي، بما في ذلك إنشاء وحدة تكسير هيدروجيني في المحمدية وتحديث مصفاة سيدي قاسم، بكلفة إجمالية تصل إلى ما بين 6 و7 مليارات درهم. ومع ذلك، بدلاً من الوفاء بهذه الالتزامات، انتهج سياسات إدارية كارثية أدت إلى الإفلاس، ومنها الاستدانة المفرطة وسوء التسيير.
تفاقمت الأمور عندما لجأ العمودي إلى تكتيكات تعرقل جهود إنقاذ المصفاة، مثل تجميد أي حلول قانونية لإعادة تشغيلها وتقديم دعاوى تحكيمية ذات مطالب خيالية. يستند على مماطلة وعرقلة التحركات الحكومية المغربية لجذب مستثمرين جدد أو تحقيق حل دائم لهذه الأزمة التي تؤثر على الأمن الطاقي الوطني.
إقرأ ايضاً
الحكومة المغربية رفضت منذ البداية مطالب العمودي التعويضية البالغة 2.7 مليار دولار، معتبرة أن الأسباب الجوهرية لانهيار “سامير” تُعزى إلى سوء إدارة العمودي نفسه وليس لأي تدخل رسمي مغربي. علاوة على ذلك، سعت الرباط إلى الطعن القانوني في الحكم الصادر ضده عبر آليات تتيح تعليق التنفيذ، وهو ما تحقق في ديسمبر 2024 من خلال إجراءات الإلغاء المقدمة أمام ICSID.
يعكس موقف المغرب الحازم حرصه على حماية مصالحه الاقتصادية ورفضه الوقوع ضحية لاستغلال قوانين التجارة الدولية من قبل مستثمرين يبحثون عن مكاسب غير مشروعة. ليست القضية مجرد نزاع مالي بل أزمة تمثل اختبارًا لسيادة المغرب وإصراره على التصدي لأي محاولات للابتزاز المالي، خصوصًا من أطراف تسببت بشكل مباشر في الأزمة منذ بدايتها.
في عمق هذه القضية، يظهر التناقض بين ادعاء العمودي حقوق المستثمرين الدوليين ومسؤوليته الأبرز في انهيار المصفاة. بينما تعمل الحكومة المغربية بجد لإيجاد حلول عملية لإنقاذ هذا المشروع الاستراتيجي، يصر رجل الأعمال السعودي على فرض نظام تحكيم دولي يبرز ازدواجية المعايير المتبعة في التجارة العالمية.
اليوم، المغرب يبقى ثابتًا في موقفه أمام المؤسسات الدولية، مدافعًا عن مصالحه الوطنية ورافضًا أي محاولة لاستغلاله ماليًا. أما بالنسبة للعمودي، فإن محاولاته المستمرة لن تغير واقع مسؤوليته عن تحويل “سامير” من مشروع طموح إلى أزمة عالقة تسبب فيها سوء إدارته وممارساته غير المسؤولة.
