أمال كنين
سوق مفتوحة للجميع، معروضات من مختلف الأنواع والأشكال، منها الممنوع والمسموح، المرغوب وغير المستحب، مجال واعد مليء بالتحديات والمخاطر.. التجارة الإلكترونية غزت الشبكة العنكبوتية وربطت الزبائن بخيوطها.
فتحت التجارة الإلكترونية آفاقا واعدة لشباب كثر بالمغرب، أنقذت العشرات من البطالة، وأغنت آخرين، رغم أنها لا تزال في بدايات الطريق، وتحتاج تجويدا أكثر، وأول خيوط هذه التجارة ينطلق من العاملين بها.
في إحدى المجموعات المشتغلة بالتجارة الإلكترونية، شرح مديرها محمد الغيساني أن التجارة الإلكترونية هي “تجارة عادية أضفنا إليها e، أي تجارة بيع وشراء المنتجات والخدمات عبر الإنترنت”، مشيرا إلى أن هذه التجارة “في المغرب فتحت آفاقا لكثير من الشبان والفتيات لمزاولة هذه المهنة بحكم أنها مهنة جديدة دخلت المغرب قبل خمس سنوات”.
الممنوع والمسموح
من خلف الشاشات تبدأ عملية التسوق، في سوق مفتوحة على مصراعيها، ومثلما توفر ما هو قانوني هناك أيضا ما هو عكس ذلك. البداية كانت بإجراء بحث بسيط: النبش في مواقع وصفحات مخصصة للتجارة يظهر أن الممنوعات متوفرة أيضا.
اخترنا نموذج منتج يتم تسويقه على أساس أنه أعشاب للإقلاع عن التدخين أو مهدئ للأعصاب، لكن الواقع أنه نوع من المخدرات التي يدمن عليها الإنسان بسرعة.
و بالتواصل مع إحدى العلامات التي توفر هذا المنتج، وبالفعل توصلنا به. وعند فحصه، ظهر أنه مخدر خاص، وأنه إدمان من نوع جديد. وأشار المختصون إلى أنه بمثابة “ماريخوانا مغربية”.
إذا كان هذا المنتج يتم تصنيعه في المغرب، فمنتجات أخرى تدخل البلاد من الخارج، سواء تعلق الأمر بالمخدرات أو أشياء أخرى. حين استفسارنا عددا ممن تعاطوا واحدا من المخدرات الصلبة، أكدوا جميعهم أن اقتناءه يتم من خلال ما يسمى “الدارك ويب”.
ليست المخدرات هي الممنوعات الوحيدة التي يتم تداولها عبر الأسواق الإلكترونية، فهناك أشياء أخرى من قبيل الأسلحة وبعض الأدوية وغيرها.
كما تم التواصل مع إدارة الجمارك للتعرف على سبل مراقبة كل ما يدخل البلاد من منتجات، لكن سؤالنا قوبل بالرفض.

بهذا الخصوص، قال الغيساني إن “حماية المستهلك هي عمل عدد من المؤسسات، بداية من إدارة الجمارك، التي تكون أحيانا سببا في كون عدد من المنتجات الممنوعة تدخل البلاد”، مضيفا: “نلاحظ أن هذه الإدارة تقوم بعملها، إلا أن هذه المنتجات تدخل كما هو الحال في عدد من البلدان حتى المتقدمة منها”.
وأبرز الغيساني أهمية “التوعية والتحسيس” في هذا المجال، داعيا المستهلكين إلى الاطلاع على القانون رقم 31.08 الخاص بحماية المستهلك.
وتابع قائلا: “نلاحظ أن هذا القانون غير مفعل لكون المستهلك لا يعرفه، ولو أن هناك اليوم عمل مؤسسات المجتمع المدني التي تحاول الترويج له وتعريف المستهلك به”.
ترويج الأدوية والمكملات الغذائية
من بين أخطر ما يتم تداوله للبيع على صفحات التواصل الاجتماعي، مكملات غذائية وأدوية تأثيرها خطير على الصحة، مثلما حدث لحسن القليعي، أحد الضحايا هذا المستهلك اقتنى دواء تم إيهامه بأنه يساعد في تحسين السمع، إلا أن الأمر كان غير ذلك.

قال القليعي، إنه يعاني من ضعف السمع منذ سنوات طوال، وفي الفترة الأخيرة بدأ يظهر له على شاشة هاتفه إشهار لدواء يوهم الناس بأنه يحسن السمع، مضيفا: “قمت بطلب هذا الدواء، وحين اتصالي بالبائعين اقترحوا عليّ أن أقتني ثلاث علب عوض واحدة، وهو ما قمت به بالفعل، إلا أنه بعد توصلي بطلبي وجدت أن الأمر يتعلق بدواء غير موضحة معلوماته، فالكتابة فوق العلبة لا تظهر إطلاقا”.
تناول القليعي ثلاثة أقراص، وبعدها بدأ يحس بأعراض جانبية من قبيل ألم الرأس والدوران، فتوقف عن تناول الدواء وقام بوضع شكاية لدى إحدى الجمعيات الخاصة بحماية المستهلك، التي بدورها قامت بمراسلة وزارتي الصناعة والصحة، إلا أنها لم تتلق أي رد إلى حدود كتابة هذا المقال.
وقال مصطفى المايا، رئيس جمعية حماية المستهلك بسلا عضو الجامعة الوطنية لحماية المستهلك: “استقبلنا شكاية المواطن، وذهبنا إلى حيث مقر موزعي هذا الدواء ليتبين أنه مقر وهمي. راسلنا وزارة الصناعة التي بدورها طلبت مراسلة وزارة الصحة، لكن دون أي نتيجة تذكر”.

شكايات متعددة وأضرار كثيرة
أكد المايا أن جمعيته تتلقى شكايات عديدة مرتبطة بالتجارة الإلكترونية، ملقيا الضوء على فئات لا ترغب في سلك المسطرة القانونية، على رأسها أولئك الذين يقتنون أدوية العجز الجنسي، قائلا: “عديدون يقبلون علينا للاشتكاء شفهيا فقط دون الرغبة في سلك المسطرة القانونية خوفا”، مشيرا إلى أن “هؤلاء يحدث لهم ضرر كبير، ولكن يفضلون الصمت”.
و بالتواصل منصة معروفة على الصعيد الوطني للتجارة الإلكترونية لطرح سؤال حول إمكانية المراقبة، وأكد العاملون أن المصداقية أمر ضروري لكسب الزبائن.
في هذا الإطار، قال بدر بوسليخان، المدير التنفيذي لمنصة “جوميا”، إن “مصداقية المنتجات في المنصة من أولوياتنا، إذ لدينا طاقم مكون من 25 شخصا يشتغلون على مراقبة المنتجات المعروضة على منصتنا بطريقة مستمرة، وهي مسألة مهمة لمصداقيتنا أمام زبائننا”.

وأضاف بوسليخان: “نعمل مع السلطات المحلية والمختصة بحماية المستهلك بالمغرب، ونركز أيضا على البضائع التي تعاد من قبل زبائننا من أجل التحقق من أمور ربما لا تظهر لنا في أول الأمر”، ناهيك عن أن “المنتج إذا لم يعجب الزبون فله الحق في أن يعيده”.
وشدد المتحدث على أن “البيع في العالم الرقمي لا يختلف عن البيع العادي في الحياة الواقعية، إذ إن هناك بعض الشركات لها مصداقية وجدية وهناك شركات أخرى عكس ذلك، وهي أول نصيحة يمكن توجيهها للمستهلك، فإذا ما أراد الشخص شراء شيء عبر الإنترنت فعليه العمل على انتقاء منصة معروفة ولها تجربة في السوق المغربية”.
وشدد بوسليخان على ضرورة أن “تعمل المنصات الرقمية على تطوير الشبكة اللوجستية، ليعرف الزبون مصدر البضائع التي يتوصل بها”، موردا: “في المغرب يجب القيام بعدد من المشاريع لتحسين الثقة بين الزبون والمنصات”.
تطور التجارة الإلكترونية
عرفت التجارة الإلكترونية تطورا ملحوظا، خاصة بعد جائحة “كوفيد-19″، التي سهلت على المقاولات الصغرى والناشئة الولوج إلى الأسواق العالمية، وقد حققت رقم معاملات سنة 2022 يفوق 21 مليار درهم، وهي تساهم بـ 1 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وحققت نسبة نمو تفوق 30 بالمائة خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما عرف الأداء الإلكتروني تطورا وحقق سنة 2022 رقم معاملات يناهز 9.6 مليارات درهم، بنسبة نمو تفوق 24 بالمائة. زيادة على أن عدد المحافظ تطور بشكل كبير، إذ بلغ سنة 2021 أزيد من 6.3 ملايين محفظة إلكترونية تحقق رقم أعمال يفوق مليار درهم.

وقال عادل كرامة، رئيس قسم برامج دعم الفاعلين بوزارة الصناعة والتجارة، إن “الحكومة تعمل على خلق الظروف اللازمة لتطور التجارة الإلكترونية عبر وضع إطار قانوني ملائم يغطي جميع الجوانب في هذه المنظومة، نذكر بالخصوص مدونة التجارة والقانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، بالإضافة إلى جوانب أخرى كالأمن السيبراني وحماية المعطيات الشخصية وتنظيم المعاملات الإلكترونية”.
وتابع: “كما قامت الوزارة بإطلاق المنصة الوطنية لرقمنة التجارة mrtv بشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التقنيات ومؤسسة المكتب الوطني الشريف للفوسفاط لمواكبة المقاولات الناشئة التي تقدم حلولا مبتكرة في مجال التجارة، وعقدت أيضا شراكات واتفاقات مع قاطرة التجارة الإلكترونية بالمغرب من أجل مواكبة قاطرة التجارة ببلادنا، وخصوصا التجار الصغار”.
وشرح المتحدث أن “هذه المنصات تقوم، بشراكة مع غرف التجارة والصناعة، بتكوين التجار في أساسيات التجارة الإلكترونية ليكتسبوا المهارات الرقمية اللازمة للبيع عبر الإنترنت واستعمال المنصات الرقمية”.
وحسب المسؤول ذاته، تم إلى حدود اليوم تكوين أكثر من 100 تاجر، وسيتم تكوين 500 آخرين بمتم هذه السنة. أما فيما يخص إدراج التجار داخل المنصات الرقمية، فقد تم إلى حدود اليوم إدراج أكثر من ألف تاجر يمارسون أنشطة تجارية مختلفة.
أضرار خطيرة
مقابل الجهود المبذولة من أجل تطوير مجال التجارة الإلكترونية، لا بد من توعية البائعين وأيضا المستهلكين حول ما يمكن عرضه، وكذلك ما لا يمكن شراؤه من الإنترنت، خاصة كل ما يمكنه أن يؤذي صحة الإنسان إذا لم يستجب للشروط الضرورية. فمثلا، عدسات العين حتى وإن كانت للزينة قد تكون لها عواقب وخيمة قد تصل إلى العمى، مثلما حدث لأسماء لمرشق، الضحية والتي استخدمت عدسات لاصقة كلفتها الشيء الكثير وكادت تطفئ نور عينيها لولا تدخل طبي عاجل.

وقالت سيرين عبد الرزاق، طبيبة العيون المشرفة على حالة أسماء، إن “العدسات هي مستلزمات طبية لها قواعد استعمال خاصة، عدم اتباعها يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة”، مبرزة أن “الاستعمال الخاطئ للعدسات الطبية له تأثير مباشر على الصحة البصرية، فقرنية العين تضم أكبر عدد من الشعيرات البصرية، وبالتالي وضع عدسات لاصقة غير ملائمة عليها يمكن أن يؤدي إلى مراحل متقدمة لفقدان البصر”.
وأفادت رزقي بأن “طريقة البيع غير المباشرة تطرح مشاكل كثيرة حينما يكون المنتوج له ارتباط بالصحة الجسدية”، متسائلة: “من يتحمل المسؤولية في بيع منتجات لها علاقة بالصحة على الإنترنت؟ فمثلا، حينما أقدم وصفة طبية أتحمل مسؤوليتها، وأيضا الصيدلاني، لكن حين الاقتناء عبر الإنترنت لا يوجد من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة”.

شكايات متعددة
تلقت وزارة الصناعة والتجارة مئات الشكايات المرتبطة بالتجارة الإلكترونية، كما حررت محاضر مخالفات لبائعين تمت إحالتها على النيابات العامة المختصة، وأنذرت عددا من المواقع المتخصصة في التجارة الإلكترونية بسبب ممارسات مضللة.
وقال عادل كرامة، رئيس قسم برامج دعم الفاعلين بوزارة الصناعة والتجارة: “بغية تعزيز ثقة المستهلك في منظومة التجارة الإلكترونية، تقوم الوزارة، بشراكة مع فيدرالية حماية المستهلك، بالعديد من الحملات التحسيسية حول مخاطر البيع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك السلوك الآمن والمثالي للتسوق عبر الإنترنت”.
وأضاف: “قامت الوزارة بإنشاء خلية لمراقبة المواقع التجارية الإلكترونية في ظل مقتضيات القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، وتستقبل شكايات المواطنين عبر البوابة الرقمية: [خدمة المستهلك بوان إم أ]، حيث تتم معالجة الشكايات ذات الطابع التعاقدي بشراكة مع جمعيات حماية المستهلك. أما الشكايات المتعلقة بالطابع القانوني، فتتم معالجتها في إطار خلية مراقبة المواقع التجارية الإلكترونية”.
في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنه تمت مراقبة أكثر من 600 موقع تجاري إلكتروني منذ 2016 أسفرت عن إرسال أكثر من 450 رسالة إنذارية إلى الفاعلين في هذا الميدان تحثهم على الالتزام بمقتضيات قانون حماية المستهلك، وتم تحرير أكثر من 40 محضر مخالفة تمت إحالتها على النيابات العامة المختصة في إطار الحالات التي لم تمتثل لهذا القانون، كما تمت معالجة أكثر من 300 شكاية متعلقة بالمواقع الإلكترونية منذ 2020.
مقتضيات جديدة
لا تزال الطريق نحو ممارسة أفضل لمجال التجارة الإلكترونية طويلة جدا، وتسهر الحكومة على تجويد القوانين الحمائية أكثر فأكثر ضمانا لحماية أفضل للمستهلك.
اليوم، يتخذ تطوير التجارة الإلكترونية مسارا متسارعا للغاية؛ فداخل قبة البرلمان يُناقش مشروع قانون مالية العام المقبل الذي يقترح تشديد إجراءات فرض الضريبة على العاملين بهذه التجارة، والانتقال من التصريح الاختياري عبر منصة رقمية إلى الاقتطاع من المنبع، وهو إجراء يتوقع أن يدر على خزينة الدولة حوالي ثلاثمائة مليون درهم العام المقبل.
مؤسسات وطنية هي الأخرى فرضت إجراءات جديدة في هذا المجال، من قبيل مجلس المنافسة الذي اقترح إجراء آخر لتسهيل المعاملات التجارية عبر الإنترنت.

وفي هذا الإطار، قال أحمد رحو، رئيس مجلس المنافسة، إن “تطوير الرقمنة هو ورش من الورشات الملكية له أهمية قصوى لدعم نجاعة الاقتصاد بشكل عام، يقوم بتسهيل المعاملات التجارية ويوفر خدمات عدة للمستهلكين وزبائن هذا النوع من الخدمات”، مشددا، على “حدوث تطور مهم جدا للخدمات على مستوى المنصات الرقمية، بما فيها التجارة مباشرة، وخدمات عدة، منها الخدمات التي توفرها الدولة”.
وتحدث رحو عن الإجراءات التي قام بها المجلس لتطوير هذا المجال، قائلا: “ما قام به مجلس المنافسة في الأشهر الماضية هو التدخل في نطاق محدود، وهو كلفة الخدمات حينما يكون لها أداء”.
وشرح بالقول: “عند الطلب عن بعد، يكون الأداء أحيانا عند تسليم البضاعة أو الخدمة، وفي بعض الأحيان هناك خدمات يتم تسليمها من بعد الأداء، هنا لاحظ المجلس أن هناك اقتطاعات تنضاف على مبلغ الفاتورة”.
وأوضح أن “المجلس تدخل اعتبارا لأن هذا عائق لتقدم الرقمنة التي تسهل الأمور ليس على المستهلك والزبون فقط، ولكن على الشركات المعنية بالأمر، وبالتالي ليس عليها أن تضيف مبالغ إلى مصاريف الزبون”.
وفسر رحو أن “مجموع الأداءات بلغت ملايين الفاتورات، وبالتالي مئات ملايين الدراهم في السنة، حوالي 400 إلى 500 مليون درهم في السنة من هذه الإضافات، ناهيك عن أنه بالنسبة للزبون كان سابقا هذا المبلغ ضئيلا لكن اليوم باتت الفواتير أكثر وبالتالي المبلغ أكبر، والأولى أن هذه المبالغ تنضاف إلى جيوب المواطنين”.
وأكد رحو أن جميع الشركات من المنتظر أن تلغي هذه التعريفة انطلاقا من 2024، موردا: “إذا نجحت العملية يمكن القول إنه في العام المقبل ستصبح مئات ملايين الدرهم كقدرة شرائية للمواطنين”.
كأي مجال جديد، لا بد من نجاحات وإخفاقات في التجارة الإلكترونية، وتبقى المراقبة والتوعية شرطين أساسيين لا بد من أخذهما بعين الاعتبار حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.

عذراً التعليقات مغلقة