لم يفلح التطور الذي سجل في العلم والطب واتساع مدارك الناس وحملات السلطات الأمنية ومحاضرات علماء الدين في اختفاء مدعي السحر والشعوذة وترويض الجن؛ وهو ما يزيد يوما بعد يوم من ارتفاع حصيلة ضحايا بعض المشعوذين والنصابين الذين يخلطون الدين بالخرافة والعلم بالأسطورة.
وكشف مهتمون بهذا الموضوع، أن ظاهرة الشعوذة والنصب تنتشر يوما بعد يوما، وخاصة في زمن الأزمات، عبر خلط الدين بالخرافة، مؤكدين أن الظاهرة ليست وليدة اليوم؛ بل هي ظاهرة قديمة، لافتين إلى أن بعض المشعوذين والنصابين أصبحوا يطورون الطرق المستعملة للإيقاع بضحاياهم.
وأجمع عدد من المرشدين الدينيين مشكل انتشار وتزايد ظاهرة الشعوذة والنصب وادعاء ترويض الجن أن هذه الظاهرة كانت دائما مقترنة بتدني المستوى الثقافي والتعليمي والديني والأمية والجهل والانغلاق الاجتماعي.
الشعوذة والنصب
“ومن الجهل ما قتل”، بهذه المقولة بدأ عبد الصمد يحياوي، طالب باحث وفاعل جمعوي من ميدلت، موضحا أن انتشار هذه الآفة راجع بالدرجة الأولى إلى الجهل الديني والفراغ الروحي، مؤكدا أن هذه الظاهرة ليست خاصية مغربية بل هي منتشرة في جميع البقاع الإسلامية وبعض الدول غير المسلمة من ديانات أخرى مثل الهند وغيرها.
ورفض المتحدث ذاته، ربط الظاهرة بالقرى النائية أو بالأوساط الهشة؛ بل هي منتشرة أيضا في المدن وفي الأوساط البورجوازية، مؤكدا أن الظاهرة لا يمكن محاصرتها بالمقاربة الأمنية بل بنشر الوعي الثقافي والشريعة الإسلامية والحملات التحسيسية في وسائل الإعلام.
مرشد ديني في جهة درعة تافيلالت، رفض الكشف عن هويته للعموم، لكونه غير مرخص للإدلاء بأي تصريح من المجلس العلمي المحلي، قال إن المشعوذين والنصابين والعرافين يفرقون البيوت، مضيفا: “كم من شاب عطلوه، وكم من فتاة تسببوا في عنوستها، وكم من عزيمة أبطلوها، وكم من فرح أفشلوه، وكم من حزن نشروه”.
ووصف المتحدث ذاته هؤلاء النصابين والمشعوذين ومدعين ترويضهم للجن بشياطين الإنس يعملون مع شياطين الجن بالسحر لإلحاق الأذى بالناس وإضرارهم وعرقلتهم في كل أعمالهم التي يسعدون بها بالتقرب إلى الشيطان وعفاريت الجن ومردتهم بالقرابين التي تدخلهم في دائرة الشرك بالله، مضيفا أن كل من يدعي ترويضه للجن لا أساس له من الصحة وهدفه النصب على ضحاياه، ملتمسا من الناس عدم التقرب من هذه الأمور التي تغضب الله عز وجل.
خلط الدين بالخرافة
تعتبر عمليات النصب التي يتعرض لها الإنسان في حياته باسم الدين من أخطر أنواع النصب؛ لأن النصاب يستعمل غالبا الدين من أجل الإطاحة بضحاياه بطرق سريعة وسهلة، ومنهم من يلجأ إلى الدين للقيام بأعمال الشعوذة للوصول إلى هدفه الرئيسي الذي هو النصب.
إقرأ ايضاً
كريمة من إقليم الرشيدية، واحدة من ضحايا النصب باسم الدين، قالت: “تعرضت سنة 2010 للنصب على يد متحدث باسم الله وآياته”، مضيفة: “النصاب المشعوذ كان مخادعا ماكرا يوظف الشريعة السماوية ليوقعك في شراك وحبال خبثه ومكره لتحقيق مآربه الدنيوية الدونية”.
وأضافت المتحدثة ذاتها، وهي تروي قصتها، “كانت لدي مشاكل في الأسرة ونصحتني إحدى السيدات بزيارة فقيه هو بارع في إبطال السحر. وبعد زيارته، كان يكشف لي بعض الأسرار التي تخصني وثقت به، وكنت كل مرة أزوره إلى أن نصب علي في مبلغ مالي مهم. وبعدها، تأكدت أنني كنت ضحية نصب على يد مشعوذ بمساعدة السيدة التي نصحتني (كانت وسطية النصاب المشعوذ)”.
وأوضحت الضحية أن “أسهل طريقة يستعملها المشعوذون النصابة هي خلط الدين بالخرافة، وتشغيل بعض الوسطاء الذين يجلبون لهم الضحايا ويقدمون لهم مجموعة من الأسرار والمعلومات التي يستغلها المشعوذ للإطاحة بالضحية وبشكل سريع”، مشيرة إلى أن هناك آلافا من الضحايا الذين يتعرضون بشكل يومي للنصب والشعوذة؛ لكن يمكن القول إن 99.99 في المائة لا يقدمون شكايات خوفا من الفضيحة والشوهة”.
لقمة سريعة
“الطماع كيقضي عليه الكذاب” جملة تلخص ما يتعرض لها عدد من الناس يوميا من نصب واحتيال على أيدي النصابين والمشعوذين، حيث يلجأ إليهم الضحية من أجل كسب أموال غير مستحقة أو جلب الرزق أو ما شابه ذلك؛ مما يجعله لقمة سائغة بين أنياب هؤلاء “المجرمين”.
وآخر قصة وقعت خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الجاري قضية “الصندوق الذي يسكنه الجن حمو”، حيث كانت امرأة تدعي توفرها على هذا الصندوق ويمكن للجن حمو أن يضاعف الأموال التي توضع فيه، وتمكنت من النصب على أكثر من 60 ضحية في مبالغ تقدر بملايين الدراهم.
وأعادت واقعة الصندوق حمو النقاش حول سر استمرار اعتقاد شريحة واسعة من المغاربة على اختلاف مستواهم الاجتماعي والتعليمي بالخرافات والشعوذة والقدرات الخارقة للجن وكذا قدرات بعض المشعوذين في الوساطة ما بين عالمي الإنس والجن، قبل أن يجدوا أنفسهم في نهاية المطاف ضحايا لعمليات نصب واحتيال أمام أشخاص يرتدون عباءة الدين للاغتناء وكسب الأموال على حساب “سذاجة العوام”.
حليمة الورغي، فاعلة حقوقية بإقليم زاكورة، قالت إن الجميع يتحمل المسؤولية في انتشار هذه الظاهرة والآفة المجتمعية، ليس فقط المشعوذ أو النصاب؛ بل أيضا الضحايا الذين يبحثون عن ربح أموال غير مستحقة هم أيضا شركاء في الجريمة ويجب معاقبتهم أيضا، لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة والمقلقة والتي تشوه صورة المغرب في الخارج.
