مع بقاء أسبوع تقريبا عن حلول عيد الأضحى يسارع المغاربة الزمن من أجل الظفر بكبش يبعد عنهم “الحرج”، ويقربهم من تصورات المجتمع الذي رفع هذه السنة المؤكدة إلى درجة “الفرض الواجب”.

ولا حديث هذه الأيام، سواء بالشارع العمومي أو مواقع التواصل الاجتماعي، إلا عن الأضاحي التي سجلت أثمنتها هذه السنة ارتفاعا ملحوظا، مما يعزوه أهل الحلّ والعقد والمهنيون إلى توالي سنوات الجفاف التي أثرت سلبا على القطيع الوطني ورهنت الاكتفاء الذاتي بالاستيراد.
ويواصل المغاربة بمختلف طبقاتهم الاجتماعية البحث عن الأضحية مهما كلفهم الأمر، فمنهم من اقتنى أضحيته ومنهم من يستمر في البحث عن التي تتناسب مع قدرته الشرائية، متنقلا من سوق إلى آخر ومن معرضٍ إلى آخر، فيما وجد آخرون ضالتهم في الضيعات الفلاحية بفعل “الضمانات التي يقدمونها” بعيدا عن “الشناقة”.

ووقفنا على سير عملية بيع الأضاحي ببعض الضيعات المتواجدة بجماعة عين جوهرة بإقليم الخميسات، الذي يضم ضيعات توفر رؤوس الماشية المخصصة للعيد، سواء الوطنية منها أو الأجنبية التي تم استيرادها في إطار التحفيزات التي قدمتها الوزارة الوصية على القطاع.
إقبالٌ متواصل
من بين الضيعات التي تمت زيارتها ضيعةُ ياسين قبوشي بجماعة عين الجوهرة بضواحي تِيفلتْ. وشرح ياسين للجريدة بعضا من حيثيات هذه الفترة التي تسبق العيد، قائلا إن “هناك اشتغالا طيلة السنة من قبل الكسابة على توفير مختلف الأصناف المحلية التي يقتنيها المواطنون خلال عيد الأضحى، بما فيها البْركي والصردي على وجه الخصوص”.

وأضاف ياسين “المواطنون عادة ما يَقبلون على الضيعات لاقتناء أضحية العيد لكون هذه الفضاءات تقدم الجودة وتحظى بالثقة مقارنة بالأسواق الأسبوعية الشعبية، فضلا عن كونها تقدم خدمات الإيواء والإطعام إلى غاية يوم العيد أو الليلة التي تسبقه”، مشيرا إلى أن “خضوع أغنام الضيعات للمراقبة الطبية الدورية من الأمور التي تحفز المواطنين على اقتنائها”.
وعند سؤاله عن أثمنة هذه السنة رغم إجماع الكل على ارتفاعها، لم ينف “الكساب” ذلك، وربط الأمر مباشرة بغلاء الأعلاف التي يتم تقديمها للمواشي، مضيفا “لقد ارتفعت أثمنة العلف والتبن، فهذا الأخير انتقل ثمن الوحدة منه إلى 27 درهما، بينما كان في السابق لا يتجاوز 13 درهما، في حين ارتفعت التشكيلات الأخرى من العلف إلى 20 في المائة”.
مجهودات لإرضاء الزبناء
غير بعيد عن ياسين، يتوفر “الكساب” هْدي قبوشي بدوره على ضيعة خاصة به. وقد انصب حديثه بالأساس على المقارنة بين السنوات الماضية وهذه السنة. فحسبه، “كانت الأوضاع في السابق في حدود المتوسط، حيث إن وجود العلف والكلأ كان ينعكس بالإيجاب على الأثمنة”.
واستطرد قائلا: “ما يجذب المواطنين إلى الضيعات هي العناية التي يحظى بها القطيع، حيث يتم الحرص على وضع أثمنة تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين”، مشيرا إلى أن “الإقبال موجود طيلة هذه الفترة، ونتوفر بالضيعة على أغنام تتراوح أثمنتها بين 3 آلاف و5 آلاف درهم فما فوق”.
إقرأ ايضاً
ولم يكن “الكساب” المتقدم في العمر مقصِّرا في الثناء على ضيعته ووضعية ماشيته، وأبرز أن “هناك مجهودات يتم القيام بها على مدار العام حرصا على التعامل بما هو أحسن مع المواطنين”، مردفا “حنا كسابة ما شي شناقة”، قبل أن يؤكد “وجود إقبال على الشراء من قبل المواطنين”.
أصناف إسبانية على التراب المغربي
يبدو أن المغاربة ألفوا الأغنام المستوردة، خصوصا الإسبانية منها، التي تتوفر بعدد من مناطق المملكة، حيث لجأ ياسين قبوشي، الذي تحدثت معه الجريدة في البداية، إلى استيرادها من الخارج بعد أن فتحت الوزارة باب الاستيراد أمامه شأنه في ذلك شأن عدد من المستثمرين في القطاع.

ولفت ياسين إلى أن “أثمنة الأغنام المستوردة، خلافا للأغنام الوطنية، تبقى مُناسبة، حيث تتراوح بين 1800 و2200 درهم، وبات المغاربة يقبلون على شرائها بعدما صارت متوفرة بعدد من مناطق المملكة”. وتابع قائلا: “في الأول لم نكن متحفزين لاستيرادها، حيث استوردنا كمية قليلة منها قبل أن نتشجع هذه السنة ونستورد كمية مهمة”.
من جانبه، قال عبد المجيد، وهو من ساكنة المنطقة، إن “ارتفاع الأسعار دفعني إلى اختيار الميرينوس الإسباني، فوضعي المعيشي كمتقاعد لا يسمح لي باقتناء الصنف المحلي”، مضيفا “الصراحة وْلْفْنَا الحولي بكْرُونُو، ولكن هادْ العامْ غاندّيوْ ديال إسبانيا”.

في السياق ذاته سخر “الكساب” عبد القادر ضيعته بنواحي تيفلت، على مستوى جماعة عين جوهرة دائما، من أجل عرض الأغنام التي استوردها من إسبانيا. وأوضح أنه استورد هذه السنة ما يصل إلى 3500 رأس، استجابة لدعوة الوزارة الوصية، مؤكدا “جودة الأغنام الإسبانية”.
وفي سياق تفصيله لمميزات هذه السلالة الأجنبية، قال عبد القادر إن “لحومها ممتازة واستفادت من المراعي الطبيعية بالتراب الإسباني، إلى جانب كونها تغدّت على علف ذي جودة؛ كما أن أثمنتها المتوسطة، مقارنة بالأصناف الوطنية، تجذب المواطنين”.
العيد.. سياسة واقتصاد
في آخر الأرقام الرسمية التي تخص مناسبة عيد الأضحى، لفت محمد الصديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، خلال رده على أسئلة المستشارين البرلمانيين، إلى أنه “من المرتقب أن يصل العرض الوطني من الأضاحي خلال هذه السنة إلى 7,8 ملايين رأس، منها 6,8 ملايين رأس من الأغنام ومليون رأس من الماعز، في حين يقدر الطلب المرتقب بحوالي 6 ملايين رأس، منها 5,4 ملايين من الأغنام و600 ألف من الماعز”.

وأضاف أن “عملية الترقيم وصلت إلى 5,8 ملايين رأس، في حين وصل الاستيراد من الخارج إلى 450 ألف رأس بنهاية ماي الماضي، في الوقت الذي تطمح الوزارة إلى استيراد ما يصل إلى 600 ألف رأس للرفع من العرض والاستجابة للطلب، والتخفيف من الضغط على الماشية الوطنية، على أن تتزايد هذه الأرقام خلال الأيام المقبلة”.
وبيّن المسؤول الحكومي أن “عيد الأضحى يظل موعدا سنويا للمواطنين ولمربي الماشية بالنظر إلى كون 14 مليار درهم يتم تحويلها إلى العالم القروي”، لافتا إلى تأثر القطيع الوطني للسنة الثالثة على التوالي جراء الجفاف وتدهور الزراعات الكلئية وغلاء الأعلاف. وأضاف أنه “تم إعفاء المستوردين من الرسوم الجمركية والضريبية، ومنحهم 500 درهم عن كل رأس مستورَد”.