فرنسيون يكشفون سر صعود و هبوط معيشة المغاربة؟

22 سبتمبر 2024آخر تحديث :
فرنسيون يكشفون سر صعود و هبوط معيشة المغاربة؟

قلصت دراسة جديدة لمجموعة “القرض الفلاحي” الفرنسية من توقعات نمو الاقتصاد المغربي إلى 3 في المائة فقط بنهاية السنة الجارية، مقابل معدل نمو استقر عند 3.3 في المائة السنة الماضية، حيث شددت على أن التغيرات المناخية ستشكل عاملا مؤثرا في تقلبات النمو بالمغرب خلال السنوات المقبلة، منبهة إلى تحديات هيكلية أكبر تواجه اقتصاد المملكة على المدى المتوسط، تتمثل في الجفاف المزمن، واعتماد نموذج تنموي متعثر أدى إلى تباطؤ النمو من 4.3 في المائة في المتوسط خلال 2004-2014 إلى 2.4 في المائة خلال 2015-2023، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة الذي يفرض ضرورة تنفيذ إصلاحات استعجالية.

ووفق خبراء مديرية الدراسات الاقتصادية في المجموعة البنكية الفرنسية فإن النمو على المدى القصير سيحظى بدعم من تحسن الوضع الوطني، إذ انخفضت معدلات التضخم بشكل ملحوظ، بعد أن بلغت ذروتها بنسبة 10 في المائة في فبراير 2023، مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة منذ مارس 2022، وتفاقم الوضع بسبب موجة جفاف شديدة أدت إلى انخفاض الإنتاج الفلاحي بنسبة 12 في المائة في 2022، موضحين أن عودة الأوضاع إلى طبيعتها منذ 2023 أدت إلى تراجع كبير في معدلات التضخم، الذي من المتوقع أن يصل إلى حوالي 2.5 في المائة بنهاية السنة الجارية، مقابل 6.1 السنة الماضية، و6.6 في المائة في 2022، ما سيدعم الاستهلاك الخاص.

وحسب الدراسة ذاتها فإن تباطؤ التضخم سمح للبنك المركزي بإنهاء دورة التشديد النقدي في يونيو، إذ خفض معدلات الفائدة من 3 في المائة إلى 2.75 (أول تخفيض منذ 2022)، موضحة أنه في وقت مازال الطلب الخارجي، وخاصة من أوروبا، الشريك التجاري الأول للمغرب، غير مؤكد، تظل قطاعات السياحة والفوسفاط نشطة، فيما تحظى قطاعات صناعات السيارات والمكونات الإلكترونية بدعم من زخم التنويع الصناعي في المغرب، الذي يظهر في نمو صادرات هذه القطاعات خلال السنوات الأخيرة، وكذا من خلال البرامج والأهداف المعلنة من قبل وزارة الصناعة والتجارة.

الجفاف المزمن
شدد خبراء “القرض الفلاحي”- فرنسا على تأثر النمو الاقتصادي بكساد جديد في القطاع الفلاحي (-5 في المائة خلال النصف الأول من السنة الجارية)، معتبرين أن هذا العامل مقلق، بعد صدمة خارجية للاقتصاد المغربي، ومذكرين في السياق ذاته بأن الفترة من 2019 إلى 2022 كانت الأكثر جفافا منذ الستينيات، وبأن نقص التساقطات أصبح ظاهرة مزمنة، فيما أشاروا في تحليلهم إلى مساهمة القطاع الأولي بنسبة 12 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ما يؤدي إلى تأثير كبير على النمو وزيادة تقلباته.

وأوضح إسماعيل ناقري، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، أن تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي له تأثير بالغ الأهمية على النمو، خصوصا من خلال التشغيل، إذ يستوعب القطاع حوالي 38 في المائة من اليد العاملة، تمثل النساء نسبة 50 في المائة منها، وبالتالي فالأثر الاجتماعي كبير، مؤكدا أنه خلال السنة الماضية، وبعد موجة الجفاف التي شهدتها 2022، بلغ معدل البطالة 13 في المائة، وهي نسبة لم تسجل منذ التسعينيات، الأمر الذي يفاقم خسائر الاقتصاد الوطني من ظاهرة الجفاف المزمن التي يتعرض لها المملكة خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف ناقري، في السياق ذاته، أنه رغم قيام الحكومة باتخاذ مجموعة من الخطوات الإصلاحية والإجراءات الاستعجالية لاحتواء تداعيات تأخر التساقطات المطرية والجفاف، بما في ذلك تطوير البنية التحتية للري الفلاحي وتدابير توفير المياه، يظل القطاع الفلاحي عاملا متحكما في تقلبات النمو خلال السنوات المقبلة، موضحا أنه بالنظر إلى تأثيره القطاع المذكور على التشغيل فإن هذا الوضع أصبح يفرض حاجة ملحة إلى تحول الاقتصاد المغربي، من أجل تقليل القيود على النمو وتعزيز خلق فرص الشغل في قطاعات أخرى، ومشددا على أن التحول هو التحدي الرئيسي للنموذج التنموي الجديد الذي تم إطلاقه في 2021.

القطاع غير المهيكل
وضع خبراء مجموعة “القرض الفلاحي – فرنسا” اليد على مكمن اختلالات تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي في المغرب، مؤكدين أن مؤشرات القطاع الخاص أظهرت ضعف دخول وخروج الشركات من الاقتصاد الوطني، بسبب القوانين والتنظيمات المطبقة بشكل غير متسق في كثير من الأحيان مع واقع المرونة التجارية، ما يجعل قواعد اللعبة في بيئة الأعمال غير واضحة ومعقدة، وموردين في دراستهم أن هذا الواقع أثر سلبا على الدينامية الريادية وشجع في كثير من الأحيان على اللجوء إلى الاقتصاد غير المهيكل.

وبالنسبة إلى محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، فالدراسة الجديدة سلطت الضوء على اختلالات عميقة في بنية النمو بالمغرب، مشيرا إلى وجود منظومة حوافز اقتصادية غير مثالية، تدعم بعض القطاعات التقليدية، مثل البناء والأشغال، على حساب حوافز الاستثمار في القطاعات الواعدة بالتنوع والإنتاجية، ومنبها إلى وجود ثغرات في القوانين والأنظمة تسمح بتكريس مجموعة من الممارسات الاحتكارية، وزاد أن “كل هذه العوامل تؤدي في النهاية إلى تغذية اقتصاد ريعي قائم على جمود هيكلي في البنية الاقتصادية”.

ونبه يازيدي شافعي، إلى أهمية ميثاق الاستثمار في احتواء تداعيات القطاع غير المهيكل على الاقتصاد الوطني، إذ تم اعتماده في 2022، على أساس تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات بحلول 2026 (51 مليار يورو)، أو (30 في المائة من الناتج الداخلي الخام)، وخلق 500 ألف منصب شغل (4.7 في المائة من إجمالي التشغيل الحالي)، مؤكدا أن الحكومة الحالية تسابق الزمن من أجل رفع حصة الاستثمار الخاص ليشكل ثلثي الاستثمار الإجمالي، بدلا من الثلث الحالي، ومشددا على أن الميثاق المذكور يمثل إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الحوافز لصالح التنوع الاقتصادي.

وخلص خبراء المجموعة البنكية الفرنسية في دراستهم إلى أن المغرب، رغم كل التحديات، أظهر فعالية معترفا بها في تدبير سياساته العامة، ما مكنه من تحقيق استقرار اقتصادي كلي في مواجهة الصدمات، مثل كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا وزلزال الحوز، ما مثل ضمانة مهمة للثقة لدى المستثمرين، إذ سمح للمملكة بالتواصل غير المنقطع مع الأسواق الدولية وبمعدلات دين منخفضة، وهي عوامل تضمن استدامتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق