يعول فلاحو منطقة بودربالة، بإقليم الحاجب، التي تشتهر بزراعة البصل، على مساحات واسعة من هذا المنتوج سنويا، باعتباره المحصول الاقتصادي الأول بالنسبة لهم، لكن أمانيهم خابت خلال الشهور الماضية، بعدما انخفضت أسعار البصل إلى أرقام متدنية، لم تغط حتى أثمنة التكلفة، حيث بلغ سعر البيع في الضيعة إلى 80 سنتيها (18 ريال)، وثمن البيع في السوق إلى درهمين ونصف او 3 دراهم.
وإلى عهد قريب، كانت هذه الفترة معروفة بـ«عهد الرواج»، حيث يشغل القطاع عشرات الآلاف من اليد العاملة تنحدر من مختلف مناطق المملكة، خاصة بإقليم الحاجب الذي يشتهر بفلاحة البصل بشكل لافت، حيث المحصول اليوم وافر للغاية، يقابله تخوف الفلاحيين من ضياع البصل لأسباب متعددة، منها عدم التسويق في الوقت المناسب قبل نهاية صلاحية استهلاك المحصول، وعدم فتح باب التصدير للأسواق الخارجية، ما أثر بشكل كبير على قدرة الفلاحين في مسايرة ومزاولة نشاطهم الفلاحي في إنتاج هذه المادة الحيوية لدى المغاربة.
وأرجع سفيان الغناوي، وهو فلاح من منطقة بودربالة هذا «الكساد»، إلى ما شهدته المواد والأسمدة والمبيدات الكيماوية الفلاحية في السنوات الأخيرة من ارتفاع مهول في الأثمنة، منها ما تضاعف ثمنها لمرتين أو ثلاثة، بالإضافة إلى ارتفاع سعر قنينة الغاز الواحدة، ما زاد من تكلفة الإنتاج في العرض والجودة، خصوصا في صفوف الفلاحين الصغار والمتوسطين.
وأضاف سفيان أن «البصل يحتاج للأسمدة عدة مرات طوال فترة الزراعة، بالإضافة إلى رش المبيدات مرات متكررة، في حين متوسط سعر الواحدة نحو 300 و600 درهم، تتنوع بين منشطات ومعالجة الإصابات المختلفة وأغلبها من الفطريات أو الحشرات أو تداعيات تغير الحرارة».
وأردف أنه «رغم كل هذه المعيقات، تتوفر منطقة بودربالة اليوم على محصول وافر ومهم من البصل، نظرا للجو المعتدل التي تتميز به المنطقة، وهو ما أدى إلى نمو «النقلة» بشكل جيد، ووجودها بشكل وافر، ما شجع العديد من المزارعين على القيام بزرع كل المساحات التي يملكونها دون تردد».
من جانبه، خلص محمد اهرمش، صاحب ضيعة فلاحية بمنطقة بودربالة، في تصريح مماثل، إلى أنه في غياب البحث عن أسواق خارج أرض الوطن للتصدير، يبقى الفلاح معرضا للإفلاس، والمنتوج الوافر المحصل عليه من مادة البصل للإتلاف، بالمقابل طالب وزارة الفلاحة والجهات المعنية بالتدخل العاجل لفتح باب التصدير أمام الفلاحين، وتنظيم هذا القطاع ليصل الكيلوغرام الواحد من البصل إلى المستهلك بثمن مناسب، دون الخوف من ارتفاع القدرة الشرائية أمام المواطن المغربي، مضيفا: «نرفض كذلك بأن ينزل ثمنها إلى الأدنى حفاظا على رأس مال الفلاح وعلى استمرارية الإنتاج».
وأشار المتحدث ذاته إلى أن انتعاش السوق نتيجة فتح باب التصدير الذي ظل مغلقا بل لسنوات، من شأنه أن يزيد حركة البيع، وهو ما سيقابله زيادة هامش الربح، لإعطاء نفس جديد للقطاع عامة، بين البائع الذي يتلقى مبلغا يكافئ تعبه وما أنفقه التاجر، وصولا إلى القائمين على النقل والمصدرين إلى الخارج.
وخلص محمد إلى أن «العديد من الهيئات المهنية تضررت من موجة الحرارة الشديدة، ما دفعها إلى مراسلة الحكومة لكي تعرف حجم الأضرار الفلاحية، وبالتالي تستعد للموسم الفلاحي المقبل تبعاً للمؤشرات الحالية».
كما شارك في حديثه عن تكلفة زراعة البصل، موضحا أن محصول البصل شديد التأثر بدرجات الحرارة انخفاضا وارتفاعا وفي كل حالة له نوع مبيد حشري مختلف.
واختتم محمد اهرمش تصريحه بالقول إن «الإقليم يعرف طيلة شهريْ شتنبر وأكتوبر موسم تخزين البصل على الطريقة التقليدية، أو ما يعرف بـ«لَكْرَايَرْ» أو «الشَّيشْواراتْ»، خصوصا بمركز بودربالة الرائد على الصعيد الوطني في إنتاج أجود أنواع البصل، لعدم وجود طريقة علمية ناجعة للتخزين لتُحافظ مادة البصل على جودتها لمدة أكثر، باستثناء الطريقة التقليدية التي يعتمد عليها الفلاح منذ سنوات خلت».
وجدير بالذكر أن مزارعو البصل بجهة فاس-مكناس يراهنون على مشروع ورش إنشاء وحدة عصرية لتخزين وتلفيف البصل بقطب الصناعات الفلاحية «أكروبوليس مكناس»، تنفيذا لمضامين برنامج التنمية لجهة فاس-مكناس في الشق الخاص بتطوير وعصرنة القطاع الفلاحي، الذي يعتبر الأول من نوعه على الصعيد الوطني، والذي يُرتقب أن يستفيد منه جل مزارعي البصل بجهة فاس-مكناس، ما قد يُمّكنهم من تفادي خسارة 30% من الإنتاج المحصل خلال ستة أشهر، إضافة إلى توفير وحدة مجهزة بأحدث التجهيزات والتي من شأنها أن ترفع من جودة البصل، ما قد يُساهم في الرفع من نسب تصديره.