فوائد لا يمكنك تصورها للحكة؟

1 أبريل 2025آخر تحديث :
فوائد لا يمكنك تصورها للحكة؟


هل سبق لك أن تساءلت عن السبب وراء غريزة “الحك” التي تنتابنا عند الشعور بالحكة؟ قد تبدو هذه الحركة بسيطة ومزعجة في آنٍ واحد، ولكن دراسة حديثة كشفت أبعادًا مدهشة وغير متوقعة لهذه العادة الغريزية. فبعيدًا عن كونها مجرد استجابة مزعجة للحكة، تلعب أدوارًا مزدوجة ومعقدة في التنسيق بين الالتهاب والدفاع المناعي.

نُشرت هذه الدراسة في مجلة Science المرموقة (المجلد 387، العدد 6733، 2025) بقيادة فريق بحثي من جامعة بيتسبرغ، بقيادة الدكتور دانيال إتش كابلان وبالتعاون مع مؤسسات أخرى. وقدمت نتائجها رؤى جديدة حول طبيعة التفاعل بين الجهاز العصبي والمناعي في الجلد.

ما الذي يحدث حقًا عندما نخدش؟

بحسب الدراسة، الخدش لا يفاقم فقط الالتهاب التحسسي، بل يُحفز أيضًا استجابة دفاعية ضد واحدة من أكثر أنواع البكتيريا الجلدية شيوعًا وخطورة: المكورات العنقودية الذهبية. يبدو أن الخدش ينشط شبكة معقدة تُعرف بـ “الدائرة المناعية العصبية”، التي تجمع بين الخلايا العصبية الحسية، والببتيدات العصبية، والخلايا المناعية مثل الخلايا البدينة. ومع التفاعل السحري بين هذه العناصر، يتسبب الخدش في تنشيط استجابة دفاعية مناعية تساعد على حماية الجلد من العدوى.

هذه العملية تتضمن إطلاق “المادة P” (Substance P)، وهي رسول كيميائي يلعب دورًا محوريًا في تعزيز هذا التفاعل. تعمل هذه المادة على تنشيط الخلايا البدينة من خلال مستقبل محدد يُسمى MrgprB2، مما يُحدث استجابة التهابية عميقة وتآزرية مع مستقبلات أخرى مثل FcεRI، التي تستجيب للمواد المثيرة للحساسية أو للبكتيريا.

ثنائية الدور: هل الخدش عدو أم صديق؟

من المفارقات أن لهذه الحركة الغريزية تأثيرين متناقضين. فمن جهة، يؤدي الحك إلى تفاقم حالات مثل الأكزيما، حيث يزيد الحكة والالتهاب ويؤدي إلى تدهور حاجز الجلد الطبيعي. ولكن من جهة أخرى، يعزز الدفاعات المناعية ضد الالتهابات البكتيرية من خلال القضاء على مسببات الأمراض. بعبارة أخرى، يبدو الخدش وكأنه “سلاح ذو حدين”: أداة تُفاقم الحساسية ولكنها توفر حماية مهمة ضد العدوى.

إقرأ ايضاً

إلا أن الجانب السلبي لهذا التوازن الدقيق يكمن في أثره على البيئة الميكروبية المحيطة بالجلد. فهو يقلل التنوع البكتيري على سطح الجلد، مما قد يخل بالتوازن الطبيعي للميكروبيوم. ورغم أن هذا قد يكون إيجابيًا عند مكافحة مسببات الأمراض، إلا أن الحكة المزمنة وخدشها قد يؤثران سلبًا على البكتيريا المفيدة ويضعفان صحة الجلد والجهاز المناعي.

نحو علاجات مبتكرة للحكة وأمراض الجلد

توفر نتائج هذه الدراسة منظورًا جديدًا لفهم ما يُعرف بـ “دورة الحكة والخدش والالتهاب”، وهي حلقة مفرغة تدفع بأمراض الجلد مثل التهاب الجلد التأتبي إلى مزيد من التعقيد. الخطر لا يتوقف عند الضرر الميكانيكي الناجم عن الخدش فقط، بل يطال التنشيط المزدوج للخلايا البدينة الذي يزيد الالتهاب حتى بعد انتهاء المسببات الأولية.

على ضوء هذا الاكتشاف، يُفتح الباب أمام إمكانيات علاجية جديدة تستهدف المسارات العصبية-المناعية التي تُفعلها هذه الظاهرة. يقترح الباحثون إمكانية تطوير علاجات تُنظم مستقبل MrgprB2 أو مسار المادة P بهدف الحد من الالتهاب دون تعطيل وظائف الجهاز المناعي الأخرى.

يمكن لهذا النهج أن يقدم طريقة أكثر شمولاً لمعالجة الحكة المزمنة وأمراض الجلد الالتهابية من خلال التحكم في الأعراض والآثار البيولوجية المرتبطة بها بشكل مستدام وآمن.

على الرغم من أن الخدش قد يبدو إجراءً بسيطًا وعفويًا، فإنه يحمل تأثيرات غاية في التعقيد والأهمية على الجسم. ليس مجرد فعل يتسبب في الإزعاج أو تفاقم الحساسية، بل هو جزء من لعبة بيولوجية كبيرة تراوح بين الدفاع والهجوم. هل نعيد التفكير في علاقتنا مع هذه الغريزة الغامضة؟ يبدو أن الإجابة تستحق المزيد من البحث والتفكير!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق