أريفينو خاص حسن المرابط
لم تعد شوارع مدينة الناظور مجرد طرق للتنقل، بل أصبحت مسرحاً يومياً لفوضى مرورية خانقة تهدد سلامة السكان، وتعيق الحياة الاقتصادية، وتلطخ سمعة المدينة كمركز حيوي في جهة الشرق. أصوات الأبواق الهستيرية، هدير الدراجات النارية المتهورة، تجاهل الإشارات الضوئية، ومشاة يصارعون للعبور بسلام، كلها مشاهد تعكس انهياراً في ثقافة القيادة وتدهوراً في احترام القانون.
تشريح الفوضى: ثقافة الإفلات من العقاب وبنية تحتية مهملة
تتجلى أزمة المرور في سلوكيات خطرة من سائقي السيارات والدراجات النارية على حد سواء. السرعة المفرطة، تجاوز الإشارات الحمراء، المناورات العدوانية، والركن العشوائي هي ممارسات شائعة تنم عن شعور مقلق بالإفلات من العقاب، رغم توفر الأدوات الرقمية للاطلاع على المخالفات. ومما يفاقم الوضع، الصعود المقلق لسائقي دراجات توصيل الطلبات، الذين يرتكبون في سباقهم المحموم لتلبية الطلبات مخالفات جسيمة كالسرعة الجنونية، السير عكس الاتجاه، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، محولين خدمة حديثة إلى مصدر خطر متزايد.
ولا تقتصر الأسباب على سلوك السائقين، فالبنية التحتية المتداعية تزيد الطين بلة. تعطل إشارات المرور بشكل متكرر، خاصة في أوقات الذروة كليالي رمضان أو بعد هطول الأمطار، دون إصلاح سريع، يخلق اختناقات وارتباكاً شديدين، ويثير استياء المستخدمين ويؤدي لمشادات، مما يعكس قصوراً في صيانة المرافق الحيوية وإدارة الأزمات.
المشاة في خطر: الثمن البشري للفوضى
يدفع المشاة، وخاصة الفئات الضعيفة كالأطفال والنساء وكبار السن، ثمناً باهظاً لهذه الفوضى. يتم تجاهل ممرات الراجلين بشكل شبه تام، وتؤكد الإحصائيات الرسمية (162 حادثة سير جسمانية و47 قتيلاً بإقليم الناظور عام 2020، مع إصابة 32 من المشاة داخل المدن) خطورة الوضع. وتبرز حوادث مروعة ومتكررة تورطت فيها حافلات النقل الحضري لشركة “فيكتاليا”، أدت لوفيات وإصابات بليغة بين الركاب والمشاة، وسط اتهامات بالتهور وشبهات بالتلاعب بكاميرات المراقبة للتملص من المسؤولية، مما يقوض الثقة في النقل العام.
تأثير مدمر: سمعة مشوهة وخسائر بالمليارات
إقرأ ايضاً
تعتمد الناظور اقتصادياً بشكل كبير على الزوار، خاصة أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج. لكن الفوضى المرورية، وما يصاحبها من إجهاد وخطر وضوضاء، تخلق تجربة سلبية من شأنها أن تثني الزوار عن القدوم أو تقصير مدة إقامتهم. تنتشر هذه الانطباعات السلبية بسرعة عبر الشبكات الاجتماعية، لتضر بسمعة المدينة كوجهة سياحية واستثمارية، وتجعلها أقل جاذبية للكفاءات والمستثمرين الباحثين عن بيئة منظمة ومستقرة. ويقدر محللون الخسائر الاقتصادية المتراكمة الناجمة عن هذه الفوضى المستشرية بعشرات الملايير، تُعزى بشكل أساسي إلى تضييع فرص استثمارية وتنموية هائلة يعيقها مباشرة الخلل المروري وصورة المدينة المتضررة.
معاناة يومية وأعراض أزمة أوسع
يعيش سكان الناظور كابوساً يومياً بسبب الإجهاد والخوف والتلوث الضوضائي الناجم عن الفوضى المرورية. كما تعيق هذه الفوضى، المتفاقمة بفعل احتلال الملك العام من الباعة المتجولين، حركة التنقل وقضاء المصالح. ويرى كثيرون أن أزمة المرور ليست سوى عرض لمشاكل أعمق تتعلق بفعالية الإدارة الحضرية، وغياب الرقابة، وتراكم الشكاوى حول تعثر المشاريع وتدهور الخدمات، مما يؤدي لتآكل الثقة ويغذي حلقة مفرغة من التجاوزات.
الناظور في مفترق طرق
تواجه الناظور أزمة حادة تتطلب تدخلاً عاجلاً وحاسماً. فرغم الجهود الأمنية المبذولة، يظل الحل الأمني التقليدي قاصراً عن معالجة الوضع بمفرده، إذ لا يمكن وضع شرطي لمراقبة كل سائق سيارة أو دراجة نارية. إن الفوضى المستمرة تؤكد عدم كفاية الإجراءات الحالية. ويتطلب الأمر رؤية شاملة وعملاً منسقاً من السلطات، الأمن، الشركات، المجتمع المدني، والمواطنين. وفي هذا السياق، تتصاعد المطالبات الموجهة لعامل إقليم الناظور بضرورة تسريع استفادة المدينة من برنامج مراقبة الشوارع بالكاميرات الذي تشرف عليه وزارة الداخلية، كأداة ردع وتقنية حيوية للمساعدة في الحد من تدهور الوضع. يجب فرض القانون بصرامة، تحسين البنية التحتية، ونشر ثقافة مرورية مسؤولة. إن استعادة الانضباط في شوارع الناظور ضرورة حتمية للحفاظ على السلامة، دعم الاقتصاد، وضمان مستقبل أفضل للمدينة وسكانها وزوارها.
