مع حلول شهر رمضان، الذي يُفترض أن تسوده أجواء روحانية من العبادة والتقوى، شهد إقليم الناظور ظاهرة غير اعتيادية أثارت جدلاً واسعاً. محترفو القمار من مدن سياحية مثل مراكش وطنجة حزموا حقائبهم وتوجهوا إلى هذا الإقليم الشمالي للاستمتاع بما تقدمه بعض المقاهي من أنشطة تنافس الكازينوهات التقليدية، خاصة في مجال ألعاب الحظ.
وفقاً لتقرير نشرته جريدة الصباح بتاريخ 25 مارس 2025، تحولت تلك المقاهي من كونها أماكن تجمع اجتماعي وأوقات راحة إلى ملاذ لعشاق القمار، حيث تحتضن مسابقات يومية تجذب المهتمين. لعبة “بينغو”، التي اشتهرت بكونها “لعبة الحظ”، باتت هي العنوان الأبرز لتلك التجمعات، في مشهد وصفه البعض بالخروج الصريح عن أعراف الشهر الفضيل.
التقرير يوضح أن هذه الأنشطة لم تعد تقتصر على أجواء الكازينو الفاخرة ذات التراخيص القانونية، بل نقلت إلى المقاهي العادية، مع توافد كثيف للزبائن خلال ليالي رمضان. الآلية بسيطة لكنها تحمل طابع القمار المحظور قانونياً: يدفع المشاركون مبالغ مالية للحصول على بطاقات بأرقام عشوائية، في انتظار الإعلان عن أصحاب الحظ السعيد. هذه “التسلية”، التي يصفها البعض بعدم البراءة، تُدر أرباحاً ضخمة لأصحاب المقاهي، لكنها تأتي بتكاليف اجتماعية واقتصادية مرعبة.
بعيداً عن المتعة والمكاسب السريعة التي يحلم بها اللاعبون، تقبع خلف الأكمة مشاكل أكثر تعقيداً؛ حيث يتحول البعض إلى ضحايا لإدمان القمار، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لخسائر مالية كارثية قد تزعزع استقرار الأسر. وفي حالات كثيرة، يلجأ المتضررون إلى الاقتراض أو حتى بيع ممتلكاتهم لتعويض الخسائر، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلات اجتماعية مثل النزاعات الأسرية والديون التي تثقل كاهلهم.
إقرأ ايضاً
من جانبهم، عبّر فاعلون جمعويون وأصحاب مقاهي ملتزمون بالقانون عن قلقهم العميق تجاه استفحال هذه الظاهرة. ويأتي غضبهم ليس فقط بسبب الطابع غير القانوني لهذه الأنشطة، وإنما أيضاً جراء الأرباح الهائلة التي يجنيها منظمو “الكازينوهات السرية” خارج إطار أي رقابة ضريبية أو محاسبية. وبذلك يُحرم الاقتصاد المحلي والوطني من موارد مالية كان يمكن استثمارها في مشاريع تنموية تخدم الجميع.
في ظل كل هذا، يبقى السؤال مفتوحاً حول الجهود اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة، التي وإن بدت عابرة للبعض الآن، تحمل بين طياتها مخاطر تهدد القيم المجتمعية والاستقرار الأسري إذا لم يتم التصدي لها بحزم ووعي جماعي. رمضان الذي يُفترض أن يكون شهراً للتفكر والسكينة تحوّل عند البعض إلى ساحة للمخاطرة والأحلام الزائفة، فأي دروس يمكن استخلاصها مما يحدث؟
