في كواليس الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية، التي تسيرها تكتلات من الشيوخ والعجزة الطاعنين في السن، ظهر فجأة رشدي فتحي موساوي ليكسر القاعدة، لكونه أصغر جنرال في نظام العسكر المستولي على السلطة في الجزائر. فعلى الرغم من خلفيته المتواضعة كضابط صغير في المخابرات، استطاع موساوي أن يشق طريقه إلى قلب السلطة مستغلا علاقاته الشخصية بنجل الرئيس عبد المجيد تبون. من يكون هذا الجنرال الملقب بـ«الصادق»؟
لم يتفاجأ الجزائريون عندما قرر عبد المجيد تبون، الرئيس المعاد انتخابه من طرف نظام العسكر، إقالة الجنرال جبار مهنا مباشرة بعد تأديته لليمين الدستورية، لكن ما فاجأهم هو الخليفة الذي اختاره ليتولى منصب مدير إدارة التوثيق والأمن الخارجي (DDSE)، فخلافا للمعتاد، اختار الرئيس المقبل على عامه التاسع والسبعون أن يعين هاته المرة شابا « نظيفا » في منصب تعاقب عليه جنرالات طاعنون في السن وغارقون في الفساد.
دبلوماسي متملق
وصف هشام عبود، الصحفي الجزائري المعارض للنظام، رشدي فتحي موساوي، الذي ولد بعنابة عام 1977 (يبلغ من العمر 47 عاما)، بـ «أصغر جنرال» في النظام العسكري الجزائري. وكشف من خلال بث مباشر عبر قناته على يوتيوب أن هذا الشاب انضم إلى الجيش، وتحديدا إلى خدمات الأمن الخارجي، عام 1999.
وأوضح عبود الذي خبر خبايا النظام العسكري الجزائري لكونه اشتغل داخله لسنوات (1975-1992)، أن «يدي هذا الشاب، الذي يلقب باسم حركي هو الجنرال الصادق، لم تتسخ بدماء الجزائريين مثل باقي الجنرالات الفاسدين كجبار مهنا وناصر الجن والحسين بولحية ومعاذ.. ».
وعن سبب اختيار هذا الشاب للعمل في جهاز الأمن الخارجي، نقل عبود عن مقربين منه قولهم إنه يتحدر من عائلة دبلوماسية، حيث كان والده وعمه من الشخصيات البارزة في السلك الدبلوماسي الجزائري. وقد ورث حس الدبلوماسية، حيث كان يعرف دائما الكلمة المناسبة ليقولها في الوقت المناسب، ويظهر خدمة وتهذيبا وتعاطفا كبيرا مع من يتعامل معه. وكان زملاؤه يصفونه بالمتملق، خصوصا مع رؤسائه. وقد حافظ دائما على علاقات ممتازة مع رؤسائه وكان صديقا لأسرهم.
على الرغم من عدم مشاركته في الحرب الأهلية الجزائرية (العشرية السوداء)، والتي طالت العديد من الضباط في الجيش، إلا أن رشدي موساوي تمكن من تسلق السلم العسكري بفضل ما يصفه زملاؤه بـ »ذكائه الدبلوماسي » وقدرته على بناء علاقات قوية مع رؤسائه. ومن أبرز هؤلاء اللواء رشيد لعلاعي، المعروف بـ« عتافي »، الذي دعم موساوي وفتح له أبواب العلاقات مع الشخصيات النافذة.
بداية الصعود السريع
في أكتوبر من عام 2020، كان موساوي يشغل منصب مسؤول مكتب الأمن في السفارة الجزائرية ببرلين، وصادف وقتها تواجد الرئيس عبد المجيد تبون في المستشفى في العاصمة الألمانية بعد إصابته بفيروس كورونا. وهكذا قاده منصبه إلى التعرف على أبناء الرئيس تبون خلال إقامة الرئيس الطويلة في المستشفى، فكان ذلك بداية الصعود السريع في مسار موساوي، حيث توطدت علاقته مع محمد، الابن الأكبر لتبون.
هذه الصداقة لم تكن عابرة، بل كانت عميقة إلى درجة أن محمد تبون كان يهمس في أذن والده بتوصياته لتعيين موساوي في مناصب حساسة، مثل تعيينه في باريس، وهو ما فتح له أبواب النجاح.
من ضابط إلى جنرال
كانت العلاقة الوثيقة بين موساوي ومحمد تبون، الابن الأكبر للرئيس، المحرك الأساسي لصعوده السريع. إذ لم يقتصر الأمر على الصداقة فقط، بل دفع محمد تبون باتجاه ترقية موساوي إلى رتبة جنرال، على الرغم من أنه قضى فقط 4 سنوات في رتبة عقيد، وهي خطوة أثارت استياء داخل الأوساط العسكرية، حيث بقي العديد من زملائه في رتبة عقيد لأكثر من عقد.
بين النظافة والتحديات
تثير ترقية موساوي السريعة إلى منصب رفيع تساؤلات حول ما إذا كان سيظل بعيدا عن شبكات الفساد التي تحيط برجال الأعمال ورجال السلطة في الجزائر. في ظل تعيين موساوي في إدارة التوثيق والأمن الخارجي، يزداد الضغط عليه لتقديم الولاء الكامل للسلطة الرئاسية، خاصة وأنه يدين بالكثير من نجاحه الشخصي لعلاقاته الوثيقة بعائلة تبون.
وبينما يستعد الجنرال موساوي لمواصلة مسيرته في عالم المخابرات، تبقى الشكوك حول مستقبله قائمة. هل سيكون قادرا على الاستمرار في مساره دون أن يقع في مصائد الفساد والإغراءات؟ وهل سيتمكن من الحفاظ على سمعته كضابط « نظيف » في وقت تمتلئ فيه صفحات التاريخ الجزائري بالفضائح الأمنية والسياسية والمالية؟ الأيام القادمة ستكشف الإجابة.